ستتوقف حتما حملات الخصومة والعداء مع المصريين إن لم يكن في الغد القريب ففي الغد البعيد، ليس لأن كل طرف سيتخلى عن نظرته للآخر بسهولة، وليس لأننا سنرتقي حضاريا ونتسلح بما يسميه فلاسفة الأنوار بفضيلة التسامح، ولكن لأن كل طرف سينشغل بالتأكيد بوضعه المأزوم، ومستقبله الغامض، وكل واحد سيعود للحياة الطبيعية التي ليس فيها أي شيء طبيعي، والأكيد أن هذا هو الذي سيدفعنا مرة أخرى للأسئلة الخاصة بنا، تلك التي بقيت معلقة، والتي هي بحاجة لتفكيرنا أو على الأقل تفكير نخبنا المثقفة التي سنصارح أنفسنا، ونقول أنها تعيش في بلادنا على الأقل في أسوأ حالاتها، مع أنها هي المحرك الرئيسي للدينامية التقدمية، للحلم بالمستقبل، وللإيمان بإمكانية الوصول لشيء آخر، مضيء ومبهج لشعبنا الجزائري الغارق الآن في عاطفته الصادقة، وحبه الكبير· لعل السؤال الأساسي الذي سنطرحه على أنفسنا هو الذي طرحه لينين ذات يوم: ما العمل؟ وكيف نعمل من أجل هذه الغاية، استرداد نخبنا للمكانة التي يجب أن تحتلها، والدور الذي يجب أن تقوم به؟ ما العمل؟ بالطبع سيكون من الصعب انتظار معجزات من نخبنا التي تعيش على المستوى السوسيولوجي وضعا مزريًا، ومن الناحية العلمية حالة من الخلل والفقر المعرفي الناجم طبعًا من الظروف التي لم تتح بعد لعملية الترميم والبناء أن تكتمل، ولهذا تظل نخبنا في شتى المجالات نُخب متذمرة، قانطة، تحكمها منطقية التدمير الذاتي، نقدها نقد سلبي وتفكيرها منقوص هو نفسه خال من أي أمل وبطنها لنقلها بصراحة جائع وعطشان، ولم يشبع بعد· لقد ضرب لنا النظام الجزائري مثلا رائعا عندما وفر لفريق وطني كل الظروف الناجحة والمحفزات النفسية والمادية لكي تضرب الجزائر لنفسها موعدا في المونديال، فلماذا لا يكون الأمر في شؤون معرفية وعلمية على هذا الشكل، سأقول لكم إن السبب البسيط والمعروف أن النخب المثقفة تحتاج لحرية ومرونة واستقلالية وآليات جديدة في تعامل الدولة معها، لا تقوم على التسخير ولكن التفعيل، ونحن بحاجة اليوم لهذا الفهم الجديد للسلطة تجاه نخبها· وإذا كانت الدولة مطالبة بأشياء عاجلة وضرورية فإن النخب أيضا المستسلمة لكسلها وعزوفها على الانخراط في أي نقاش جدي بحجج كثيرة بأن تقنع الآخرين بجدواها وأهميتها وفاعليتها في الواقع، وللأسف نحن نعرف أن الكثيرين من نفس الجسم الثقافي هم الذين يشكلون عقبة في الميدان ولكن يكفي بناء رؤية جديدة وموضوعية تتبناها النخب لإعادة تغيير هذه الصورة الكريهة، خارج الخصومات المبتذلة والاقصاءات العمياء والأخلاقيات التافهة والتآمرات الداخلية التي ضلعنا فيها نحن الجزائريين ضد أنفسنا أكثر من غيرنا، ولا عجب أن لا نفرح لنجاح كاتب أو مفكر جزائري إلا إذا جاءت تزكيته من الخارج، واقر له بشهادة حسن السلوك والإبداع من هناك، وتكرس هذه المظاهر عندنا بشكل مثير للتقزز، حان الوقت لتنقل نخبها من تدمير الذات لإعادة بناء الذات ومن كراهية نفسها لحبها كي تحب غيرها، حان الوقت لكي تكبر قيمنا بالفعل، تتعالى، وأحلامنا تزداد نصاعة وبياضا وهذا ليس بالتهرب من مواجهة أنفسنا وعيوبنا بالتأكيد وليس من خلال التماهي مع عاطفة الوطنية الجميلة ولكن المضللة عندما لا تجد ما يسندها على أرض الواقع· دعوني أحلم أن أرى في مستقبلنا القريب بلادي خلية نحل تعمل بجد وكد من أجل مستقبل أفضل لأبنائها، الذين يعبرون اليوم عن حب رائع لها وهم في سرهم يتمنون أن تتغير أمور كثيرة من على السطح، وطبعا لن يحدث هذا بين عشية وضحاها، ولكن افتحوا الباب للحلم الحقيقي المتبوع بالعمل، فلاشيء يتحقق من دون إرادة ومن دون عمل·