إكتشف الجزائريون، سينما سلمى برقاش، منذ سنة تقريبا، في إطار المهرجان المغاربي للسينما، في طبعته الأولى (3 إلى 8 نوفمبر 2013)، من خلال فيلمها الطويل "الوتر الخامس"، الذي لفت الإنتباه من حيث طريق التصوير وأداء الممثلين الذين اشتغلوا وفق رؤية سلمى، خريجة المدرسة العليا للسينما بفرنسا. برقاش تجربة مغربية واعدة، تجر ورائها رصيدا ميدانيا ثريا، اشتغلت مع أكثر من إسم في بلاطوهات التصوير السينمائي في المغرب وخارجها، مساعدة في الإخراج ثم مخرجة أفلام قصيرة، ترى أن كونها إمرأة لا يجب أن يفرض عليها خيارا في المواضيع، وهي تريد - حسب تصريحاتها في هذا الحوار- معالجة تيمات تقترب من الإنسان، رجلا كان أو إمرأة، لتنفض على عاتقها ما كرسته بعض السينمائيات العربيات بشكل عام، اللائي يتناولن مواضيع بعينها "تحت الطلب" لإرضاء المهرجانات وبعض دوائر الترويج. تشتغل سلمى برقاش اليوم في المملكة المغربية، في وسط فني سابع ثري من حيث كم الأفلام المنتجة سنويا، والمغرب يحتل المرتبة الأولى مغاربيا، من حيث كثافة الإبداع السينماتوغرافي، أعمال جريئة في الطرح، متنوعة وترضي أكثر من فئة جماهيرية، إلا أن سلمى ترى أن المغرب لم يصل بعد إلى مستوى إرساء صناعة سينمائية كما هو الحال في الدول المتطورة، ذلك أن المملكة تعاني هي الأخرى مثل الجزائر وتونس من تراجع حظيرة قاعات العرض، غياب مؤسسة لتوزيع الفيلم وترويجه بما يليق بالجهد المبذول في سبيل إخراجه، ناهيك عن معاناة السينمائيين من تجاهل التلفزيون لإبداعهم، الذي يوصلهم في غالب الاحيان -حسبها- إلى البكاء و الإنهيار. درست السينما بفرنسا، كما قلت، حيث نلت دكتوراه في المجال بعد دراسة معمقة في موضوع وضعية المرأة في السينما المغربية، بعدها عدت إلى المغرب، واشتغلت هناك كمساعدة مخرج مدة 15 عاما تقريبا مع كل المخرجين المغربيين والأجانب أيضا، بالموازاة أخرجت أشرطة قصيرة على فيلم 35 ملم، لأنطلق فيما بعد في إنجاز الأعمال المطولة. بتاتا، لا يوجد شيء من هذا في نظري، لكل واحدة مسارها الفني، وطريقتها في رسم أهدافها، ولكل واحدة أيضا بداياتها سواء كانت علمية أكاديمية أو ميدانية مباشرة، كما أن المرور على تجربة المساعد المخرج ليست إجبارية أيضا. فيما يخص مساري المهني، فأنا تصورته بهذا الشكل، اشتغلت مع رجال كثر، ضمن حدود الإحترام والتقدير. الأساس في علاقتنا هو الإحترافية والمهنية، وأظن أن وجود هاتين الميزتين يفرضك على الغير دون صعوبة، في نهاية المطاف هدفنا واحد، هو إنجاز أفلام جميلة تروق للجمهور الواسع. الإشكال نفسه أطرحه عل نفسي في كل مرة، لماذا تميل المرأة إلى مواضيع تخصها ذاتيا، وتبتعد ربما عن مواضيع أوسع تهم الإنسان بصفة عامة. أعتقد أن ما تقوم به بعض المبدعات، هو نتاج استجابة لطلب في هذا الصدد، ثمة جهات تدفعها إلى الإنحصار في هذا المسلك دون غيره، وكأنها تبدع تحت الطلب في نهاية المطاف، وأقصد هنا محيط المهرجانات على وجه التحديد وبشكل أساسي أيضا، أكيد لاحظتي أن أول فيلم طويل لي "الوتر الخامس" لا يتطرق أبدا على مسألة المراة، فالبطل رجل، وقد استدعى ذلك استغراب محيطي، فعندما بدأت في تأليف السيناريو، سألت لماذا لا تكتبين شيئا عن وضع المرأة، وكنت دائما أجيب أن هدفي الإبداعي لا ينحصر في كوني إمراة، ما يهمني هو الرجل والمرأة في آن واحد، كلاهما إنسان يعيش وضعيات تضايق وجوده. فعلا لم أعط للمرأة حيزا رئيسا لرواية أحداث فيلمي، فأم البطل "مالك" رغم أنها لم تتحرك بالشكل الهام كغيرها من الشخوص، إلا أن تأثيرها كان محسوسا في توجه الإبن وخياراته، هي لا تريد أن يتبع إبنها طريق الموسيقى الذي سبق زوجها أن سلكه، فعاش محتاجا وفقيرا، وهو موقف عبرت عنه في الفيلم، لأعكس واقعا أليما في دولنا كالمغرب، حيث التوجه إلى الفنون يعد خيارا مجازفا، نظرا لكون الفن في بلادنا هشا وصعبا، في الطرف الآخر من المعادلة هناك عم مالك، رجل قوي ومتسلط، استولى على ممتلكات عائلة أخيه المتوفي. بالضبط هذا ما أردت أن أفهمه للمتفرج، فالعم الذي يقمع رغبة إبن أخيه في العثور على أسلوب مغاير للعزف على العود، هو نموذج لكل الرجال أو المسؤولين في قطاع الثقافة الذين يتخوفون من التجديد، يفضلون سجن أفكار الغير في قوالب جاهزة لتسهل عليهم مهمة المراقبة، وقد تحدثت في الفيلم عن الموسيقى الأندلسية، التي تعد مدرسة جد محافظة، والذين ينتمون إليها هم أناس تقليديون إلى حد التطرف في نظري. حقيقة للفيلم مستويات متعددة للقراءة، فالفيلم أولا هو قصة مستقرة واحدة يمكن متابعة تطورها، ونفهم أن الأمر يتعلق بشاب يريد الطيران بجناحيه بعيدا عن العش التقليدي والذهنيات المتحفظة، كما يمكن أن نأخذ الفيلم كرسم بياني لتطور أداء فنان صاعد، وتماهيه مع الأفكار الروحية والجمالية، وحتى المتاح إليه ماديا ومواجهته لموقف تقرير خياراته المستقبلية. من جهة أخرى، أعتبر نفسي سينمائية ذات ثقافة فرانكوفية، بقيت لسنوات منقطعة عن بلدي وعن ما يجري فيها، في تلك السنوات كنت أشعر أني انسخلت عن جذوري، لكن اللحظات الأولى للعودة، وجدت الموسيقى تصالحني مع هويتي، وربما هي طريقتي في التعبير عن ما حدث لي داخليا ووجدانيا، وقررت تصوير الفيلم بمناطق مغربية عدة منها طنجة والسويرة والدار البيضاء. خبرتي في مجال مساعدة المخرج، أفادتني كثيرا، وسمحت لي بالإطلاع على التطورات السريعة في مجال الفن السابع مغربيا، في السنوات التي قضيتها بالمغرب ولحد الآن رأيت مخرجين ومنتجين بلغوا حدود البكاء والإنهيار، لصعوبة إيجاد موارد مالية ومحيط مساعد للإنتاج، هم يركضون في كل الإتجاهات على حساب ساعات الإبداع والعمل. كان الأمر عسيرا بل ريتم مجنون، خاصة وأن المخرج هو منتج في آن واحد. من حسن حظي، كانت لي منتجة وفرت علي ذلك العناء والشقاء اللا منتهي، فكنت حرة ومتفرغة لمهمة الإخراج، ورفضت رفضا تاما الدخول في هموم الإنتاج، وقليلون في المغرب من يتفرغ لمهمة الإخراج، وهو ما يزيد من تعبهم ويجعلهم محل ضغط لا يتصور، ربما هناك أربعة فقط بالمغرب يكتفون بالإخراج دون غيرهم. أما عن ظروف التصوير، فهي ليست دائما سهلة، وتخضع لحجم الإنتاج. في وقت وجيز، استطاع المغرب تطوير قطاع السينما، والفضل يعود إلى الإرادة السياسية في النهوض به، لا يمكن إنكار فضل تلك الإرادة على حالنا اليوم، لم نكن لنحقق هذه الريادة، إذا لم تكن هناك جهة اقتنعت بإرادتنا في الرفع من ميزانية الأعمال، ما دفع بالكثير من المنتجين والمخرجين إلى تكثيف العمل، ما أعطى فيما بعد كمية معتبرة أبرزت مع مرور الوقت نوعية يشيد بها العام والخاص، أي أننا من الخمسة والعشرين فيلما لدينا خمسة أو ستة أفلام مميزة وناجحة. هناك قوانين يسير عليها مركز السينما المغربي، وحوله جميعات ونقابات وغرف سينمائية للإنتاج، ناهيك عن وزارة الإتصال، الكل يعمل من أجل تطوير دفتر شروط يخدم السينما المغربية، ويوفر الإمكانات والفرص لمزيد من الإبداع. رغم ذلك، لا يمكننا اليوم أن نقول إن المغرب يملك صناعة سينمائية، أمامنا مشاكل كثيرة يجب حلها، قاعات عرض تغلق تباعا، صعوبات في الترويج لأفلامنا والإشهار لها، تواصلنا سيء مع التلفزيون، والتوزيع هو نقطتنا السوداء، نحن لا نعرف كم من الوقت يلزم لبقاء فيلمنا معروضا، علما أن الحد الأقصى لفيلم ناجح هو ثلاثة أسابيع إلى أربعة. من حسن حظ الفيلم المغربي، تواجده في أزيد من 280 تظاهرة سينمائية، التي تفتح لنا مجال التعارف وتبادل الخبرات. وكيفية إيجاد سبل للتعاون وتجاوز العراقيل ببلداننا، من المهم أن نشاهد ماذا فعل الآخرون. على حد علمي، الرقابة الذاتية تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة، على مستوى الصورة لا يوجد رقابة، أما على مستوى لجان القراءة فأعتقد أن عدد النصوص المرفوضة قليل جدا، وما استبعد لحد الآن راجع إلى قيمته السينمائية لا غير. السينما المغربية، تتطرق إلى مواضيع حساسة، مثل أفلام "ماروك" و"كازا نيغرا" لنور الدين لخماري، و"موشومة" لحسن زينون، الذي قدم مشاهد عري في عمله واستقبله الجمهور بحفاوة، أعتقد أن السينما اليوم بلغت مستوى لتحدد فئات المشاهدين، وعلينا أن نترك الإبداع حرا، في مقابل احترام الجمهور باتباع الطريقة الفرنسية في العروض من خلال إشارة أقل من 16 أو 18 سنة.