ندخل بقى على المشرق العربي! كلموني شوية عن فضلنا على لبنان·· الحقيقة لبنان ذات فضل متبادل يخص نانسي عجرم وهيفاء وهبي وإليسا وأفلامنا السينمائية التي صورناها في بيروت بعد النكسة، وكان القلع والخلع فيها فوق الركب، ثم تفرجت مصر على الحرب الأهلية في لبنان خمسة عشر عاما ولا حيلة لنا إلا جملة إرفعوا أيديكم عن لبنان، بينما لم تكن لنا فيها يد، وحتى الآن، فإن حكومتنا تتعامل مع نصف لبنان باعتباره خصما لها (حزب الله وحركة أمل وتيار ميشيل عون وقلبنا مؤخرا على وليد جنبلاط، فلبنان بالنسبة لحكمنا الرشيد هي سعد الحريري وسمير جعجع!!)· أما فضلنا على سوريا، فبلا حدود طبعا، فيكفي أن مالناش دعوة بيها منذ 1973تقريبا، ورغم محاولات فنانين مصريين أنصاف موهوبين وأنصاف مثقفين طرد ممثليها من حياتنا المصرية إذا بنجوم سوريا يسطعون في مصر! وهذه فرصة لطيفة جدا للكلام الفارغ الآخر الخاص بموضوع أن مصر تفتح ذراعيها للفنانين العرب، وكأن هذه منة أو منحة، لكن الحقيقة أن مصر بلا فنانين عرب لا تملك أن تقول عن نفسها ولا كلمة من عينة هوليوود الشرق والذي منه، ثم هوليوود الأصل يا بتوع الأصول هي التي تفتح ذراعيها لكل فنان ولأي فنان من أي مكان في العالم، وهذا شرط التميز وأس النجاح! ثم إذا كان فتح مصر ذراعيها للفنانين العرب فضلا، فأرجو أن يكون واضحا لدى كل أعضاء نقابة المهن التمثيلية الذين يبدو أنهم في حاجة ماسة إلى دورات تثقيفية في التاريخ، فالذي أدخل المسرح إلى مصر يا بهوات يا بتوع الفن هم السوريون والشوام، هم الذين علمونا يعني إيه مسرح، وهم الذين بنوا المسرح المصري وخلقوه على شكله المعاصر من عدم، ثم الشوام والفنانون العرب، يا نجوم مقصورة استاد المريخ في الخرطوم، هم الذين أسسوا فن السينما في مصر وأنتجوا وأخرجوا ومثلوا أفلامنا الأولى الرائدة واقرأوا تاريخكم الفني لتعرفوا وتفهموا فضل العرب والشوام على كل فنان مصري! وبالمرة بقى طالما جئت إلى الذي يوجع، فإن الصحافة المصرية هي صحافة صنعها شوام العرب من سوريين ولبنانيين، وهم رواد فن الصحافة المصرية الأوائل، بل هم مؤسسوها وأصحابها من أول الأهرام والمصور والهلال والمقطم ودار المعارف حتى روزاليوسف إلخ إلخ! ثم ما فضل مصر على السعودية؟ وعلى الخليج العربي؟ (لم يأت دور فلسطين، حتى الآن، فصبرا جميلا والله المستعان)· آه·· هنا ستسمع كلاما حقيقيًا عن دور المدرسين المصريين والأطباء والمهندسين وغيرهم الذين ساهموا في تعمير وإعمار وتعليم وتطبيب أهل السعودية والخليج! هذا صحيح، لكنه ليس فضلا هذا عمل ولا أقول واجبا بذمتك ودينك، هل سافر مئات الآلاف من المدرسين والأطباء للسعودية والخليج حبا في أهل هذه البلاد أو رغبة في خدمة الإنسانية أو كرما أو عشقا لسواد عيون المواطن العربي في الخليج (أو في ليبيا والجزائر حيث سافر المصريون ليعملوا هناك)· يا أخي عيب، لا يزال السفر لهذه الدول حلما لدى كل شاب مصري كي يكون نفسه ويعمل قرشين ويتزوج أو يبني بيتا، ومحدش يقولي إحنا اللي علمناهم! فالحقيقة أنهم يتعلمون، الآن، في أوروبا وأمريكا ولم نسمع عن أن أوروبا وأمريكا تعايرهم، ثم إذا كنا علمناهم، فأنا، وعلى مسئوليتي الشخصية، أزعم أن نصف بيوت أقاليم مصر إن لم يكن أكثر من نصفها كثيرا تم بناؤه بفلوس مصريين يعملون في الخليج والسعودية، يعني بنوا بيوتنا وصرفوا على أهالينا مقابل ما تعلموه أو اتعالجوا بيه، كان عملا ولم يكن فضلا، ولا حتى رسالة! وكان حلم أي مدرس فيكي يا مصر أن يأتي إسمه في كشوف الإعارة للدول العربية، هل بسبب إنه سيذهب لرسالة العلم ونشر الثقافة ورفع راية التنوير، أبدا ولكن بسبب أنه سيقدر على بناء البيت أو تزويج البنات وتجهيزهن أو توفير مبلغ للزمن أو غير ذلك من مقتضيات ضرورات الحياة! طبعًا، لم أذكر اليمن، حتى الآن، متسائلا عن فضلنا عليها، خصوصا إنه كل شوية يفكرك واحد من إياهم إننا حاربنا لأجل اليمن، بينما نحن حاربنا كذلك لأجل الكويت، وهذا ما يقودنا، مرة أخرى، إلى فضل جمال عبدالناصر· فالمؤكد أن العمل العربي الوحيد المشترك الذي فعلته مصر لأجل شعب عربي منذ 28 عاما كان مشاركة قواتها في حرب تحرير الكويت عام ,1991 لكن دعني أذكرك أن هذه المشاركة كانت تحت قيادة الولاياتالمتحدة الأمريكية!! ثم كان إسقاط ديون مصر الخارجية تاليا لهذه المشاركة (لا أقول ثمنا وقد تقول، ولا أقول مقابلاً وقد تقول، وإذا قلت أنت ذلك لن أجادلك)· لعلنا، في السياق نفسه، نتذكر أن مصر أمدت العراق بسلاح في حرب صدام مع إيران وبموافقة ورعاية أمريكية، ثم بمقابل مالي ضخم وليس حبا في العروبة (ربما كرها في إيران)، وساعدنا زعيما عربيا مجنونا ومستبدا هو صدام حسين على تبديد ثروة شعبه وقتل الملايين من أبناء وطنه في حرب بلا طائل وبلا هدف إلا خدمة الأمريكان والصهاينة! الحقيقة أنه من 28 سبتمبر ,1970 ليلة وفاة جمال عبدالناصر، فإن الشعب المصري ليس له أن يفتح عينه أمام أي شعب عربي ليقول له إنني منحتك أو أعطيتك أو تفضلت عليك خلال أربعين عاما، ومع ذلك فإن مصر جمال عبدالناصر لم تكن هي أيضا صاحبة فضل على العرب! ثالثا: ومع ذلك، فإن مصر جمال عبدالناصر لم تكن هي أيضا صاحبة فضل على العرب! جمال عبدالناصر كان زعيما مؤمنا بالعروبة، وحالما بالوحدة بين الدول (الشعوب) العربية، هذا صحيح، لكنه ساند ودعم حركات التحرر العربية ضد الإحتلال والثوار العرب ضد الحكومات التابعة للغرب، إدراكا منه حقيقيا وعميقا وبعيد النظر للمصلحة المصرية التي هي مع المصلحة العربية في موضع التوأم الملتصق (لم تكن ظاهرة التوائم الملتصقة قد انتشرت كما تنتشر الآن)، مصر كي تتقدم وتتطور وتكبر وتصبح قوة إقليمية قادرة على بناء ذاتها ومد نفوذها وتلبية احتياجات شعبها لا بد أن تملك محيطا حليفا لها ومؤمنا بمبادئها، ينسق معها ويخطط معها وينفذ معها، على سبيل المثال كي يقوم جمال عبدالناصر بتأمين احتياجاتنا المصيرية من مياه النيل والحفاظ على اتفاقية وقعها مع دول حوض النيل وهي تحت الإنتداب أو الإحتلال، فلا بد أن تكون هذه الشعوب التي تملك مفاتيح ماء النيل صديقة لمصر وحليفة لها، من هنا يمد لها يد العون ويزود ثوارها بالسلاح والمال كي يتحرروا ويتمكنوا من قيادة بلادهم، وهذا ما كان في كل الدول الأفريقية التي صار بطلها جمال عبدالناصر حيث مصر موجودة بالقوة المادية وبدعم السلاح والمعلومات، وبالأزهر الشريف وشيوخ الدين، وبالمدارس والجامعات وبالتأييد لهذه الشعوب في المحافل الدولية، سواء الأممالمتحدة أو حركة عدم الإنحياز أو غيرهما، لتصبح مصر ساعتها الحليفة والصديقة، بل الأخت الكبيرة التي ضحت وساعدت ودعمت وتحصل بالمقابل، وبدون أي تردد وبكل حب ونبل على ما تريده من هذه الشعوب والحكومات، ويكفي يا سادة للمفارقة فقط· أن جميع الدول الأفريقية صوتت لصالح مرشحنا المصري فاروق حسني على منصب مدير عام اليونسكو، بينما الرئيس مبارك لم يشارك في مؤتمر الوحدة الأفريقية منذ 15عاما تقريبا! ! كما أن أجهزة إعلام مصر كانت تشير طوال الوقت إلى خوفها من أن تتم رشوة الدول الأفريقية للتصويت ضد مصر! ! وهكذا جهل واضح وغياب مطلق وخلعان كامل يجعلنا بلا قيمة وبلا دور في أفريقيا، الآن، رغم احتفاظنا بآثار قديمة في قلوب الأفارقة، آثار عهد وقيمة جمال عبدالناصر، أنظر الحصيلة: جمال عبدالناصر الذي قطع رجل إسرائيل من أفريقيا بمواقفه وبطولة مصر مع حركات التحرر في أفريقيا صنع أمانا رائعا لمصر من أي اختراق إسرائيلي لمياه النيل أو للدول الأفريقية، ثم إذا بإسرائيل خلال أربعين عاما من حكم الرئيسين السادات ومبارك ترتع في أفريقيا، بل ووصلت حتى سدود على نيلك! !