منذ أن غادر ليامين زروال الحكم عندما قدم استقالته احتجاجا على عدم استشارته فيما يتعلق بالتفاوض مع الجيش الإسلامي، إذ كان يراهن منذ أن كان وزيرا للدفاع ثم رئيسا للجمهورية على حل ومخرج سياسيين بدل الحل التقني الذي يفضله العسكر ظل صامتا، ورفض أكثر من مرة الاستجابة لقوى المجتمع المدني والسياسي للعودة مجددا إلى الواجهة السياسية، ولقد قال لمن طلبوا منه الترشح إنه يؤمن أن مقاليد الجزائر لابد أن تكون بين أيدي الجيل الجديد، إلا أن الأحداث الأخيرة التي شكلتها النزعة الإرادوية لحزب العهدة الرابعة وما ترتب عنها من انزلاقات لفظية جعلت منطقة الشاوية تخرج عن صمتها وتعبر عن احتجاجاتها وغضبها على الإنزلاق الأخير لرئيس الحملة الإنتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة وكذلك ظهور بؤر توتر متعددة منذ أن أعلن عن ترشح بوتفليقة إلى عهدة رابعة، جعله يخرج من صمته، مؤكدا أن الواجب الأخلاقي هو الذي دفع به لأن يصدر منذ أن غادر الحكم هذا البيان والذي كان برغم بنيته الشكلية والمضمونية المدروسة عبارة عن رسالة قوية لأصحاب القرار وأصحاب مشروع العهدة الرابعة، لكن أيضا إلى الرأي العام، معبرا عن تحمله للمسؤولية الأخلاقية ليدلي بنظرته ورأيه حول ما يحدث لكن أيضا حول ما يمكن أن ينجر عن التطورات الحالية في المستقبل القريب.. ويمكن تلخيص أهم الأفكار الرئيسية لهذا البيان / وخريطة الطريق في الوقت ذاته في النقاط التالية: 1 التزامه بالوفاء لعائلته الأم وهي المؤسسة العسكرية والأمنية، بحيث كانت في نظره الذراع الحقيقي والواقي لوحدة الوطن والأمة وباعتبارها كانت القوة الأساسية التي واجهت المخاطر الكبرى في السنوات التسعين.. وأن هذه المؤسسة من شأنها أن تلعب دورها التاريخي في حالة الإنزلاقات التي قد تترتب عن الصراع الحالي. 2 أن المؤسسة العسكرية لم تكن لوحدها أن تلعب دورها في مواجهة المخاطر لولا انخراط القوى الوطنية والمواطنين، ولذا يشير من وراء هذه الرسالة أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاوز الإرادة الوطنية الجمعية في بناء أي مشروع.. وعلى ضوء ذلك، فهذه الاحتجاجات العميقة لا يمكن تجاوزها وعدم الحساب معها، لأن ذلك من شأنه أن يعقد الوضع وبالتالي يفتح الباب أمام حالة لا يمكن السيطرة عليها في حالة إن تحول السخط الاجتماعي إلى غليان من شأنه أن يهدد ليس فقط الإستقرار، بل مستقبل الجزائر الذي دفعت القوى الحية الثمن باهظا من أجل استرجاع السلم المدني. 3 احترام المؤسسة الدستورية، كدليل على احترام المواطن، فتعديل المادة 74 من الدستور التي فتحت المجال لعهدات مطلقة يعد تراجعا عن المنجز الديمقراطي ومثل هذا السلوك أصبح اليوم سببا لعدم الاستقرار. 4 تركيز على ضرورة احترام صوت المواطن يعني أن نية التزوير لا يمكن إلا أن تعقد الأمور أكثر فأكثر ومن هنا يشدد زروال على ضرورة احترام الإرادة الشعبية، واحترام السلطة المضادة. 5 التشديد على أن العهدة القادمة يجب أن تعبر عن صوت التوافق وهذا ما يعني ضمنيا أن زروال يحبذ صياغة جديدة لمرحلة انتقالية من شأنها أن تجنب الجزائر مغامرة كبرى هي في غنى عنها.. ويمكننا أن نستخلص من هذه الرسالة، أن زروال قد عبر عن رفضه للمسار الحالي الذي قاد إلى الإنسداد، وتكمن الرسالة أن بدون انتخابات حرة فإن مسؤولية حزب العهدة الرابعة ستكون كبرى أمام التاريخ، وما يمكن أن يحدث.. هل يمكن القول إنه تهديد مبطن في ثوب نصيحة؟! سنعود في عدد يوم السبت إلى الموضوع باستفاضة.