يرى المترشح المنسحب من سباق رئاسيات أفريل الجاري، رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، في هذا الحوار الذي جمعه ب "الجزائر نيوز"، أن الدولة الجزائرية تعيش اليوم حالة من الضعف والميوعة، وتراكم لمشاكل اجتماعية واقتصادية، تجعل الذهاب نحو التغيير حتمية، خصوصا بعد اللجوء إلى عملية تقليص الريع. كما يعتقد أن تدخل الرئيس زروال جاء "لأنه يعرف بأن الأمور وصلت إلى ما لا يحمد عقباه"، وأن المؤسسة العسكرية اقتنعت بضرورة التزام الحياد.. الانفجار إذا جاء من الشارع سيعجز النظام عن تأطيره إلى هذه اللحظة، هناك من يأسف عن انسحابكم من سباق الرئاسيات لصالح خيار المقاطعة، كيف تجيبونهم؟ بعد أحداث 2011 بالجزائر، تونس والقاهرة، خرجنا بفرضيتين للعمل، الأولى أن تواجد المواطنين بمكان ثابت واستراتيجي بالعاصمة إذا كانوا بثبات حتى دون أن يكون لهم برنامج سياسي مسبق أو قيادة موحدة هم قادرون على ترحيل المسؤول الأول للبلاد، ولكن للأسف كونهم بدون برنامج سياسي فهم ليسوا قادرين على التغيير، وبالتالي يرحل المسؤول الأول ويبقى التغيير مرهونا بالوقت، ولاحظنا ما حدث بمصر وبتونس، رغم أن الأمور بتونس الحمد لله استقرت، ولكن استغرقت العملية وقتا. أما الفرضية الثانية، فتتعلق بما هو معروف ببلداننا من امتلاك مسؤولينا وعائلاتهم والمقربين منهم لأموال وعقارات في الخارج يتصورون من خلالها أنه إذا تدهورت الأمور في الداخل يخرجون ويعيشون بها جنة النعيم في المنفى، لكن عندما تدهورت الأمور رأينا أن هذا غير وارد، وبالتالي نستطيع القول إن المسؤولين اليوم في حاجة إلى خروج من الحكم بصفة سلسة، لهذا اعتقدنا لأول مرة أنه بوجود فرصة لفائدة البلاد والحكام بمبادرة تغيير نظام الحكم ككل بشكل سلمي، فإن أحسن فرصة لذلك هي انتخابات رئاسية نزيهة، وهذا يتطلب بناء قوة سياسية وتحالفات متينة، لذلك أعلنت عن ترشحي منذ ديسمبر 2012 ليكون لدي الوقت الكافي للوصول لذلك، فنظمنا حلقات عديدة لصالح البرنامج الذي سميناه جزائر السلم، العدالة والرفاهية، وبدأنا العمل، ما أوصلنا لجمع الإمضاءات اللازمة للترشح، حيث وصلنا إلى 85 ألفا، لأننا كنا نظن أن الرئيس ليس لديه القدرة للترشح لمنصب بحاجة لأن يشتغل صاحبه مدة 16 ساعة في اليوم -إذا كان ذلك كافيا للتحكم في الأمور- وهذا في حال وجود فريق من الكفاءات حوله، وللأسف كل هذا غير موجود لا من الناحية الصحية للرئيس ولا من ناحية الفريق المؤهل المشرف على الأمور، لذلك لما تقدم الرئيس للترشح وصلنا إلى قناعة بأنه لا يوجد شك في أن الانتخابات ستكون مزورة، وأن مشاركتنا ستكون مساندة التزوير، وهذا لا يمكن أن نرضاه. وما هو تحليلكم، اليوم، للوضع بعد نهاية الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية للرئاسيات؟ عوامل التزوير ليست بحاجة إلى تحليل، اليوم، لدينا الوزير الأول معين كمدير حملة للرئيس، وهذا منافٍ للقوانين ولمبدأ حياد الإدارة في الانتخابات، لأنه ما زال وزيرا أول ولم يصدر أي مرسوم ينهى مهامه، لأن ذلك دستوريا يقتضي رحيل كل الحكومة معه، ثم تم تعيين نائب عنه وهذا غير موجود لا قانونيا ولا دستوريا، هذه خروقات واضحة في سير الحملة، وقبلها مرشح يجمع 4 ملايين توقيع في أقل من 10 أيام، حتى رياضيا لا يمكن حساب الطريقة التي تمت بها العملية، كل هذه العوامل تبرهن عملية التزوير في الانتخابات، وأستطيع القول اليوم إن الذي سيفوز يوم 17 أفريل على العاشرة مساء هو الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة، وبنسبة مرتفعة وبمشاركة مقبولة، فيما لن تتجاوز المشاركة على أرض الواقع 10 بالمائة. إلى أي مدى تعتقدون أن وجودكم داخل تنسيقية المقاطعة يخدم نظرتكم السياسية؟ لما انسحبنا من الانتخابات الرئاسية اتجهنا نحو فكرة بناء التحالف، وكانت فكرة التنسيقية حددت بعض الأهداف، لكن الهدف الواضح المعالم هو تغيير النظام ككل للوصول إلى مرحلة انتقالية ديمقراطية، وهنا أوضح أن التحالف -ليس اندماجا ولا وحدة وإنما كل واحد يحافظ على تصوره السياسي وأيديولوجيته.. ولكن نشترك في هدف واحد-، واتفقنا على الخروج إلى الساحة عبر الوقفة الاحتجاجية بمقام الشهيد وتجمع قاعة حرشة، والآن نصبنا لجنة سياسية للعمل على ما سميناه الندوة الوطنية لتغيير نظام الحكم، وستعمل في البداية على تشكيل مفهوم واضح المعالم للتحول الديمقراطي، ثم تحديد مراحل تجسيد الفترة الانتقالية وضبط أدبيات العمل كفريق، وذلك لكي لا تحدث فوضى في حال فتح النقاش أمام القوى الأخرى، والتفكير في عقد اجتماعي من شأنه أن يكون القاعدة الأساسية للدستور الجديد.. هذه أهم النقاط التي تسعى الندوة للتحضير لها، وستكون مفتوحة أمام كل من يتفق مع هذه الأفكار. لكن بعض أعضاء التنسيقية أكدوا في تصريحات إعلامية، أنه لن تكون هناك أية دعوات، والباب مفتوح أمام الجميع، ألا ترون أن تقاليد الحديث عن ندوة وطنية تفرض التقرب من أهم الشخصيات الوطنية والتاريخية، على الأقل؟ اللجنة تقوم بالتحضيرات والتشاور ولكل واحد تصوره للأمور، لكن رأيي أنه من البديهيات في هذه الأحوال لقاء بعض الشخصيات والتشاور معها، وهذا ما بدأنا فيه فعلا، شخصيا هناك من اتصل بي وهناك من اتصلت به لوضعهم في الصورة، لكن مع هذا في البداية علينا التأسيس لأرضية الندوة ثم توسيعها، لأننا رأينا في تجارب أخرى مثل ما حدث سنة 1991 في ندوة غزالي، لذلك يجب التواصل والتنسيق بشكل محكم لتوضيح الرؤية قبل عقد الندوة. ما هي أهم الأسماء التي تم الاتصال بها؟ لا أستطيع الكشف عن ذلك الآن. وارد الاتصال بالزعيم "آيت أحمد"، مثلا؟ أية شخصية ذات وزن وطني وارد الاتصال بها، وأية جهة لديها أفكار ورؤية في هذا الشأن مرحباً بها. في تجمع حرشة، أنصار حزب الفيس المحل حضروا بقوة، يتقدمهم الشيخ علي بلحاج، هل ستطرح قضية الفيس في ندوتكم الوطنية؟ لا أستطيع الفصل في هذا وحدي، لأننا مجموعة. لو اتصلت جماعة الفيس بكم للمشاركة، ما هو رأيكم في الأمر؟ سبق وقلت إن الأمر لا يتعلق برأيي الشخصي، بل بالمجموعة، وفي هذه اللحظة لم نفصل بعد في مسألة "العدالة الانتقالية"، وسنعمل عليها تقنيا للفصل في الأمور المتعلقة بالفساد والرشوة .. وغيرها، وسياسيا في القضايا الخاصة بهذا المجال، وهي أكثر تعقيدا من حيث الإجماع، لذلك لا يمكنني الإجابة بشكل دقيق بشأن هذا السؤال. مسألة العدالة الانتقالية تحيلنا إلى ما سمي ب "المصالحة الوطنية"، التي كانت مشروع الرئيس في العهدة الأولى، هل ترون أنها أنجزت ما عليها؟ اليوم هناك الكثير من الجزائريين غير راضين عن نتائج المصالحة الوطنية، مثلما أشرتي لجماعة الفيس، وهناك عائلات المفقودين.. وبالتالي كل هذا بحاجة إلى أفكار ودراسة وحتى مواقف. اشتغلتم مع الرئيس اليمين زروال، ما هي قراءتكم لرسالته الأخيرة؟ رسالة الرئيس زروال فيها بابين اثنين، الأول فيما يخص العسكر، وهو رجل عسكري، وبالتالي لديه حساسية خاصة تجاه هذه المؤسسة، وهذا لا يمكن الغوص فيه لارتباطه بمسار ووجهة معينين. أما الباب الثاني، فيتعلق بالانتقال الديمقراطي، وهنا لا يجب أن ننسى خطاب زروال الذي دعا فيه لانتخابات مسبقة، حيث ركز على نقطتين: القفزة النوعية لعمل المؤسسات، وتجسيد التناوب على السلطة. وأبسط ملاحظة، اليوم، تبين المسار المعاكس والبعيد عن هذا الطرح، وأعتقد أن هذا ما دفع بزروال للكلام. لكن هذه أمور ليست جديدة، وكثر يأخذون على الرئيس زروال التأخر في الحديث؟ أعتقد أنه تكلم، اليوم، لأنه يعرف أن الأمور وصلت إلى ما لا يحمد عقباه. من بين الشخصيات التي تكلمت أيضا، مؤخرا، بعد صمت سياسي طويل، رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، ما رأيكم في طرحه، خصوصا ما تعلق ب "شرعية المؤسسة العسكرية" وضرورة تدخلها؟ أولا يجب التأكيد على أن مفهوم الشرعية معناه الاكتساب من الشعب، فلا شرعية إلا شرعية الشعب، لكن ربما ما أراده السيد حمروش هو أن هذه المؤسسة ذات قبول، وهذه فرضية قد تقبل. وبخصوص طرحه لتدخلها لإحداث التغيير؟ هناك ثلاث تجارب فيما يخص دور العسكر في هذا السياق، التجربة البرتغالية التي قام فيها العسكر بالخيار دون اللجوء إلى الشعب وأوصلت بلادهم للدخول إلى الاتحاد الأوربي بعد خروجهم من الحكم وتحويله إلى المدنيين، ولدينا تجربة تونس 2011 أين بقي العسكر خارج النقاش السياسي، وهناك التجربة المصرية التي فرض فيها العسكر الرجوع إلى حالة ما قبل الانتفاضة الشعبية، هذه هي النماذج الموجودة لتدخل العسكر. وأي نموذج قد تختاره المؤسسة العسكرية الجزائرية، في رأيكم؟ ولا واحد، أعتقد أن المؤسسة العسكرية وصلت إلى قناعة أنه يجب البقاء على الحياد، على الأقل في الواجهة. تريدون القول إن المؤسسة العسكرية ليس لديها رأي في اللحظة الراهنة؟ لا، مؤكد لديها نظرة ورأي، لكن الظاهر أنها لا تريد التدخل بدل الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني... هناك من يراهن على الوضع بعد 17 أفريل، ما هي السيناريوهات التي تتوقعونها؟ الأول ربما البقاء على الحالة الآنية، وبذلك لن تذهب الأمور بعيدا خصوصا إذا ما أخذناها في سياق مسألة تقليص الريع الذي هو ركيزة عمل النظام، أما الثاني فهو أن يفرض الشارع الانتقال، وهذا يتطلب تحالفا بين القوى المطالبة بالتغيير لتأطير الشارع وحمايته من الانفجار، أما الثالث فهو أن يشعر النظام بإفلاسه ويشارك في مرحلة انتقالية تفاوضية. أي السيناريوهات ترونه أقرب إلى الواقع؟ أظن الثاني، لذلك نحاول بناء تحالف واسع -لا قدّر الله- إذا كان هناك انفجار يكون قادرا على احتواء الوضع وتقديم نظرة واضحة حول التحول، لأن الانفجار إذا جاء من الشارع سيعجز النظام عن تأطيره. وكيف يمكن أن يحدث هذا التغيير؟ التغيير يحدث بين توازن القوى، لأن هناك عاملين في ذلك، التوازن بين الشارع والسلطة، أو بين قوى سياسية تطالب بالتغيير والسلطة، اليوم إذا أردنا تغييرا ديمقراطيا سلميا لا بد من وجود توازن بين السلطة والقوى المطالبة بتغيير لصالح الأخيرة، التي نعمل على تكوينها. لأننا وصلنا إلى قناعة وفق دراسة حالة البلاد، وهي أنه لننجح في التغيير لا بد من توفر ثلاثة عوامل، أولا الضغط المتزايد والسلمي للمواطنين للمطالبة بتغيير نظام الحكم، ثانيا بناء تحالف بين القوى المطالبة بالتغيير، لنجند كل إمكانياتنا لتغيير نظام الحكم وعندها فليتنافس المتنافسون، أما الثالث فهو عامل الانطلاق (المحرك)، لأنه لو كان العاملان الأولان في جانفي 2011 متوفرين، لحدث الانطلاق، مثلما حدث بتونس مع البوعزيزي. في حال تحالف لكل القوى المطالبة بالتغيير والذهاب نحو ندوة وطنية، كيف ستسير الأمور، في نظركم؟ في حال ذلك، سيتم الضغط على النظام القائم، ووضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو التفاوض على مرحلة انتقالية، أما إذا وصل النظام بالأسلوب نفسه كما حدث سنة 2011 قبل تونس والقاهرة، فتتجه تلك القوى إلى الشارع وتعمل على إقناعها وتأطيرها للوصول إلى الهدف المشترك، لأننا عندما نتكلم عن التحول أو الانتقال نحو الديمقراطية هناك ثلاثة نماذج: الأول "السلمي"، وفيه فرضيتين اثنتين: "المفاوض عليه" وهو النموذج الإسباني في السبعينيات، أما الثاني فهو "الممنوح" وهذا النموذج تصل فيه السلطة القائمة إلى قناعة ضرورة التغيير فتعمل للتحضير لمرحلة انتقالية. الثاني "التغيير بالعنف"، وفيه أيضا فرضيتين: الأولى الشارع والثانية بانقلاب عسكري، وهي تجربة البرتغال في السبعينيات، أين قام العسكر بالانقلاب وفرضوا التحول نحو الديمقراطية ما بين 1974- 1984. أما الثالث، فالبقاء على الحالة، ومعناه عدم وعي النظام بأنه بات عليه التغيير وبالتالي بقي على حالته، وهي حالتنا، ومع الأسف الشديد لا يمكن التحكم في نتائجه، لأنه من جهة هناك غضب في الشارع، ومن جهة أخرى تقليص للريع الذي أصبحنا نستعمله كوسيلة لتمويل ميزانية التسيير أكثر فأكثر كل سنة، بعدما كنا نخصصه في الماضي لتمويل ميزانية التجهيز. وإذا بقينا على هذه الحالة من استعمال الموارد المالية الناتجة عن الجباية البترولية في سنة 2016 نصبح بحاجة إلى برميل بسعر 190 دولار. وكيف تنظرون إلى ما يحدث بولاية غرداية منذ أشهر؟ ما يحدث بغرداية هو انفجار لتراكمات اجتماعية واقتصادية وثقافية، إلى جانب ضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية الأشخاص والممتلكات، ومشكل المحيط العمراني، حيث يتواجد كل الناس في واد لا يمكن أن يتوسع فيما يتضاعف عدد السكان عدة مرات، لذلك كان على الدولة استباق الأحداث وإزالة عوامل الانفجار وليس التدخل بعد فوات الأوان. أنتم ابن المنطقة، بتحليلكم هذا تنفون مسألة الطائفية التي تعمل بعض الأطراف على التأكيد عليها بهذا الخصوص؟ هذا عامل من بين عوامل كثيرة، إلى جانب أن المذهبية الدينية كانت متواجدة قبل اليوم وهي ليست مسألة جديدة. أقحم خطاب "استقرار الدولة" و"الأيدي الأجنبية" بقوة في المسألة الانتخابية، كيف تفسرونه؟ هذا خطاب لا معنى له، فإذا كان هناك من يمتلك القدرة من خارج البلاد على تعبئة الشعب والسيطرة عليه فيما تفشل الدولة في ذلك فعليها أن تعترف بضعفها وميوعتها، لأن المسؤول الذي يقول هذا الكلام لا يرسل إلا رسالة واحدة، مضمونها عدم قدرته رغم ما يمتلكه من شرطة، إدارة، و، و... وحول شباب حركة "بركات" وغيرهم الذين ينزلون إلى الشارع للمطالبة بالتغيير؟ التطور التكنولوجي خلق صحوة سياسية عالمية عند الشباب، ترتكز على ثلاثة مطالب أساسية، الكرامة الشخصية، الفرص الاقتصادية والاجتماعية، والاحترام الثقافي، لذلك أصبح الشباب يدافع عن تلك الأفكار والمطالب بعدة أشكال وطرق، وهذا أمر جد إيجابي، لكن يجب أن نكون حذرين لكي لا يؤثر هذا الرواج العالمي بصفة سلبية، فهناك بروز قدرة التأثير الكبير وغير المباشرة على الناس عن طريق وسائل الإعلام الآلي والاتصال، وهذا يخلق الديكتاتورية العلمية، أي أن هناك مجموعات عالمية تمتلك قدرة التأثير المباشر على المواطنين في أي مكان كان بدون أن يشعروا بذلك، عن طريق تلك الأفكار، فيعطونهم تصورا آخر عن الكرامة والاحترام الثقافي وغيرها من المفاهيم، وبالتالي تحدث السيطرة بشكل غير معلن، وهذا ناتج عن مفهوم "القرية الصغيرة"، لذلك نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة تعتمد على كفاءات حقيقية وعالية التكوين بأفكار جديدة لنستطيع الصمود في وجه حالة التحول المحيطة بنا. تقنيا للخروج من الأزمة كم يلزمنا من وقت؟ نحتاج عهدة انتخابية، أي 5 سنوات، يتم فيها احتواء الأزمات وتقوية المؤسسات التي تم تحطيمها بفعل النظام الأبوي المفروض، وهذا يتطلب نقاشا واسعا ومفتوحا للجميع، لأننا عندما خرجنا من العشرية السوداء كان من المفروض العمل على إدخال الطمأنينة في قلوب الناس بعد كل تلك المعاناة الكبيرة، والذي حدث هو العكس، الدخول في شعارات ومزايدات مفرغة من أي معنى، وفي هذا السياق أتحدى أي شخص في الدولة الجزائرية من القمة إلى القاعدة أن يجد لي فرق بين الوئام المدني والوطني والمصالحة. عهدة واحدة كافية؟! لا، فبعدها نكون بحاجة إلى مرحلة تثبيت وترسيخ النظام الجديد، وبشكل عام للخروج من الأزمات على كل المستويات المطروحة نحن بحاجة إلى العمل على 3 عهدات، يعني العمل على مدى 15 سنة. لحل كل المشاكل؟ يجب أن نكون واعين بالمشاكل التي نعانيها على كل المستويات، فتشخيصي للوضع في الجزائر، اليوم، يمكن تحديده في عدة أبعاد، أولا اجتماعيا، حيث يعيش المجتمع بأمراض ناتجة عن غياب الحكم الراشد، وهي ثلاثة، العنف كوسيلة لفض النزاعات بين مجموعة الأشخاص فيما بينها، وبين مجموعة الأشخاص والدولة، ثانيا تعميم الفساد على كل المستويات، ثالثا غياب الأخلاق الجماعية، هذه الأمراض الجديدة مضافة إلى القضايا التي لم يفصل فيها من السابق مثل قضية الهوية، قضية الدين، الفئوية... وكل هذه ألغام مزروعة في المجتمع وقابلة للانفجار في أي وقت. من ناحية أخرى، الدولة الجزائرية أصبحت اليوم ضعيفة ومميعة، وهذا ينعكس عبر غياب دولة القانون، غياب القدرة الردعية للإدارة التي فقدت فاعليتها في حماية الأشخاص والممتلكات بفرض القانون، غياب قدرة الحكومة على تنظيم الاقتصاد، غياب مشروعية المؤسسات، ويجب أن نعترف أن هناك من بات يخجل من انتمائه إلى بعض المؤسسات، أما العنصر الخامس والأخير فهو مكانة الكفاءات الوطنية والطبقة المتوسطة التي تشكل العمود الفقري للدولة. وهذا الضعف ينتج عنه حتما التأسيس للجهل والركود وعبادة الأشخاص وتعميم الفساد، واتخاذ قلة للقرارات الحاسمة بدل المؤسسات المؤهلة -كما نرى هناك 5 أو 6 أشخاص يتخذون القرارات بدلا عن الجميع-، أما النقطة الأخيرة بهذا الخصوص فهي تفتت الأقطاب داخل السلطة الذي يؤدي بهم إلى عدم القدرة على اجتماع في اتخاذ القرارات، وهذا ما يوصل الدولة إلى حالة الميوعة. دون إغفال الوضع المرتبط بالموقع الجيوستراتيجي، الذي يشمل مسألة الشمولية والمنطقة، هذه الأخيرة التي تجعلنا نشهد مشاكل على طول الحدود في هذه الفترة، وهو ما يتطلب استراتيجية جديدة للأمن الدفاعي، عن طريق التنسيق بين الأمن الداخلي، الدفاع الوطني والاقتصاد والدبلوماسية. أما اقتصاديا، فالجزائر تعاني ثلاثة أمراض خطيرة، قابلية التبخر، قابلية الاعورار، والتبعية، وذلك لأن كل اقتصادنا ممول من مداخيل المحروقات والأسعار تحدد في الخارج وليس في الداخل، ورأينا في 2008 سعر البرميل انتقل من 38 دولار في وقت ما إلى 137 دولار في وقت آخر، وهنا نواجه قابلية التبخر، لأننا نخرج المحروقات من باطن الأرض لنحولها إلى مخزون في الخارج، أي من مخزون غير قابل للتجدد إلى مخزون قابل للتبخر (الدولارات الموضوعة في البنوك والمؤسسات العالمية). أما المرض الثاني فهو ناتج عن مشاكل العمران والتهيئة، التي تتم بالاعتداء على الأراضي الفلاحية التي تقلصت إلى 3 % من مساحة البلاد، وندرة المياه.. وكل هذا ينتج القابلية للاعورار، بالإضافة إلى مشكل التبعية للمحروقات والتبعية الغذائية، وهذا المشكل يبرز أكبر لأننا منذ 2006 دخلنا في مرحلة تقليص الريع. كمختص ترى أن هذا الإجراء لم يعد نافعا؟ في سياقات أخرى نقول إنه مهم، لكنه الآن يطرح مشكل تمويل البلاد ككل، حيث بين 2006- 2011 صادرات المحروقات انخفضت ب 25% من الحجم وهذا غطاه ارتفاع السعر الذي ارتفع من 70 دولارا إلى 112 دولار، وفي 2012 انخفض الحجم مجددا ب 10%، وهنا دخلنا في انخفاض الإنتاج من جهة، وفي ارتفاع الطلب الداخلي من جهة أخرى، وبهذا في حوالي 2019 - 2020 نكون دخلنا في مشاكل الاكتفاء الذاتي وليس التصدير. لكن هناك حديث عن الغاز الصخري؟ لا يمكن الحديث عن الغاز الصخري كبديل الآن، لأنه يتطلب شروطا وتكنولوجيا لا يمكن التحكم فيها في فترة 5 سنوات، لأن هذا الغاز متواجد في كل البلدان الأوربية والأمريكية.. وبالتالي عندما تصلنا التكنولوجيا التي يعتمد عليها تكون قد قطعت أشواطا في هذه البلدان وتكون هناك قائمة انتظار يتولد عنها مزايدة في الأسعار من قبل الدول التي تمتلك تلك التكنولوجيا، ثانيا فيما يخص الكلفة الاقتصادية لآليات الحفر التي تعادل 5 مرات سعر آليات الحفر العادية، علاوة على أن سعر هذا الغاز يكون منخفضا بسبب التواجد، ومن الناحية التقنية فإن إنتاج السنة الثانية يكون اخفض ب 30% مقارنة بإنتاج السنة الأولى، لذلك فإن اللجوء إلى هذا الغاز في أحسن الظروف يكون للاكتفاء الذاتي وليس للتصدير. هذا ربما من الناحية الاقتصادية، رأينا في أوربا بعض البلدان رفضت الغاز الصخري كبديل لأسباب بيئية؟ لم أتكلم عن مضاره البيئية لأننا لسنا في حكومة تحترم المحيط، لكن من مضاره الأساسية استعمال لحجم أكبر من المياه. كيف تنظرون إلى الجزائر يوم 18 أفريل المقبل؟ للأسف هي نفسها يوم 16 أفريل، لذلك سنستمر في العمل السياسي الذي انطلقنا فيه في إطار التحالف.