تمر الآن إحدى عشرة سنة على رحيل شيخ الحركة الإسلامية في الجزائر الشيخ محفوظ نحناح.. لم يكن فقط داعية كبير، أو رجل سياسي محنك، أومهندس لحركة جمعت بين الفكرة الإسلامية الأصيلة والفكرة الوطنية المتجددة والفكرة الحداثية الخصبة وذات الطابع الإنساني وحسب، ولم يكن مجرد العقل الحاذق المتفتح على شتى العقول الأخرى بل كان رجلا جامعا مستوعبا، حذقا يدرك القفز على أرض عامرة بالجمر والدبابيس وذلك من أجل الوصول العسير إلى الغاية المنشودة.. عندما تعرفت على الشيخ وأنا في بداياتي الإعلامية اكتشفت الرجل المتواضع بصدق، والمتفهم للآخر بعمق شفاف والمحاور الخطير للخصم دون أن يفرح بانتصاراته أو بتفوقه عليه... بل يجر نفسه إليه وهو يكاد يتحول عبر كلماته إلى ابتسامة دائمة وضحكة مشرقة يصعب عليك نسيانهما حتى وإن وقف الموت بينك وبينه كسد منيع.. أشعر مع السنوات كم هي قيمة الشيخ الروحية في سماحته وثريه في دهائه السياسي الذي عرف كيف يجعل من البرغماتية غير متناقضة من حيث جوهرها عن الفضيلة، وكم هو الرجل كان مرادفا للعظمة والسمو وذلك عندما آمن أن يضع مصلحة الوطن قبل مصلحته الحزبية أو الشخصية.. لقد صمت الشيخ عندما سرق منه فوزه في رئاسيات 1995، ليس خوفا، بل مساهمة في استرجاع الأمن والسكينة في تلك السنوات الحمراء، ولم يشأ إفساد العرس الرئاسي عندما تآمر عليه من خلال إبعاده عن السباق الرئاسي ظلما وعدوانا... لم يكن ينظر إلى السياسة أو العراك السياسي من باب الدكانية السياسية، بل من باب إعادة ابتكار وطن وإعادة ابتكار إنسان جديدين لكن وفيين لإرثهما التاريخي الخلاق... إن الرجل له علينا دين كبير، كنخب وفاعلين ومحبين.. واعتقد أن هذا الدين لازال لم ينجز ولم يسدد... وما قدم هو من النزر الضئيل.. ومحفوظ نحناح لا يمكن أن يكون ملكا من حيث القيمة والتاريخ لأبناء الحركة الإسلامية، بل هو ملك كل الجزائريات والجزائريين، علمانيون كانوا أو ديمقراطيون أو وطنيون... وتوفر مثل هذا الوعي، هو الذي سيجعل من الجزائر ذلك البلد الكبير الذي حلم به الشيخ محفوظ نحناح... البلد الذي يسمو ويعلو ولا يسمى أو يعلى عليه...