غير بعيد عن ذكرى عيد الاستقلال وستينية اندلاع ثورة التحرير الوطنية، التي كانت جبهة التحرير الوطني العامل المحرك لهما، اجتمعت، أمس، قيادات الحزب، بفندق الأوراسي لعقد الدورة العادية للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، لكن يبدو أن اللقاء كانت "بهاراته"مبالغ فيها، لأن ما حدث لا يمت للسياسة ولا إلى الإرث الوطني للأفلان بشيء، وإنما هو تقليد جديد لا معنى فيه إلا للبذاءة ولا دور فيه إلا للعنف والإقصاء. "المعركة" التي كان فندق الأوراسي ساحة لها، أمس، لم يكن لها ضحايا غير "تاريخ الأفلان"، فمنذ ساعات الصباح الأولى بدأت الملامح جلية، في البهو الرئيسي للفندق يجلس الأمين العام السابق للأفلان عبد العزيز بلخادم وتتحلق حوله وجوه أفلانية معروفة وأخرى غير معروفة، وترتفع الأصوات "الصندوق، الصندوق، لا شرعية إلا للصندوق"، وفي الجهة المقابلة يقف، عبد الرحمان بلعياط، المتمسك بدوره كمنسق عام للقيادة منذ شهر أوت الماضي، وحوله يقف عدد من الصحفيين والمصورين، وهو يعيد ويؤكد على "عدم شرعية القيادة الحالية" ويعود إلى المادة 9 للقانون المنظم للحزب والتي تفيد بأن أكبر الأعضاء سنا هو من يتولى التنسيق في الحزب في حال عدم الاتفاق، مضيفا أن هذا لم يجعله يوما ما يقول إنه "أمين عام أو أمين عام بالنيابة.. أوغيرها، وأن التسمية غير مهمة وإنما الوظيفة"، في هذا الجو المشحون فقد بلعياط حس الدعابة الذي كان دائما يتمتع بها للتخفيف من حدة الأمور، خصوصا وأنه كان يجيب عن أسئلة متعلقة بأسباب منعه ومن معه من حضور دورة اللجنة المركزية، مؤكدا أن "لا أحد له الحق في منعنا، ولاحتى لجنة الانضباط التي لم تجتمع أصلا"، مؤكدا أنها - لجنة الانضباط - "بقيت في الإجراءات ولم تجتمع ولم تقرر ولا أحد يستطيع التقرير في مكانها"، في المقابل لم يكن بلخادم قادرا على الحفاظ على ابتسامته الهادئة المعروفة لأن القلق استبد بالجميع، فيما كان بعض أعضاء اللجنة المركزية، بينهم محمد بورزام، يعرضون على الصحافة وثيقة الدعوة التي وصلتهم ويعبرون بغضب عن منعهم من دخول قاعة الاجتماعات . سعيداني "غلق الأبواب" ولغة الشارع تصنع الفرجة بعد قرابة ساعة من الزمن تنقل فيها بلخادم وبلعياط ومن معهم إلى أماكن مختلفة من البهو الرئيسي للفندق، وفي كل مرة يجري بلخادم اتصالا هاتفيا ثم يعود إلى الحديث للصحافة، وفجأة ارتفعت الأصوات بشكل شد كل الموجودين في القاعة، إنه الإعلان عن بداية اللقاء لأن التدافع على السلالم المؤدية إلى الطابق الذي توجد فيه قاعة الاجتماعات كان كبيرا، لكن المفاجأة كانت أكبر في بهو القاعة، أول مشهد كان للنائب السابق "ر. ه« الذي حاول عون الأمن منعه من الدخول بشكل سلمي - حسب الأوامر التي تلقاها- لكن الرجل كان عبثا يحاول الشرح له، لأنه يلح على ولوج القاعة -التي تم اغلاقها مبكرا بعد وصول الأمين العام عمار سعيداني، ومنع عدد كبير من الوجوه الأفلانية من دخولها منهم قياديين ووزراء سابقين- يحاول الرجل مجددا منع النائب بطريقة سلمية لكن الأخير يمد يده ليمسك بوجه عون الأمن الذي يثور ضد هذه الحركة المهينة، والأغرب أن النائب يطلق مجموعة شتائم بذيئة تجعل كل الرواق يتوجه بأنظاره مستفهما عما يحصل. هذا المشهد ليس هو الوحيد في مسرحية الأفلان الجديدة، فعلى بعد أمتار كانت الأصوات تتصاعد "الله أكبر، الله أكبر.."، والحقيقة أن ما كان يحدث فضيحة وإهانة لكل الشعب الجزائري الذي يشترك مع هذه القيادات العمياء في الأفلان -على الأقل في هذا الإسم الذي يعد إرثا وطنيا مشتركا- مصدر تلك الأصوات كان بهو المدخل الرئيسي لقاعة الاجتماعات، أين كان يقف أنصار سعيداني وأنصار بلخادم وجها لوجه في مصارعة "حرة" لاستعراض القوى العضلية، ففيما كان أنصار بلخادم يحاولون اقتحام القاعة بالقوة كان أنصار سعيداني يحاولون منعهم أيضا بالقوة، وما أجمل صورة الأفلان التي فرضها هؤلاء وهؤلاء وهم يشدون ملابس بعضهم البعض ويمزقونها وتمتد بعض الأيدي إلى خرطوم الماء المعلق للإطفاء في حالة الطوارئ ليضربون بعضهم به، وترتفع الأصوات مجددا "إذا كنت أنت وليد الحراش أنا وليد باب الوادي"، وترد جهة أخرى "الهدرة في حيدرة أنا وليد سيدي يحيى كي يروحو هادو يشوف ولاد البلاد". نعم، هكذا كان المستوى إذا لم يكن أسوء، وبقيت هذه المعركة تتجدد بعد فترة وأخرى على مدار أكثر من ساعة ونصف من الزمن، فيما يواصل سعيداني في الداخل عرض تقريره المالي و«الأدبي" في هدوء تام داخل القاعة، واختار بلخادم بعد أول مشادة الانسحاب للجلوس في البهو المقابل وإلى جانبه الكثير من "الأعداء" القدامى في زمن صراعه الأخير قبل السقوط من على رأس الأفلان. في أثناء ذلك ظل بلعياط يتنقل ويطلق التصريحات وظهر العديد من الوزراء السابقين، بينهم رشيد حراوبية الذي أكد في تصريحه أنه "لا يجب طرح الأسئلة حول الأرقام بشأن أعضاء اللجنة المركزية الموالين والمعارضين، لأن هناك العديد من الوجوه التي استقدمت ولا تمت للأفلان بصلة وتحمل بطاقات وزعت لغير أهلها"، وفي هذا السياق أكد بلخادم في تصريحاته أن "هناك الكثير من أعضاء اللجنة المركزية لم توجه لهم أصلا دعوات، وهناك من وجهت لهم دعوات ومنعوا من الدخول"، فيما قال رئيس البرلمان السابق عبد العزيز زياري معلقا على المشهد إنه "ليس من السهل مواجهة المال والعنف إذا اجتمعا". استمرار الأشغال وتجاهل علني للمعارضة في هذه الأثناء كان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعيداني -الذي زكته اللجنة المركزية أمينا عاما للحزب في 30 أوت 2013 بعد 7 أشهر من تنحية بلخادم- داخل قاعة الاجتماعات يشرف، في هدوء تام، على أشغال الدورة العادية للجنة المركزية للحزب بحضور 272 عضو و10 وكالات من ضمن 341 عضو تمت دعوتهم، وهي دورة اللجنة المركزية الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر العاشر العادي للحزب، حيث أدرج في جدول أعمالها عرض حصيلة نشاط السداسي الأول لسنة 2014، وتنصيب اللجنة الوطنية لتحضير المؤتمر العادي العاشر، ومناقشة اقتراحات الحزب المتعلقة بمشروع التعديل الدستوري وأخيرا تقديم التقرير المالي، وأكد سعيداني في مستهل كلمته الافتتاحية عن أسفه "لما حصل للحزب من طرف ابنائه"، مضيفا أنه يرحب "بجميع المبادرات الإيجابية التي تقترح داخل هياكل الحزب"، مبرزا استعداد الحزب للدخول في مرحلة جديدة بغية تحقيق المزيد من الانتصارات". وبشأن الجلبة التي حصلت قبل انطلاق وأثناء أشغال الدورة، عبر سعداني عن أسفه لما حصل "بين أبناء الحزب الواحد"، موضحا أن "هذه تصرفات مقصودة بغية الإساءة إلى سمعة الحزب الذي يأمل مناضلوه أن يكون دائما في الريادة"، مؤكدا أنه "لم يمنع أي عضو من أعضاء اللجنة المركزية من الدخول إلى القاعة التي تجري بها أشغال الدورة" وأن عدم السماح للأمين العام السابق، عبد العزيز بلخادم، ولوج القاعة كان بسبب رغبته في الدخول رفقة مجموعة من الأشخاص ليسو أعضاء في اللجنة المركزية. إجماع على لائحة السياسة العامة لسعيداني وتحركات لعودة بلخادم للقيادة بداية من منتصف النهار، كانت العاصفة الجديدة للأفلان بدأت في الهدوء، حيث تمت المصادقة على لائحة السياسة العامة بالاجماع، في اختتام أشغال الدورة العادية للجنة المركزية، من أجل ما وصف ب "تحقيق أهداف وطموحات الحزب في رقي وتقدم الوطن"، فيما انطلقت مجموعة بلعياط وبلخادم في إيجاد مخرج لحل - ما وصفته - ب "الصراع على مستوى القيادة"، مؤكدين على ضرورة "الاحتكام إلى الصندوق من أجل انتخاب أمين عام جديد"، كاشفين أن "مرشحهم هو عبد العزيز بلخادم"، وحسب تصريحات عديدة ل "الجزائر نيوز" فإن هذه المجموعة قد انطلقت فعليا في جمع التوقيعات التي قدرت إلى غاية كتابة هذه الأسطر ب 120 توقيع، حسب مصدر مطلع للذهاب إلى ما اسموه ب "حل الصندوق". ما حدث، أمس، بفندق الأوراسي، لا يمكن اختصاره إلا بمقولة والدة الشهيد العربي بن مهيدي عندما زارت الشارع الذي يحمل اسمه بالعاصمة، "الإسم غالي والمربط خالي"، لأن هذه الصراعات التي تعصف بالافلان بداية من المؤامرة العلمية لم تعد تعير أي اعتبار للإرث المشترك للشعب الجزائري في هذا الحزب ولو على مستوى الرمزية والاسم.