مساء ساخن وحار، عكس الأخبار التي توردها الألسن أو الجرائد أو التلفاز، فكلها باردة وراكدة، ولا مذاق ولا طعم لها· قام، حماري، برش الماء على جثته الضخمة حتى يغتسل من العرق المتصبب من كل مكان، ثم استلقى على ظهره، وأخذ يتفلسف، كعادته، وحتى أهرب من لسانه الطويل ، أحضرت دلاعة كبيرة حتى نطرد بها العطش المتربص بنا· أكلنا الدلاعة الحمراء، بشراهة، وما أن انتهت حتى عاد حماري إلى نقاشاته الحشرية، وقال·· لماذا يا ترى البلد في هذا الركود ··؟؟ البلد، كلها، في حالة ''كومة'' سياسية واجتماعية وثقافية·· قاطعته··لا ثقافية لا·· الإعلانات، كلها، تملاأ الشوارع عن المهرجان الإفريقي· نهق، حماري، عاليا·· مهرجانات·· مهرجانات·· لم أفهم معناها أبدا· وفجأة، سمعت صراخه الفجائي·· وهو يقلب بين حافريه قشرة الدلاع، وقد وضع عليها طابع يقول ''منتوج تونسي''· صاح، حماري·· الدلاع الذي أكلناه مستورد من تونس؟؟ يا الله، لو كنت أعلم ذلك لما أكلته· سخرت من كلامه·· وتعالت ضحكاتي·· وقلت له، أيها الحمار اللعين، لماذا تستغرب أن نستورد الدلاع التونسي·· ألم نستورد البطاطا والجزر والقمح والقائمة طويلة· الآن، وبعد أن امتلأت بطنك، أصبحت تحتج على الدلاع المستورد· منذ قليل، كنت تتفلسف وتتكلم عن الركود السياسي، وغيره من التصحر الذي امتد إلى العقول والأفكار، ونسيت أن هذا البلد المسكين مليء ب ''الكسالى'' من أمثالك، الذين لا يعرفون سوى تشراك الفم للكلام والأكل، معا، ويُفاجأون في الأخير، بدلاع مستورد من ''تيهاو هاو''·· أنظر حولك، لترى سلعة ''الشناوة''، وهي تغزو البلد، غزو بدءً من الإبرة إلى الجمل· تنحنح، حماري، في مكانه، وقال·· صحيح، وضع لا نحسد عليه·· هل بارت أراضينا الزراعية التي كانت تحبل وتطرح الخير الكثير، أم أن المسألة أكبر من ذلك؟؟ صمتنا، لم نعلق·· لأن المسألة، ربما لا تحتاج إلى ذلك·· بقي طعم الدلاع التونسي في حلقي، وقد تحول إلى أصابع غليظة قادرة على خنقي،أما حماري التعيس، فقد رَدَّه الحنين إلى أغنية تونسية، فأخذ يدندنها كالمجنون·· عسولة·· واعلاش انخبي·· عسولة·· قدي يسحر·· زيني يقتل·· مسرارة وشهلولة··