زروقي يشدّد على الالتزام ببنود دفاتر الشروط    44 مليار دولار    عرقاب يشرف على تدشين عدة منشآت    مؤسسات ناشئة: تجارب عالمية تدعم مسيرة رواد الأعمال الجزائريين    أيام للفيلم الثوري    أراض مغربية تُمنح للصهاينة!    فلسطين... بعد 77 سنة عودة الوعي العالمي؟    حملات تحسيسية لترشيد وعقلنة الاستهلاك    بدء إنتاج محطة كودية الدراوش بالطارف    التحكّم في أغلب حرائق الغابات بعدّة ولايات    رواية الدكتور مومني وأبعاد الهُوية والأصالة والتاريخ    غزوة أحد .. من رحم الهزيمة عبر ودروس    غزة : يمكن وقف المجاعة عبر إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق فورا    أمطار رعدية ورياح قوية مرتقبة على عدد من ولايات الوطن بداية من اليوم    بحث سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين المجلس الشعبي الوطني وبرلمان عموم أمريكا الوسطى    العدوان الصهيوني: بريطانيا تؤكد أن منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية لغزة "فضيحة أخلاقية"    وهران: إسدال الستار على الطبعة الرابعة عشرة للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي بمسرح الهواء الطلق "حسني شقرون"    ترتيبات خاصة بمسابقة التوظيف في رتبة "مربي تنشيط الشباب" لفائدة ولايات جنوب الوطن    بطولة الرابطة الاولى"موبيليس"/2025- 2026/: بداية موفقة لشباب قسنطينة وأولمبيك أقبو    إقبال واسع على الجناح الجزائري في معرض "صالون إفريقيا" المنظم بمدينة يوكوهاما اليابانية    الجزائر تدفع إلى التكامل بين الهياكل الأمنية والحوكمية للقارة    الجزائر ملتزمة بتعزيز مكانة إفريقيا كقوة اقتصادية فاعلة    فرنسا تكذب "رسميا"    أول رحلة بين الجزائر وتمنراست الإثنين المقبل    لجنة لتقييم حالة الحافلات والتخطيط لتجديد الأسطول    الشباب يقود القوافل الطبية التطوّعية    استشهاد 29 فلسطينيا في غارات مكثفة بقطاع غزة    مؤتمر الصومام عزّز الوحدة الوطنية إلى أبعد الحدود    المخزن يتلقى صفعتين في أسبوع واحد    بطاقة "ذهبية" خاصة بالطلبة الجدد    " صيدال" يكرّم أحد أبطال الإنقاذ في كارثة وادي الحراش    امرأة ضمن عصابة ترويج المخدرات    أخبار اعتزالي غير صحيحة.. وهدفي أولمبياد 2028    بوقرة يعترف بصعوبة المهمة ويحذر لاعبيه    أفلام الثورة تُلهب مشاعر جمهور الفن السابع    مسرحية "أميرة الوفاء" تفتك "القناع الذهبي"    عنابة تعيد رسم ملامح المدينة المتوسطية الرائدة    المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الشاوية بخنشلة: سهرة ثانية على وقع الطابعين الفلكلوري والعصري    الجزائر تنهي المنافسة ب 23 ميدالية منها ست ذهبيات    حملات واسعة لتنقية الوديان والبالوعات    حيوانات برية: حجز قرابة 1200 صنف محمي خلال السداسي الأول    وهران: تدعيم المؤسسات الصحية ب 134 منصبا جديدا لسنة 2025    البطولة الإفريقية لكرة القدم للاعبين المحليين-2024 (مؤجلة إلى 2025) (السودان/الجزائر): "الخضر" من أجل مكانة في المربع الذهبي    المغرب: أزمة البطالة تكشف زيف وعود الحكومة    كرة القدم"شان-2024"/المؤجلة الى 2025/: المنتخب الوطني يجري أول حصة تدريبية بزنجبار    بمشاركة منشدين من ثمانية دول.. انطلاق الطبعة ال11 من البرنامج الإنشادي "حادي الأرواح"    ابتسام حملاوي : اللقاءات مع المجتمع المدني فرصة لرصد التطلعات والاقتراحات    بمشاركة الوزير نور الدين واضح ممثلاً لرئيس الجمهورية.. الجزائر تعزز حضورها الدولي في تيكاد 2025    حج 2026: تنصيب لجنة دراسة العروض المقدمة للمشاركة في تقديم خدمات المشاعر    انطلاق الطبعة الخامسة للقوافل الطبية التطوعية باتجاه مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير    أيام لطوابع الجزائر    الجزائر تواجه السودان    16 فريقاً على خط الانطلاق.. بأهداف متباينة    هذه الحكمة من جعل الصلوات خمسا في اليوم    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين في يوم بارد

يوم بارد من أيام تشرين الثاني (نوفمبر)، وليس البرد فقط، بل الريح والمطر، أراهم قابعين هنا·· وسط المدينة الثرية، في وسط المدينة الأنيقة، القبعات الصوفية على رؤوسهم والمعاطف الشتوية تقي أجسادهم من البرد·· الشارع المخصص للمارة الراجلين مكتظ، تدب فيه حركة أيام نهاية الأسبوع، ونحن على أبواب أعياد الميلاد ونهاية رأس السنة·
ها هي أكياس وعلب المشتريات تتدلى من أيديهم، أين هي هذه الأزمة التي يتكلم عنها المحللون؟ فالأسعار على الواجهات خيالية وكل شيء يبدو باهظا، الأحذية من 200 أورو إلى ما فوق، ناهيك عن المعاطف أو الحقائب، لكنهم لا يكترثون، فهناك من يشتري بعد تردد طفيف، وهناك من يمر مرور الكرام.· أما من جئت أقصدهم فلا هم من هؤلاء ولا هم من أولئك، اليوم محطتهم هنا قبالة ''الغاليري لافييت'' الشهيرة، هنا حطوا رحالهم.. مجموعة من 15 شخصا لا أكثر، ناثرين معلقاتهم على حبل غسيل مربوط على جذع شجرة، تملأ أيديهم منشورات مكتوبة على أوراق صفراء اللون يوزعونها على من يريد أخذها·. جاكلين، فرانسوا، ماتيلد، برينو·· مناضلون شاءت الأقدار أن يكون لهم عنوان ومكان، فرنسيون من مدينة نانت، أصدقاء فلسطين ومناضلون من أجلها، لا يهمهم يمينا أو يسارا، فتح أو حماس، مسيحي أو مسلم، هم ليسوا مع أي خط إيديولوجي معين، يتضامنون فقط، مؤمنون بالقضية وبعدالتها، يناهضون الإحتلال واستلاب الأرض، لجان ومجموعات وأفواج، منهم من ترك النفس والنفيس ودفع الغالي والثمين للذهاب إلى هناك.. إلى فلسطين التي يحبون، يذهبون لقطف الزيتون مع المزارع الفلسطيني وحمايته من المستعمر الغاشم، ومنهم الحقوقي الذي يتظاهر مع المئات ضد الجدار العنصري الفاصل·. مستعدون، جاهزون ومتواجدون، بالأمس اليوم، وغدا.·
سلمت عليهم ووقفت إلى جوارهم، آه·· كم البرد شديد اليوم، أصابع يداي تكاد تتجمد، والصقيع يتسرب خبيثا إلى قدميّ، ما العمل؟ هل أعمل وحدي أم معهم، فأنا ذات الأصل الفلسطيني، كما يقولون هنا، بل أكثر من ذلك أنا وليدة غزة، وقفت إلى جوارهم وأخذت رزمة من الأوراق الصفراء وانطلقت محاولة توزيعها على المارة، كما يفعلون هم تماما، ولكن بعد ثلاث أو أربع محاولات خجولة إكتشفت أن الجرأة تنقصني، حاولت إقناع زبائني مقلدة ما يقوله أصدقائي المناضلون: تفضلوا سيداتي سادتي·· ألقوا النظر قليلا على وثائقنا ومنشوراتنا، تفضلوا بمساندة القانون الدولي، ناهضوا بناء الجدار الفاصل، هل تعرفون أن محكمة العدل الدولية أصدرت قرارا بهدمه، ناهضوا الإحتلال في فلسطين المحتلة، يا ترى، هل تساندون الإحتلال؟ نحن في القرن الواحد والعشرين، هل أنتم مع المستعمر؟ هل تتجرأون على ذلك؟ هل تتواطؤون مع الحصار ضد أهل غزة؟ إنه عقاب جماعي.. أنظروا·· شوفوا·· تحركوا·· ها هي الخرائط تتكلم بنفسها.· شوفوا ما يفعله الإسرائيليون، نحن هنا ونناشد ضمائركم.·
كانت الكلمات تتلعثم في فمي·· لم أكن أطلقها بالصوت الصريح الواثق·
لكنهم، هم، أصدقائي، لم أشعر لديهم بأي حرج أو أية حشرجة في الصوت·· لماذا يا ترى؟ ساءلت نفسي، ربما لديهم ما ليس لدي، لديهم الوطن، وأرض الوطن التي تفسح المجال التي تطمئن وتنزع الخوف.· إنهم ينادون جاهرين ويستجدون المارة من غير خجل ولا يبالون بمن لا يبالي بهم أو يردهم بعدوانية: ''وما دخلنا بذلك، إن مشاكلنا في فرنسا تكفينا، أنتم ضد اليهود، أنتم مع الإسلاميين في حماس، مع الشموليين، مع الفاشيين، إنصرفوا عن وجوهنا أيها المتخلفون''، عندما كنت أتلقى هذه المواجهات كانت تنحط عزيمتي، ''أزعل واتنرفز'' وتتساقط الحجج والبراهين من ذهني، وتنبت بداخلي عزيمة الكلمات، آه·· الكلاب، الخبثاء، العنصريون، الغربيون، وعلى هذا المنوال.·
لكن سرعان ما ألتفت إلى أصدقائي المناضلين الفرنسيين الغربيين، وأراهم يناقشون ويحللون، ويجادلون نقطة بنقطة، برهانا ببرهان، لا يهتمون بمن يشتمهم، لا، ليس لديهم وقت للتفاهات، تنير مساراتهم مهمة معينة، ثابتة واضحة: إعلام الرأي العام الفرنسي ومناصرة القضية، أما أنا، فاتجهت نحو البيت.
إستأذنت منهم ومضيت، بعد بضعة أمتار، مظاهرة أخرى، هذه المرة مجموعة أشخاص مناهضين لمجتمع الإستهلاك، حاملين يافطات تنادي المواطنين بقضاء يوم كامل بدون مشتريات، يرددون بحماس: ''اليوم·· اليوم·· لا أشتري شيئا·· فلنقاوم الشراء·· فلنقاوم الإستهلاك·· فلنقاوم·· فلنقاوم''.. أكملت طريقي، وشبه ابتسامة ترتسم على وجهي، وما هي إلا خطوات قليلة، وفي عز زحمة الناس، إذ بأربعة أو خمسة أشخاص يقفون، وفي أيديهم محقن وإوزة إصطناعية يوزعون منشورات تطالب بالكف عن تزقيم الإوز، منددين بالعملية ''إنها تؤذي الحيوان ضعوا أنفسكم مكان الإوزة، تصوروا العذاب الذي يتعرض له الطائر المسكين، هل تقبلوا، أيها الناس المتحضرون، هكذا وحشية؟!·. نحن على مشارف أعياد الميلاد، كونوا طيبين مع الإنس والجن كونوا مواطنين''·
إكتملت الربتسامة على وجهي، وأحكمت إغلاق معطفي لسد لسعة البرد، ثم مضيت عائدة إلى البيت، وكتبت ورقتي هذه·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.