''التصوف بالجزائر أكبر مشكلة تعاني التشتت وعدم التنظيم مقارنة بدول المشرق''، هذا ما أكده، أمس، سعيد جاب الخير، الباحث والمختص بشؤون الطريقة الصوفية بالجزائر حين نزل ضيفا بفضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني· تحدث الكاتب في محاضرته عن التصوف والإبداع، من خلال تقديم الأصول التاريخية لطريقة الصوفية بالجزائر، حيث اعتبرها جزءا من التاريخ الجزائري، وأنها مكسب تاريخي حضاري لا يتجزأ عن الهوية الوطنية· أما عن الأسباب الحقيقية لظهور الترميز في الطريقة الصوفية، فقد أرجعها الباحث إلى التوتر التاريخي بين أهل السلطة والصوفية، حيث كانت السلطة تمارس قمعها ضد الصوفية، وفيما يخص محاربة المنهج السلفي للتصوف، أكد الباحث في حديثه أنه أمر طبيعي لأن السلطة تاريخا تنطلق من منطق الفقيه الذي يتحالف دائما مع السلطة على عكس الصوفية، ويضيف سعيد جاب الخير أن الصوفية معارضة لخطاب واتجاهات السلطة· وفي ذات السياق، أضاف المتحدث أن المجتمع الجزائري لا يزال بعيدا عن المستوى المطلوب للنقاش في التصوف، مرجعا ذلك إلى أن الخطاب الصوفي تعليم موجه إلى شرائح أوسع داخل المجتمع، وفي الوقت ذاته أن التصوف، كما يشير الباحث، علم لا يملك الوسائل المادية لتحقيق الفعالية المطلوبة داخل المجتمع· أما عن الدور الأساسي للتصوف، يؤكد جاب الخير أنه يعمل على نشر ثقافة التسامح ولغة الحوار، خاصة وأن المجتمعات العربية تعيش حالة تصاعد العنف· للإشارة، الباحث له إصدار واحد تحت عنوان ''التصوف والإبداع'' صدر عن دار المحروسة بمصر· الصحفي والباحث في شؤون التصوف :سعيد جاب الخير'' ل ''الجزائرنيوز'': العلامة ابن باديس لم يحارب التصوف في الجزائر سعيد جاب الخير، كاتب وصحفي جزائري عرف عنه اهتمامه بالتيارات الإسلامية والطرق الصوفية على وجه الخصوص·· في هذا الحوار، يقدم الخطوط العريضة لطريقة التصوف في الجزائر، واستراتجية للنهوض بالتصوف، وفيما يخص التيار السلفي، يرى أنه وجد تساهلا من طرف الدولة، كما ينفي محاربة ابن باديس للتصوف·· كيف ترى واقع التصوف في الجزائر؟ الطرق الصوفية في الجزائر لا تزال بعيدة عن امتلاك وسائل ضمان بقائها وتحريك خطابها، وتصويره ونشره بالمستوى الذي يقتضيه واقع العصر وأدواته، وعليه يمكن القول أن الصوفية ببلادنا تعاني من أكبر مشكلة تتجسد في تشتتها من خلال عدم وجود طرق تنظيمية مقارنة بدول المشرق، وهذا الواقع يجعل منها تتعرض للقمع من عدة أطراف داخلية كانت أو خارجية، هو الأمر الذي لا يخدم مصلحتها، إلى جانب ذلك، فالصوفية لم تصل بعد إلى تكفل حقيقي بنفسها من الناحية المادية، مما جعلها عرضة للتوظيف والإحتواء· كيف ترى الاستراتجية للنهوض بالتصوف في الجزائر؟ المطلوب أن تسترجع الطرق الصوفية كل ما أخد منها من أوقاف بعد الإستقلال، كما يجب أن تسير بطريقة علمية وعقلانية حتى تضمن لنفسها الإستقلالية الإقتصادية، وبالتالي استقلال قرارها على جميع الأصعدة، كما أنها مطالبة بتعميم حركتها رسميا بمؤسسات التنشئة الاجتماعية· التيار السلفي حارب التصوف على طريقة العلامة الكبير عبد الحميد ابن باديس، كيف تعلق على ذلك؟ أرى التوجه السلفي، بفرعيه الجهادي والتكفيري، ضد التصوف في الجزائر أو في الخارج، وهذا أمر طبيعي، لأن السلطة، تاريخيا، تنطلق من منطق الفقيه الذي يتحالف، دائما، مع السلطة على عكس الطريقة الصوفية التي عارضت خطاب السلطة، وما يمكن قوله أن التوجه السلفي لم يعد يحتاج إلى محاربة، على الأقل، في الجزائر، لأنه حارب نفسه بنفسه، وأسقط نفسه بنفسه، من خلال مئات الأرواح الجزائرية التي أزهقها أثناء العشرية الدموية عندما أفتى قادته بوجوب أن يقاتل الجزائري أخاه الجزائري، وبالتالي، هم مسؤولون عن الأرواح، ومع ذلك أقول يوجد تساهل من النظام الجزائري في محاربة هذا الخطاب السلفي· بالنسبة لعبد الحميد ابن باديس لم يكن ضد التصوف، وإنما ضد تجاوزات بعض الطرق، ودليل عن ذلك تدعيمه للطريقة الرحمانية· المخابرات الفرنسية كانت لها علاقة بشيوخ التصوف في الجزائر، وقد أورثوا ذلك لأبنائهم ما تعليقك؟ بعد احتلال فرنسا للجزائر، قادت طرق الصوفية المقاومات الشعبية بما فيها مقاومة الأمير عبد القادر، مما أدى بالمستعمر إلى اختراق بعض هذه الطرق من أجل تحويل ولائها، وفي هذا السياق، نجحت فرنسا في اختلاق واصطناع بعض الشخصيات الصوفية المزيفة بهدف تشويه صورة التصوف الطرقي وصرف الجزائريين عن الإلتفاف حولها، وما يمكن قوله أن كل ظاهرة لها علاقة بالحراك الاجتماعي، سواء كانت في الداخل أو الخارج· كما أن الطريقة لا يمكن أن تنجو من محاولة الإختراق، وهذا أمر يحدث لكثير من الهيئات والتنظيمات· كيف يمكن أن تؤثر الصوفية في المجتمع الجزائري؟ أتصور أن تأثير طرق الصوفية على المجتمع الجزائري لايزال بعيدا عن المستوى المطلوب لأن الخطاب الصوفي، حسب رأيي، تعليم موجه إلى الشرائح الأوسع داخل المجتمع، لكن إذا استثنينا الطريقة العلاوية التي أسسها سيد أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي، والتي يمكن القول أنها ارتفعت إلى مستوى خطاب النخبة حيث أصبح لها تأثير معتبر. أما بخصوص بقية الطرق، أتصور أن الظروف لم تسعفها بعد لتطوير خطابها إلى المستوى المطلوب· لماذا تدعم الدولة الصوفية ماديا، مقارنة مع التيارات الأخرى؟ دعم طرق الصوفية في الجزائر لا يرجع إلى طبيعة التركيبة السياسية للنظام بقدر ما يرجع إلى وجود الرئيس بوتفليقة في هرم السلطة، ولذلك، أتصور أن هذا الدعم قد لا يستمر في حال تغير هذا الوضع السياسي·