نظمت الجبهة الوطنية الجزائرية، أمس، يوما برلمانيا، حول دور المعارضة في بناء الديمقراطية في الجزائر، واُستدعيت لتنشيط هذا اليوم أحزاب المعارضة المنتخبة في البرلمان وغير المنتخبة، وهي الأفافاس، الأرسيدي وحزب العمال، لكن دون أن تستجيب للدعوة· إلى جانب المدعوين الغائبين أيضا، كان أكاديميون ومناضلون من أحزاب أخرى كجبهة التحرير الوطني وحركة الإصلاح· موضوع اليوم البرلماني الذي نظم في خضم الفرحة العارمة للجزائريين بالمشوار الطيب لفريقهم الوطني في البطولة الإفريقية، وهذا في حد ذاته ذكاء من حيث الرسالة السياسية، لكن نظريا فقط، ما دامت أقطاب المعارضة التي تمارس الفعل السياسي المعارض للسلطة، قد غابت عن المناسبة· ونظم اليوم البرلماني حول دور المعارضة في بناء الديمقراطية في الجزائر، أيضا في خضم اتهام أقطاب المعارضة بممارسة الدور شكليا فقط، وأنه في الحقيقة لا يوجد في الجزائر من الأحزاب السياسية من يمارسها بمفهومها الحقيقي، في وقت كانت فيه مناسبة الأمس، فرصة كبيرة وسانحة لممارسة معارضة سياسية نوعية وكمية، لم يساهم تفويتها إلا في تكريس المفهوم المطاطي للمعارضة في الجزائر· إذا كان الأفانا أرجع غياب تلك الأحزاب السياسية لأسباب تتعلق بالصراع حول مقاعد نواب الرئيس في المجلس الشعبي الوطني، فإن ذلك لا يعتبر سببا كافيا وهو بالضرورة صحيحا· فقد يكون حزب العمال مثلا والأرسيدي لا يعترفان بأهلية حزب موسى تواتي للحديث عن المعارضة وتنظيم ندوات حول هذا الموضوع، لأنه ببساطة في نظرهما قد لا ينطبق عليه وصف المعارض أصلا· وقد تكون جبهة القوى الاشتراكية قد غابت لسبب أكبر من سبب الأرسيدي وحزب العمال، وهو أنها لا تعترف أصلا بشرعية هذا البرلمان والأحزاب التي بداخله، بل قد تكون لا تعترف أصلا بالنظام الذي تمخض عنه برلمان العهدة الحالية· في الجزائر يعارض الأرسيدي الرئيس بوتفليقة وكل من ينتمي إلى محيطه من السياسيين، بينما يعارض حزب العمال سياسة وزارتي الصناعة والاستثمار والطاقة والمناجم وفي بعض الأحيان تشمل معارضته قطاع التجارة بسبب عقود واتفاقات الشراكة مع رموز الغرب من الدول، وفي بعض الاحيان يتم الاعتراض حتى على الشخصيات التي تسير هذه القطاعات، وتعارض جبهة القوى الاشتراكية رجالات المؤسسة العسكرية، بينما تمارس الجبهة االوطنية الجزائرية ما أسماه أمس رئيسها موسى تواتي ''بالمعارضة الوسطية'' على شاكلة ''السلفية الوسطية المعتدلة''· والملاحظ لهذا التوزع والاقتسام الإرادي أو غير الإرادي للأحزاب السياسية على القطاعات، في جوهره رائع جدا، لكن الروعة مشروطة بما إذا كانت أقطاب المعارضة في الجزائر هي نفسها من صاغت هذه النظرة للمعارضة، حتى لا تتشتت جهودها، وبالتالي يركز كل واحد منها على جهة معينة في السلطة، لكن يستحيل أن يكون سعيد سعدي ولويزة حنون وتواتي وحسين آيت أحمد قد جلسوا لتنسيق هذه المعارضة· كما لا يمكن الجزم ببساطة التخمين الذي يقول أن هؤلاء كانوا مصطفين واحدا تلو الآخر وتم تكليفهم بملف كما لو أنهم عملاء جهة من الجهات، وبالتالي لا يبقى إلا أن الطرح القائل بأن المعارضة في الجزائر تعيش طفولة صعبة صحيا، لأن ولادتها كانت سابقة لآوانها وبطريقة قيصرية، وتحتاج إلى عناية مركزة إلى غاية تجاوز مرحلة الغيبوبة العميقة·