انتخاب السفيرة حدادي نائبا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي "انتصار لصوت إفريقيا الحر"    السيد سعداوي يستقبل مسؤولي نقابتين من قطاع التربية    جمعية "راديوز" تكرم عائلة فقيد الكرة المستديرة الجزائرية محي الدين خالف    الأسبوع الوطني للوقاية: السلطات العليا تولي الصحة العمومية "أهمية خاصة"    غرب الوطن: أبواب مفتوحة على مندوبيات وسيط الجمهورية    دراجات /طواف الجزائر 2025 /المرحلة الثامنة: فوز الدراج الجزائري محمد نجيب عسال    أمطار وثلوج على عدد من الولايات    الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية BMPJ توقيف 03 أشخاص و حجز 600 كبسولة مهلوسات    المحافظة السامية للأمازيغية تسطر برنامجا ثريا للاحتفال باليوم الدولي للغة الأم وأسبوع اللغات الإفريقية    بوجمعة يعقد اجتماعا مع الرؤساء والنواب العامين للمجالس القضائية    الطيب زيتوني..تم إطلاق 565 سوقًا عبر كامل التراب الوطني    متى ينتهي مسلسل الاخفاء..؟!    الصحفية "بوظراف أسماء"صوت آخر لقطاع الثقافة بالولاية    الشهداء يختفون في مدينة عين التوتة    انخفاض حرائق الغابات ب91 بالمائة في 2024    جانت.. إقبال كبير للجمهور على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    غريب يؤكد على دور المديريات الولائية للقطاع في إعداد خارطة النسيج الصناعي    خنشلة.. انطلاق قافلة تضامنية محملة ب54 طنا من المساعدات الإنسانية لفائدة سكان قطاع غزة بفلسطين    فريقا مقرة وبسكرة يتعثران    الجزائر تواجه الفائز من لقاء غامبيا الغابون    بداري يرافع لتكوين ذي جودة للطالب    معرض دولي للبلاستيك بالجزائر    وزير العدل يجتمع برؤساء ومحافظي الدولة    هكذا ردّت المقاومة على مؤامرة ترامب    حملات إعلامية تضليلية تستهدف الجزائر    أمن البليدة يرافق مستعملي الطرقات ويردع المتجاوزين لقانون المرور    هذه رسالة بلمهدي للأئمة    تسويق حليب البقر المدعم سمح بخفض فاتورة استيراد مسحوق الحليب ب 17 مليون دولار    متعامل النقال جازي يسجل ارتفاعا ب10 بالمائة في رقم الأعمال خلال 2024    قِطاف من بساتين الشعر العربي    كِتاب يُعرّي كُتّاباً خاضعين للاستعمار الجديد    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    الجيش الصحراوي يستهدف قواعد جنود الاحتلال المغربي بقطاع الفرسية    محمد مصطفى يؤكد رفض مخططات التهجير من غزة والضفة الغربية المحتلتين    عرض فيلم "أرض الانتقام" للمخرج أنيس جعاد بسينماتيك الجزائر    المغرب: تحذيرات من التبعات الخطيرة لاستمرار تفشي الفساد    سفيرة الجزائر لدى أثيوبيا،السيدة مليكة سلمى الحدادي: فوزي بمنصب نائب رئيس المفوضية إنجازا جديدا للجزائر    الرابطة الأولى: نجم مقرة واتحاد بسكرة يتعثران داخل قواعدهما و"العميد " في الريادة    إعفاء الخضر من خوض المرحلة الأولى : الجزائر تشارك في تصفيات "شان 2025"    موجب صفقة التبادل.. 369 أسيراً فلسطينياً ينتزعون حريتهم    6 معارض اقتصادية دولية خارج البرنامج الرسمي    الديوان الوطني للمطاعم المدرسية يرى النور قريبا    "سوناطراك" تدعّم جمعيات وأندية رياضية ببني عباس    22 نشاطا مقترحا للمستثمرين وحاملي المشاريع    انطلاق التسجيلات للتعليم القرآني بجامع الجزائر    تنسيق بين "أوندا" والمنظمة العالمية للملكية الفكرية    تضاعف عمليات التحويل عبر الهاتف النقّال خلال سنة    حمّاد يعلن ترشحه لعهدة جديدة    دراجات: طواف الجزائر 2025 / الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة السابعة و يحتفظ بالقميص الأصفر    كيف كان يقضي الرسول الكريم يوم الجمعة؟    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسماعيل يبرير يعيد تعريف الجزائر المعاصرة في ''مولى الحيرة''
صحيفة "العرب" اللندنية تكتب عن ابن الجلفة:

الرّوائيّ الجزائريّ يقترب في روايته من الإنسان أكثر، ويراهن على بناء شخوصه المتداخلة بكثير من الدقّة والحذر.
مسارات ومصائر متشابكة تلك التي دفع بها الرّوائيّ الجزائريّ إسماعيل يبرير من خلال نصّه الجديد “مولى الحيرة”، وأثناء ذلك لا يقف القارئ على آلام وجودية وحياتيّة خبرها كونه يعيش في الوطن العربي، ولكنّه يكتشف قدرة الكاتب على ترويض السّرد، وقد وصفه على لسان “الشيخ الأبيض الرّائي” بأنّه “وحشٌ”. رواية يبرير عملٌ مختلف وجريء على كلّ المستويات، وهو محاولة جادّة لتقديم بدائل في عالم السّرد، وقد صدرت متزامنة في الجزائر عن منشورات حبر وخارجها عن دار مسكيلياني.
رواية المكان ومساءلة اليسار
في روايته الرّابعة يقترب إسماعيل يبرير من الإنسان أكثر، ويراهن على بناء شخوصه المتداخلة بكثير من الدقّة والحذر، إنّها رواية الاكتمال بالنسبة إليه، فبعد تجربة “وصيّة المعتوه” استطاع الكاتب أن يهتدي إلى نمط من الكتابة ضمن مشروعه الذي بناه على الاحتفاء بالمكان. وليس الأمر سريّا، فقد صرّح الرّوائي في أكثر من مناسبة بهذا الميل “لم أراهن على الإنسان الذي أكتبهُ (وهو العربيّ، الجزائريّ غالباً) رهانا كاملا، لم أفعل بسبب نقصانه، وليس لقلّة حيلتي، بقدر ما هو قلة حيلة هذا الإنسان الذي يعنيني مأزقهُ الوجوديّ.
الإنسان العربيّ في رأيي القاصر- لم يكتمل وجوديا عبر عقود متتالية، منذ مطلع القرن التاسع عشر وهو يواجه صدمات متتالية تأتي على وجوده، تشكّكهُ في الأرض التي يقف عليها، وتسلّمهُ إلى مسلّمات ويقينيات تغتصب الحقّ أو الرّغبة في التفكير وبالتالي في التغيير، ربّما لهذا فإنّ المختلف في العالم العربي كان يناقشُ على الدوام في القرن التالي، وربّما بسبب توقنا إلى التاريخ الذي نتخيّله أكثر ممّا نعرفه. لأجل هذا جاءت حيلة الكتابة عن المكان كممكن وشاهد مع هذا الإنسان، إذ سيكون شكل وروح ووجهة الروايات كلّها متشابهة لو راهنت على إنسان متأزّم، وربّما ستكون روايات تراهن على الحكي لا على فعل الكتابة، روايات ملتبسة تملك التقنية المكتملة أحيانا، والإنسان المنقوص الذي يختفي خلف النموذج السّردي الغربيّ الأمثل. كتبت عن المكان بضيقه، وفسّرت عبره الإنسان الذي يشغلهُ”.
وتغوص رواية “مولى الحيرة” في متتالية سردية، حيث تتداخل الحكايات وتتشابك لتشكّل المسار العام لها، ورغم أنّ أبطالها كثيرون إلا أنّ المسار الرّئيسي للبطل الرّئيسي بشير الدّيلي الذي يقود دفّة السّرد، دون أن يتطرّف في إبداء سلطته على النّص، ويتحرّك بالرّواية على مدار أزيد من 420 صفحة، مسنودا براحة منحها له الكاتب من خلال التقسيم المدروس لفصول وأبواب الرّواية.
تدور الرّواية في مدة زمنية تقارب الستة عقود، تبدأ منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وتنتهي في سنة 2015، ورغم أنّ التركيز كان على الحقبة السبعينية ثمّ التسعينية للقرن العشرين وأخيرا على الألفينية، إلا أنّ الروائي عاد أكثر من مرّة إلى الثورة الجزائرية وما جاورها، قبلها بقليل وبعدها بقليل، وفي عودته كان المنظور السياسي والسؤال حاضرين بقوة، ولعلّها إرهاصات الصحافّي التي تسكن الكاتب، وهو يحتكّ بشكلّ يوميّ مع الشأن السياسيّ.
حيث أنّ والد بطله بشير الدّيلي كان شهيدا، وقد سعى أن يعرف قبره المجهول دون جدوى، وفي غياب هذا الوالد الشهيد نشأ الدّيلي وحيدا بين جدّيه، وتعلّم في مدارس مدينة الجلفة (جنوب العاصمة الجزائرية)، ثمّ اشتغل في دار البلدية، ورافقه هوسه بالشّعر طوال حياته، فقد كان يحلم بكتابة قصيدة، من أجل هذا التهم الشعر العربي والفرنسي والمترجم، ليكوّن بذلك ثقافة كبيرة في الشّعر.
كان البطل على الدّوام يساريّا إلى أن شعر في لحظة أنّه فقد انتماءه لليسار وأنّ الوطن كلّه يمضي بلا وجهة واضحة، ولعلّ افتراقه عن رفاقه الذين شكّلوا معه نفس الانتماء السياسي جعله يصبح مجرّد مواطن يبحث عن وطن وسكينة، وهنا يمكن أن يتساءل القارئ إن كانت الرواية ترمي في أحد مقاصدها إلى تهديم اليسار، أو إلى مجابهته بسؤال عن جدواه في العالم العربي؟
رواية عن الحب والشعر
تطفو أكثر من قصّة حبّ في رواية “مولى الحيرة” فقد اختار إسماعيل يبرير أن يدوّرَ لنا الحكايات المتقاطعة لعشق بشير الدّيلي وحبيبته التي لم يمنحها اسما، واكتفى بوصفها بالخونية، أي العارفة، ثمّ هناك حكاية أخرى للتالية التي أحبّت يحي الشاب الأخرس الذي يملك الكثير من المواهب من بينها حبّه للخطّ العربي ورغبته في رعاية النباتات، وهناك قصّتا حبّ مكرّرتين للشاب فاتح الباقي الذي يبدو تائها، ولسبب مجهول جعل الكاتب كلّ قصص حبّه فاشلة، بل إنّ أبرزها كان ما حصل بين التالية ويحيى حيث تزوّج كلّ واحد منهما شخصا آخر، وبقيا يتساءلان عن حبّهما، أما بشير الدّيلي فقد ضيّع حبيبته بمجرّد أن تزوّجها بعد أن اختارت فجأة التصوّف.
الدّيلي الذي تعب ليكتب قصيدة كبيرة تصنع له المجد، هو ذاته الأب الذي نسي ابنه مينا، وبدت علاقتهما جدّ متشنجة، ولا يمكن أن يعودا إلى علاقة مقبولة إلا في آخر الرواية، لكنّها عودة أقرب إلى الصداقة ولا يبدو فيها الدّيلي معنيّا بصفة الأب.
ولعلّ كون الكاتب شاعرا أيضا منح الرّواية نفسا مختلفا، خاصّة عندما اتّخذ له بطلا شاعرا، أو يكاد يكون شاعراً، فهو بطل غامض، لا يستطيع القارئ أن يفهم إن كان شاعرا حقيقيّا أم مجرّد موهوم، وإلى غاية نهاية الرّواية وكتابته لقصيدته يظلّ السؤال والحيرة يعملان عملهما لدى القارئ وهو يتّبع خطوات بشير الدّيلي المثقلة، روح الشّاعر وعذاباته، بل حتّى اللّحظة التي يكتبُ فيها قصيدته، كلّ ذلك صوّره إسماعيل يبرير بعناية واستطاع أن ينقلنا إلى حالات كأنّنا نعيشها.
ويظهر جليّا أن جميع أبطال الرواية وعبر فصولها كانوا يفتّشون عن معنى لحياتهم، في التصوّف أو الشعر أو السياسة أو الحبّ، وهو مسعى الإنسان المعاصر الذي يجرّب كلّ أدواته من أجل الهروب من الخراب الذي يحاصره.
في رواية يبرير يوجد الكثير من الأشخاص الثانويين، وبعضهم يبدو أقرب إلى السّعي للحصول على متّسع في النّص، فبايزيد وهو رجل أعمال معروف بالفساد، وجد الفرصة ليموت وقد قدّم الكثير من الخدمات لأهل الرّواية، كأنّ الروائيّ يقول لنا إنّ رموز الفساد لا تعني دائما الفساد؟
هناك درجة عالية من الاعتناء بالنباتات والأشياء، بل إن النبات والوقت والسماء والماء والأثاث والحيوانات كلّها مشاريع شخوص أو حالات، بالإضافة إلى حضور الشّعر عبر مقاطع وأبيات لشعراء عرب كبار كالمتنبي وعنترة ومجنون ليلى، ولمتصوّفين معروفين كرابعة والحلاج وابن الفارض.
رهان تكييف الشكل
راهن يبرير على بناء صعب إلى حدّ ما، إذ قسّم الرواية إلى جزأين هما “الطبقة الأولى” و”الطبقة التالية”، وبينهما فصل طويل بعنوان “مسعى حفيد العنب” وهو يشبه رواية داخل رواية، حيث يتحوّل فجأة إلى حكاية أخرى هامشية، كأنّها محطّة استراحة أو فاصل سردي. وهناك بعض الفصول التي تبدو مثل “إكسسوار”؛ على غرار فصل “صيد الحكاية” و”فصل الحكاية”. ولكنّ البداية والنهاية كانتا عبر فصلين بعنوانين هما “تحرير، مفتتح بمثابة مداعبة” و”افتراض، بمثابة منفذ”.
ويحضر مجدّدا “الرّائي” الذي كان مُصوّبا في روايته السابقة “وصيّة المعتوه” لكنّ حضوره هنا كان أقلّ حدّة حيث اقتصر على أحلام بشير الدّيلي فحسب، ما جعل الكاتب يهتمّ بلغته ويصبغ عليها نوعا من الحكمة المقصودة.
الاشغتال المكثّف على الشّكل يحوّل الرّواية إلى ما يشبه الأزقّة التي يتجوّل عبرها القارئ، بل إنّها رواية مدينة أو أشبه بالحيّ، حيث تتوزّع المصائر والمسارات على الفصول والأبواب، وقد اختار عناوين فرعية وأخرى رئيسيّة، ما يمكن وصفه باللّافتات التي تمنح الدّخول إلى نصوص تكاد تنجح في أن تستقيل من النّص لكنّها تغري بالمواصلة، وقد نجح خيار الشّكل إلى حدّ كبير، بل إنّه أحد التحدّيات التي بنيت عليها الرّواية كاملة.
تكاد رواية “مولى الحيرة” تكون حالة من الاحتفاء بحيّ القرابة، هذه هي الجزئية المهمة، فالحيّ هو أيضا بطل مواز، بطل تقصّد الكاتب أن يجعل له بلاغة هو الآخر فأثّثه بحالات وشُخوص واقترح الحكايات، لتكون روايته واقعية سياسية ناقدة، وهي كذلك رواية حب ولغة ودهشة، ورواية مليئة بالرّموز حيث يجب أن تقرأ على مستويات مختلفة.
تعتبر “مولى الحيرة” امتدادا لمشروع إسماعيل يبرير الأدبيّ المقسّم بين الشّعر والرّواية والذي سبق أن قدّم فيه في الرّواية “باردة كأنثى”، “ملائكة لافران”، “وصية المعتوه، كتاب الموتى ضدّ الأحياء”، وفي الشعر نجد “طقوس أولى” و”التمرين أو ما يفعل الشاعر عادة” و”أسلّي غربتي بدفء الرّخام” وفي المسرح له “الرّاوي في الحكاية”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.