في الجزائر ننظر بكثير من الشك إلى أعمالنا حاورته/ نوّارة لحرش عن روايته "وصية المعتوه/ كتاب الموتى ضد الأحياء" فاز الكاتب والروائي إسماعيل يبرير بجائزة الطيب صالح العالمية في فرع الرواية، في دورتها الثالثة لعام 2013، وهي جائزة عالمية باسم الروائي السوداني الراحل الطيب صالح. إسماعيل يبرير يتحدث في حواره لكراس الثقافة عن هذه الجائزة التي كان يتوقع الفوز بها، وعن سعادته بها لأنها وضعته في لحظة مفصلية مع تاريخه السردي، كما يتحدث عن التتويجات العربية للنصوص الأدبية الجزائريةالجديدة، وأيضا عن نصوصه التي يلجأ بها للمسابقات الرصينة، بدلاً عن نشرها لتموت مصلوبة على الورق. كما يتساءل في هذا الحوار، إن كان الذوق العربي ضعيفا في الكثير من أحكامه. يذكر أن رواية "وصية المعتوه" ستصدر قريبا عن -منشورات دار ميم- في طبعة جزائرية ولاحقا ستصدر في طبعة سودانية. فزت مؤخرا بجائزة "الطيب صالح" العالمية للإبداع في فرع الرواية لهذه السنة، هل كنت تتوقع هذا الفوز وسط منافسة عربية قوية وشرسة؟ إسماعيل يبرير: الحقيقة توقعت أن أفوز، لديّ شعور أن الكتابة عندي أصبحت مشروعا متمكنا منذ سنوات، مررت بالقراءة الجادة أثناء ذلك، وأقمت الكثير من المقارنات، ما أكتبه على الأقل في رأيي يمكنه أن يقارع ما يعتبره البعض علامات فارقة في التاريخ السردي العربي، وإن كنت أتساءل إن كان الذوق العربي ضعيفا جدا في الكثير من أحكامه. ماذا يعني لك الفوز بجائزة عربية كبيرة كهذه، وهل تعتبرها دعما إضافيا لك لمواصلة الكتابة والإبداع؟ إسماعيل يبرير: الأكيد أن الكاتب يسعى إلى الحصول على دعم ليس متاحا له، أتحدث هنا عن الكاتب العربي عموما والجزائري خصوصا، لا يمكننا الوقوف وانتظار تكرم الوزارة التي لا يعنيها هذا الشأن بدعوتنا إلى إقامة كتابة، وليس انتظار الحصول على مكافآت مالية من نشر الكِتاب في الجزائر أو العالم العربي، حيث لا يسوق جيدا ولا يجد صدى كبيرا، وفي الغالب قد يكون مدخولك منه مقدار ما تعيش لأسبوعين أو أقل، كل هذا أضعه سببا للكبح، والتتويج سببا للدفع. هل من مقارنة بين هذه الجائزة والجوائز التي نلتها سابقا في الرواية والمسرح، أم أن الجوائز تكمل بعضها وتسعد المتوج بها عادة؟ إسماعيل يبرير: هذه أهم جائزة أحصل عليها في كل المعايير، من حيث القيمة المادية والمكانة ومن حيث طبيعة المشاركين، عدد مهم من الكُتاب الروائيين المميزين شاركوا فيها، وليس من الهواة والناشئة كما يعتقد البعض، وإذا كنت بعد كتابتي لأكثر من رواية ناشئا فعلى من اعتقد ذلك أن ينتظر ما يفعله الناشئة في رواياتهم التالية. بالنسبة للعلاقة بين التتويجات أعتقد أنها تراتبية، إنه سلم يُرتقى. الصعود فيه يمنع من النزول. الأدب الجزائري لا يمثله اسمان أو ثلاثة تتداولهم الأوساط الثقافية العربية أو الغربية "وصية المعتوه/ كتاب الموتى ضد الأحياء"، هو عنوان الرواية المتوجة بالجائزة والتي تحكي عن حي يقع بجوار ثلاث مقابر للمسلمين والمسيحيين واليهود، وعن بطل يقاتل لأجل تحقيق ذاته. هل يمكن اعتبارها رواية البحث عن الهوية والذات، وفضاء سردي تتحاور وتتجاور فيه الديانات؟ إسماعيل يبرير: هي رواية البحث عن أفق، البطل لا يفهم لماذا يرضى الناس بحياتهم تلك، ولماذا لا يفكرون في التغيير، بينما لا يفهم الآخرون لماذا يريد هذا المعتوه تغيير الوضع رغم أنه متوارث ومقبول جدا، هناك إشارات سياسية أود لو أكتشفها غيري، ولا أريد أن أطرح تأويلات الرواية وقراءاتها، لكنها رواية عن الإنساني والسياسي والإجرامي في حياتنا، عن الواقع الذي يعيشه المنسيون في الجزائر. كيف تفسر فوز الأعمال الأدبية لكُتاب وأدباء شباب بجوائز عربية كثيرة، في حين نادرا ما تنال حظها من الجوائز المحلية؟ إسماعيل يبرير: هذا ليس غريبا، في الجزائر ننظر بكثير من الشك إلى أعمالنا، فالذي يحقق قليلا من الإنتشار يجعل الأوساط الثقافية تشعر وكأنه انفرط وفرّ ولم يمر من غربالها، هذا الأمر غير صحي، والسبب فيه عدم وجود مساحات إعلامية ومؤسساتية ثقافية جادة، بالإضافة إلى تأخر النقد، وهناك علاقة تبادلية بين الإعلام الثقافي والنقد، فغياب الصحافة الأدبية المتخصصة يبرر تردي وغياب النقد، دون الحديث عن تخلف المؤسسات الجامعية التي ما تزال تلوك أعمالا بعينها بالدراسة. العام الفائت، فزت بجائزة التأليف المسرحي بالشارقة عن مسرحيتك "الراوي والحكاية"، هل يعني أن الوقت حان لافتكاك الجوائز العربية في زمن شحت فيه الجوائز المحلية؟ إسماعيل يبرير: لا أدري أية جائزة سأحصل عليها العام القادم، لكنني أفعل متى وجدت فرصة، لا أحد يطرق بابك ليقول لك أعجبني نصك ولا أحد سيتجند للدفاع عن النصوص الجميلة، تلك حيلتي وأتمنى أن يفعل الكُتاب الشباب مثلي، أريد أن أقول أن الأدب الجزائري مختلف ومتنوع ومميز ولا يمثله اسمين أو ثلاثة تتداولهم الأوساط الثقافية العربية أو الغربية. قلت: "ألجأ بنصوصي للمسابقات الرصينة، بدلاً عن نشرها لتموت مصلوبة على الورق، مثلما حدث مع الكثير من المنجزات الأدبية في هذا العالم الظالم"، هل يعني هذا أن الجوائز يمكنها أن توفر لك ما يكفي لأن تعيش وتكتب بأريحية لوقت من العمر والزمن؟ إسماعيل يبرير: ليس تماما، لكنها لا تشعرني بالخيبة وأنا أرى نصوصي مركونة في رف ما، على الأقل يصبح نشرها مبررا، في النهاية التتويج يخدم النشر. أنت متعدد المجالات والاهتمامات الأدبية والكتابية، من شعر ورواية ومسرح ومقال، أين تجد نفسك أكثر؟ إسماعيل يبرير: أجدني بيني وبين نفسي في الشعر والرواية معا، لكني توقفت عن نشر الشعر، ولدي مشروع روائي أواصل فيه بجد. أما المسرح فهو المساحة التي عشقتها منذ الطفولة وما زلت أواصل فيها بكثير من الحب. لماذا لم تر نصوصك المسرحية النور على ركح الخشبة حتى الآن، ألم تتلق عروضا من المختصين والمخرجين والمنتجين في فن المسرح؟ إسماعيل يبرير: لم أتلق أي عرض، ويبدو لي أن بعض المخرجين والمحسوبين على المسرح في الجزائر لم يفهموا نصوصي، لكن أنا أراهن على المرحلة القادمة، عندما يزول هذا الجيل من المتسلقين في مجال المسرح ربما يمكنني أن أرى مسرحياتي على الركح، عندما ينتهي هذا الجيل الذي وجد ميزانيات ضخمة أمامه ولم يبعث المسرح سنرى جيلا جديدا يؤمن بالمسرح وليس بالميزانيات الضخمة ومعارك التموقع، ساعتها سيكون لأمثالي نصيبهم. أمام هذه التتويجات العربية للنصوص الأدبية الجزائريةالجديدة، هل تجد أن النقد واكبها، أم أنه ظل فقط يغرد في دائرة الأسماء المكرسة؟، ثم ككاتب شاب هل يعنيك النقد، أم لا يهمك في شيء؟ إسماعيل يبرير: الأكيد أن النقد يعنيني، وأنا مهتم بكل ما يُكتب في هذا المجال، لكن ليس علينا أن نُدين النقد بشأن نُصوص نُشرت ولم تُسوق، أو نُصوص تُوجت خارج الجزائر قبل أن تُنشر، الآن يمكنني أن أدين آلة النقد بشأن "ملائكة لافران" التي صدرت منذ سنوات في طبعتين، الكاتب الشاب مثل الكاتب العجوز كلاهما يحتاج إلى النقد، في بعض الأحياء يصبح النقد بحاجة إلى الكاتب. أمر آخر أود أن أشير إليه، نص "نورس باشا" لهاجر قويدري متفوق بمراحل عن نصوص يتم التسويق لها والتصفيق لها، رغم ذلك إلا أنه لم ينل نصيبه الكافي من الاحتفاء، هكذا نستطيع تكسير الفرح والنشوة لدى الكُتاب الشباب، أتمنى أن ينتبه القارئ الجزائري لهاجر قويدري فستقول شيئا جميلا. الكاتب الشاب مثل الكاتب العجوز كلاهما يحتاج إلى النقد، لكن ليس علينا أن نُدين النقد بشأن نُصوص نُشرت ولم تُسوق قلت بأن هذه الجائزة وضعتك في لحظة مفصلية في تاريخك السردي، كيف؟، وهل لأنها تحمل اسم الطيب صالح، أم لشيء آخر؟ إسماعيل يبرير: طبعا أن تحمل إسم الطيب صالح محل تميز لها، لكن اللحظة التي أقصدها هي إعلان ميلاد جديد، لقد خشيت أن أعمالي ستنشر وينتهي أمرها، بعد نقاش قصير بيني وبين أمينة شيخ وآسيا علي موسى دفعتا بي إلى ترشيح العمل لجائزة الطيب صالح العالمية للرواية وهو ما فعلته، ووجدت أن النتيجة كانت جيدة. ماذا بعد هذه الجائزة، وهل من عمل جديد تخطط للمشاركة به في جائزة عربية ما؟، وهل تفكر في جائزة البوكر مثلا؟ إسماعيل يبرير: بعد هذا العمل سأكمل مشروعي، أنا كاتب يتحدث بالأعمال وليس بالوعود، لدي ما سأقوله في القادم، أما بشأن البوكر أود أن أقول أنها تعنيني، ربما الدورة القادمة سأكون حاضرا إذا اتفقت مع ناشر.