مثلما كان منتظرا، حفلت قاعة المحاضرات بدار الثقافة "ابن رشد"، بالجلفة، بجمهور منقطع النظير لحضور تقديم وبيع كتاب "الفتوحات اليوسفية" بتوقيع مؤلفه الدكتور "محمد تاج الدين طيبي". اللقاء نشّطه الدكتور "بن علية رابحي" بمعية الشاعر الدكتور "محمد بن الأبقع" والشاعر المترجم الدكتور "الشيخ شعثان" والإمام الشيخ أبو القاسم العباسي. وكانت كلمة البداية مع الدكتور بن الأبقع الذي اختار أن يبدأ بالطريق التي أدّت إلى تأليف كتاب الدكتور طيبي وهي طريق القراءة والتدبّر. فذكّر الحضور بأن الفعل "اقرأ" هو الفعل الوحيد الذي تكرر مرتين متتاليتين في القرآن الكريم بغير عاطف زيادة على أنه هو أول ما نزل من القرآن. كما أشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الحرّية بالقراءة وجعل فداء أسرى بدر تعليم عشرة من المسلمين. وعرّج الشاعر بن الأبقع على مفهومي التدبر والاستنباط بالقلب والعقل من حكم وآيات الكتاب المسطور ومفهوم التفكّر في الكتاب المنظور وهو الكون وما فيه من أشياء تنطوي على حكم حياتية ودلالات. في هذا السياق وصف الشاعر بن الأبقع 'الفتوحات اليوسفية" التي اعتبرها ابنة الحضارة الإسلامية التي هي حضارة عقل وفكر وتفكير وقلم قادت الإنسانية لأكثر من عشر قرون. وقد أكد بن الأبقع أن ميزة "الفتوحات اليوسفية" هي أنها سبر عميق لأغوار سورة "يوسف" عليه السلام وهذا لأن مؤلفها شاعر والشعراء يملكون معرفة حدسية تسمح لهم بالنفاذ إلى لب الأشياء ليخلص الأستاذ بن الأبقع إلى القول بأن "الفتوحات اليوسفية" هي عودة إلى التفكير والقراءة والتدبر وأن سبب ضعف الأمة الإسلامية هو تحولها من التفكير إلى التكفير كما نقل. أما الدكتور "شعثان الشيخ"، فقد أكد على أنه سيقرأ "الفتوحات اليوسفية" كورد يومي لما حواه نظامها اللغوي من تركيب ومعجم ودلالة وطرائق للتناوب بين هذه المفاهيم. وأضاف المترجم شعثان أن الفتوحات انصهرت فيها لغة الشاعر بلغة الخطيب ولغة باحث أكاديمي لم يتدبّر آيات بل سورة بأكملها. وحسب "الشيخ" فإن المفاهيم اللغوية الثلاثة التي تمكن فيها تاج الدين هي لغة الخطابة التي تركز على اللغة ولغة الشعر التي تركز على الخيال وتركيب الصورة ولغة العلم التي تنفي الخيال وهي قد شكلت في مجموعها لغة -حسبه- متميزة ومتفردة. وفي كلمته، حاول الدكتور تاج الدين طيبي أن ينفي عن نفسه صفة المفسّر رغم أن بعض الحضور قد أكد على أن التدبر لا يمر سوى عبر طريق التفسير مثلما أكدوا على أن الفتوحات هي "التدبر بعينه" وليست "محاولة تدبرية" كما هو وارد في عتبة العنوان. وانتقل الدكتور طيبي ليتحدث عن تجربته في كتابه حين قال بأن سورة يوسف قد أُعد بها النبي صلى الله عليه وسلم ليجابه اليهود في المدينةالمنورة و"عقلية بني إسرائيل" وهو الصراع الذي خبا طيلة 13 قرنا منذ عهد النبوة ليعود في عصرنا ونكون نحن عليه من الشهود اليوم. وفي هذا الصدد يقول تاج الدين "سأستمر في الكتابة بهذا المنهج وربما سيكون كتاب آخر عن الفتوحات الموسوية ثم عن الدولة الإسرائيلية في عهد النبيين داوود وسليمان عليهم السلام لأن اغتصاب فلسطين قد تم بهذه الدعوى وهكذا إلى أن أصل إلى الأنبياء يحيى وزكريا وعيسى ومحمد عليهم السلام وما لاقوه على أيدي اليهود وهو الصراع ضد بني إسرائيل" مضيفا أن القرآن يدعونا إلى التدبر في قصص الأنبياء "لقد كان في قصصهم آيات لأولي الألباب". وحسب السيد طيبي فإنه في سورة يوسف نجد ذكر التمكين له مرّتين وهو ما يعني أن الأمة الإسلامية أن تمر إلى السيرة اليوسفية لتستلهم منها لتصل إلى التمكين بإذن الله عز وجل، ليستدرك بالقول "ورغم العواصف وكيد الكائدين فمازالت أمتنا موجودة ... وهذا في حد ذاته تمكين". وبالعودة إلى ظروف تأليفه لكتابه، قال الدكتور تاج الدين أن البداية كانت بمنشور فايسبوكي عن قميص يوسف عليه السلام ثم منشور آخر عن امرأة العزيز ثم كان الفتح من الله ليؤلف كتابه في 13 يوما. وخلص الدكتور تاج الدين إلى القول بأن التفكر والتجبر في كتاب الله ليس خاصا بفئة بل حتى الأمي يمكنه أن يفهم من كتاب الله كما هو حال الفرنسي الذي أسلم وصار يبكي كلما سمع القرآن الكريم وقال "أنا أفهم من القرآن الكريم ما يفهمه الصبي من كلام أمه" عندما سألوه عن سبب بكائه وهو لا يعرف اللغة العربية والقصة رواها الشيخ البوطي رحمه الله. وفي ختام الجلسة، أكد الشيخ الإمام أبو القاسم العباسي أن الدكتور تاج الدين طيبي استطاع أن يتفرد بهذا المؤلف ليس في ولاية الجلفة فحسب بل في كامل الجزائر وأن شهادة الأستاذ الدكتور محمد السرار من جامعة فاس بالمغرب، تكفي للتدليل على أهمية الكتاب. جدير بالذكر أن الدكتور تاج الدين طيبي هو نجل الشيخ "مصطفى طيبي" إمام الجامع الكبير بالجزائر العاصمة. وهو من مواليد عام 1975 بقصر الشارف أين نشا وتربى. وهو أستاذ بكلية الاجتماعية بجامعة "ابن خلدون" بتيارت ويحمل شهادة الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع الديني من جامعة الجزائر. كما أنه يكتب الشعر الفصيح وله أشعار لا تحصى في ذلك ومشاركات في ملتقيات وطنية ودولية. بطاقة تقنية للكتاب: العنوان: الفتوحات اليوسفية – محاولة تدبرية في سورة يوسف عليه السلام المؤلف: محمد تاج الدين طيبي سنة الصدور: 2016 عدد الصفحات: 191 الطباعة: مطابع دار الهدى، عين مليلة، الجزائر البريد الالكتروني للمؤلف: [email protected]