بما أنه يهدي للتي هي أقوم، ويزخر بالعبر والحكم ويقدم تفسيرات دقيقة لإشكالات الكون، كان القرآن الكريم كتاب قصص وكنزا من المعارف التي يهتدي لها أهل عصر بمقدار ما أوتوا من العلم والفهم. ولأن قراءته وحدها لا تكفي لفهم ما فيه من آيات بينات واستيعاب ما يزخر به من قوانين، كان لا بد من تدبره، فقال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن). المؤتمر العالمي الأول لتدبر القرآن الكريم الذي انطلقت أعماله نهاية الأسبوع بالدوحة، يعمل على جسر الهوة بين الحفظ والتدبر، وينبه جيل اليوم إلى إيجابيات القرآن التي تبهج النفوس وتسر الخواطر وتقي من الحيرة والقلق. ويكتسي توقيت المؤتمر أهمية كبيرة حيث ينعقد قبل أيام من حلول شهر رمضان. طيلة ثلاثة أيام تناول مئات العلماء والدعاة من مختلف دول العالم الإسلامي أثر التدبر في إغناء حياة الناس والارتقاء بالأمة، وإصلاح الفرد والمجتمع، ومعالجة المشاكل والقضايا التي تؤرق العالم. وناقش المؤتمر، الذي نظمته الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، 49 بحثا تتناول العديد من المحاور بينها المنهج النبوي في تدبر القرآن، وأثر التدبر في التعريف بالإسلام والنهوض الحضاري وصياغة شخصية المسلم. وفي كلمة بالمؤتمر، حث وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية القطري غيث بن مبارك الكواري المسلمين على الرجوع للقرآن الكريم وتدبره حتى يتبينوا المنهج السليم الكفيل بالفوز في الدنيا والآخرة. ونبه الكواري إلى أن العودة للقرآن الكريم تخلص الأمة من عوامل الضعف وآثار التخلف، لأن التمسك به جعل المسلمين سادة من قبل، وهيأ لهم قيادة العالم وأدام عزهم لعدة قرون. ويقول الكواري إن شمولية القرآن جعلته يستقطب اهتمام العلماء المفكرين والباحثين والقانونيين، لأنه كتاب علم وسياسة وعمران بدليل قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء). أما رئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم الدكتور ناصر العمر، فقال إن التدبر يفتح أمام المسلم مجالات رحبة ويربط الأمة بالوحي ويقوي من الإيمان ويزيد الخشوع، وينعش البحث والتفكير في مختلف المجالات. ونظرا لهذا الثراء الذي يحظى به التدبر فإن العمر يرى أن المؤتمر يمثل رسالة إيجابية للأمة بضرورة العودة للقرآن الكريم للارتواء من معينه والاسترشاد به نحو أسباب القوة والتمكين للمجتمع المسلم. ويقول العمر إن مؤتمر الدوحة يتوج ثماني سنوات من العمل نظمت فيها الهيئة عشرات الملتقيات والاجتماعات في سبيل التأكيد على عالمية الرسالة المحمدية التي شدد الله عليها بالقول (وما أرسلنك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا). أما الدكتور عبد الحي يوسف فتناول في مداخلة بالمؤتمر أثر التدبر في التمسك بعرى الإسلام ورد الناس إلى كتاب الله. ويأسف يوسف لأن الأمة عزفت عن التدبر حيث بات الناس يقرؤون كتاب الله دون أن يثير فيهم رهبة ولا رغبة، مما يجعل هناك حاجة ماسة لهذه المؤتمرات التي من شأنها أن ترد المسلمين إلى الله. وبشأن الوسائل التي تعين على التدبر يقول عصام العويد رئيس جمعية (القرآن حياة) إن على القارئ أن يقرأ بالقلب بالتوازي مع النطق والسمع. وأضاف العويد أن من أهم أدوات تدبر القرآن الكريم (النظر الى واقعك من الآية أثناء القراءة، فإذا كان هناك تفريط تعيد القراءة وتنوي تصحيح الخطأ). وعما إذا كان هذا التدبر قصرا على المتعلمين وحدهم، يقول العويد إن ترديد الآيات يؤثر في الأميين وحتى في الملحدين بدليل قوله تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).