الحمد لله الّذي أحصى بلطفه الخلائق عددًا، و جعلهم بمشيئته و قُدرته طرائق قِددًا، كلٌّ يعمل على شاكلته، في عاجلته لآجلته، و الصّلاة و السّلام على صفوة الأنبياء و المُرسلين و خاتمهم و خاتم الرّسالات ؛ سيّدنا و حبيبنا و قائدنا و شفيعنا يوم القيامة مُحمّدٍ، و على آله الجامعين لمكارم الأخلاق، و صحبه الحائزين مرتبة الفضل و التّقوى. و بعد: من مدينة فاس عاصمة الأدارسة أيّام دولتهم (1)، و كَعبة العُلماء، و نَدوة الأُدباء، و مَحجَّة البُلغاء، و مَوئِل المُفكِّرين و الإِصلاحيين و مِربدهم، و حيث الأَسَاتِيذُ الكِبارُ، و فيها جامع القرويين، و ما أدراك ما القرويين(2)، و فيها مقبرة أبي بكر بن العربي، و بها نتذكّر شيخَنا العَلم الكبير أحد أعلام العصر بالقطر العربي في وقته عبد الهادي التّازي (التّاجي) الّذي طواه الموت، مُنذ سنتين، في جماد ثانٍ 1436 ه / أفريل 2015 م، و كُلّنا أسفٌ و حزنٌ لفراقه. نطير شرقًا إلى مدينة وِجدة، عند حُدود المغرب الأقصى، المُحاذية للجزائر، و نتذكّر دَورها خلال الثّورة التّحريريّة المُظفّرة (1954 م 1962 م)، و منها نَلِج إلى تلمسان، أين الكَراغلة و الحَضر، اللّذين أصلح بينهم الأديب اللُّغويّ اللّوذعيّ و المُحدّث المُتبحّر و الفقيه المُجتهد علّامة زمانه غير مُدافع مُحمّد البشير الإبراهيمي (ت 1385 ه / 1965 م)، حين فترة ظَعَنه بين ظهرانيهم، كما أصلح الإسلام بين ربيعة و مُضرٍ، و هي من قبل كانت عاصمة للزّيّانيين البرابرة ردحًا من الزّمن ؛ من سنة 633 ه / 1236 م، إلى سنة 957 ه / 1550 م. ثمّ يشدّنا الشّوق إلى موطنِ الأدارسة الثّاني بالمغرب الأوسط ؛ منطقةِ الجلفة المُترامية الأطراف(3)، و كثيرٍ من شمال الصّحراء الجزائريّة الأوسط و الشّرقي، و من أوائل المُدن الكُبرى الشّماليّة لها الّتي تستقبلنا مدينة حاسي بحبح ؛ مدينة الأدب و العلم، و هي مقرّ أولاد سي محمّد (فتحًا)(4)، و عاصمة الزّاغزين (الزّاقزين) الغربي و الشّرقي، و لزامًا علينا أن نقف فيها وقتًا، نستردّ فيه ماضيها و ماضي رجالاتها، و بداية الحركة الوطنيّة فيها، و منها حزب الشّعب (سنة 1937 م)، و منها مُباشرة نكون مع موعد حارّ، مع مدينة الجلفة (البَهجة) عَاصمة الرّبع النّايلي، الّتي أصبحت مهوى و مسكنًا لمُختلف الأعراش و القبائل، و هي مدينة واسعة البِناء و العُمران و العِمارة، و مُكتظّة بالآهلين و المارّة، و فيها رواجٌ كبيرٌ للتّجارة و مُتعلّقاتها و لَوازمها، و للخدمات الاجتماعيّة بجميع سِياقاتها. و بها و لا يزال مُفتون و أئمّة و وُعّاظ و أهلُ صلاح كُثرٌ، منهم من بلغت شُهرته الآفاق، في وقت مضى، على غِرار الإمام الفقيه المُفتي الزّاهد النّاسك مسعودي عطيّة (ت 1410 ه / 1989 م)، و تلميذه الفقيه الرّاوية محفوظي عامر (ت 1430 ه / 2009 م)، و لهما بقيّة ظَهرت في العَديد من الطّلبة و التّلاميذ، منهم مثلاً لا حصرًا ؛ الشّيخ الفقيه الأُصوليّ سالت الجابريّ، و الشّيخ المُفتي المُؤلّف المُولود (الميلود) قويسم، المُفتي الحالي للولاية. و قد عرفت مدينة الجلفة في العُهود الأخيرة وثبة دينيّة طيّبة ؛ تمثّلت في بناء المساجد، بناءً نموذجيًّا، و تشييد المقارئ و الكتاتيب القُرآنيّة، و كذا نهضة ثقافيّة لا يُستهان بها مُتعدّدة الجوانب، و من دخلها فعليه أن يزور مدرسة الإخلاص، و هي من البقايا الصّالحة، و هي مدرسة افتتحتها جمعيّة العُلماء، و ما أدراك ما جمعيّة العُلماء، سنة 1932 م، من طريق ابنها البار شونان مُحمّد بن المُختار بن عليّ (ت 1414 ه / 1993 م)، و رُفقته، و قد قدّمت خدمات جليلة في التّربية و التّعليم و الإصلاح، و استعانت بها الدّولة الجزائريّة بعد الاستقلال، وقتًا طويلاً، و هي من المدارس ذات التّعليم العتيق و الأصيل بهذه الجهة من أرض الوطن الحبيب. و من تمام زيارة مِنطقة الجلفة النّزول بمسعد (مِنْعم) ذات البساتين(5) و الحدائق و الضِّفاف، و هي مدينة مُباركة طيّبة، عامرة بالقُرّاء و الحَفظة، و بها زوايا و مقارئ، و فيها شُعراء فُحول، و يقطنها أولاد عيسى (أولاد لعور و أولاد ملخوة و أولاد عيفة) و لهم الغلبة عددًا، و أولاد طُعبة من السّعادات، و أولاد يحيى بن سالم. و كُلّهم من أولاد سيدي نايل الشُّرفاء، و معهم بقيّة من الأعراش الأخرى، كالحرازليّة، و غيرهم. لنتّجه بعدها شَرقًا، فنطوف بمدينة سيدي خالد الزّاخرة، و بها مقام و قبر الوليّ الصّالح خالد بن سِنان(6)، و بمقربتها مدينة أولاد جلّال العريقة، و زاويتها المُختاريّة(7)، ثمّ على بُعدٍ نجد مدينة طولقة، ذات الوفرة و الجودة في التُّمور، و منها دقلة نُور، و قد تخرّج منها عُلماء و أُدباء و فُضلاء، و ممّن عرفنا منهم من الأحياء ؛ الشّيخ عبد القادر عُثماني، شيخ زاوية عليّ بن عمر(8). و من جهتها نلج عاصمة الزِّيبان ؛ مدينة بسكرة التّاريخيّة، و هي كما يخفى غاصّة بفُنون الآداب و الطّرب، و بالحرف و الصّنائع، و بغيرها ممّا هو مُتعلّق بأحوال المَعاش، و قد عرفنا من خلال كُتب السّير و التّراجم المغاربيّة، و بخاصّة منها الجزائريّة، أنّها مدينة ولّادة للأُدباء و العُلماء. و لنا أن نربط التّواصل بمدينة سيدي عُقبة الأثريّة، و هي من أقدم مُدن الزّاب، بالجنوب الشّرقيّ الجزائري، و بها ضريحُ الفاتح عُقبة بن نافع بن عبد القيس الأُمويّ القُرشي الفهريّ (ت 63 ه / 683 م)، في المسجد الكبير للمدينة، و الّذي يحمل إسمه. ثمّ بمدينة قسنطينة (قسمطينة) حاضرة البادسيين في وقتٍ مضى، و الموصوفة بالعلم و العُلماء، و عدّد عُلماءَها زمكانيَّا، و تذكّر منهم بها ذَيَّاك النّائليّ الفحل المُقرئ المُحدِّث الأديب الرّجّازة الفقيه اللُّغويّ النّحويّ العالم الجليل السّلفيّ نُعيم (بالتّصغير) بن أحمد بن عليّ النُّعيمي الحركاتي (ت 1393 ه / 1973 م)، و هو أحد أعضاء جمعيّة العُلماء البررة، من الّذين تشرّفت بهم المرابع و النّوادي، و سُرّ بهم العرب الحواضر و البوادي. لنسلك طريقنا مُتّجهين شرقًا بين أراضي مدينتي خنشلة و تبسة، و منها إلى خطّ الجريد و التُّوزر، و لا ننسى أن نُعرّج على زاوية نَفطة، و نترحّم على مُؤسّسها مُصطفى بن مُحمّد بن عزّوز البرجي البسكري الجزائري (ت 1285 ه / 1868 م)، و على نجله الأديب المُحدّث الفقيه المُتضلّع البحّاثة المُدرّس المُؤلّف القاضي مُحمّد المكّيّ (ت 1334 ه / 1916 م)، دفين الآستانة، و على حفيده لابنته العلّامة اللُّغويّ المُتبحّر الأديب المُحدّث الفقيه الأُصوليّ النّظّار المُفتي مُحمّد الخَضر بن الحُسين بن عليّ الطُّولقي الجزائري، ثمّ النّفطي التُّونسي، ثمّ القاهري المصري (ت 1377 ه / 1958 م)، الّذي تولّى مشيخة الأزهر الشّريف، من سنة 1952 م، إلى سنة 1954 م. و نحن في هذا الجوّ المُفعم، نتذكّر تُونس الخضراء، و جامعها المعمور بإذن الله الزّيتونة، الّذي تأسّس سنة (79 ه / 698 م 114 ه / 732 م)، و نُسلِّم على سَعادة العالم الفقيه المُفتي الكبير مُحمّد المُختار السّلامي الصّفاقسي، ثمّ نبرق إلى مدينة سليمان، و هي مدينة أسّسها و عَمَرها المواركة (المُوريسكيون)، من أُصول غِرناطيّة تحديدًا، الّذين جاؤوها و نزلوا بأرضها، بعد تسليم مدينة غرناطة، من طرف سُلطانها أبي عبد الله مُحمّد الثّاني عشر، المعروف بأبي عبد الله الصّغير، آخر سلاطين بني الأحمر، أو بني نصر، لملكي أراغون و قشتالة إيزابيلا و فيرديناند، يوم الاثنين 02 ربيع أوّل 897 ه، المُوافق 02 جانفي 1492 م، في حديث يطول سرده، و لو أمكننا الوقت، لأتينا على ذلك بكراريس. لنشدّ الرّحال إلى طرابلس الغَرب، عاصمة القُطر اللّيبي (جمع أهله على الخير و وحّد كلمتهم و صدّ عنهم الشُّرور و المآسي و الفواجع)، و بها نسعد بذكريات أبطالها و عُلمائها و قُرّائها، و نخصص الذّكرى بعلّامة المُقرئين في وقته بذلك القُطر العزيز علينا و لا نُغالي مُختار حُوريّة البُوكري الظّهراوي الطّربلسي اللّيبي (نزيل الآستانة و إسطنبول لوقت مُعيّن)، و المُتوفّى 1371 ه / 1951 م ، الّذي كان له الفضل بعد الله سُبحانه و تعالى في ترسيخ و توسيع علم القراءات بتلك الجهة العربيّة الأصيلة، ثمّ نُشنِّف أسماعنا بحديث تلميذه العالم الأديب الأريب اللُّغويّ الخطير فرقد الضّاد و إمام محراب العربيّة و كاهن سرّها عبد اللّطيف الشّويرف. و قبل أن نُغادر ليبيا، نُبلِّغ السّلام لعُلمائها و فُضلائها ؛ و خاصّة منهم شيخنا الأُصوليّ الفقيه المُتضلّع حمزة أبو فارس أبو بكر. ثمّ نسلك الفُجاج نحو برقة و الجغبوب (الجقبوب)، و نُلوِّح بأيدينا مُشيرين إلى الزّاوية السَّنوسيّة الّتي أسّسها أبو عبد الله مُحمّد بن عليّ بن السَّنوس أو السَّنوسي الخطّابي المجاهري (نسبة إلى مجاهر بن عبد الله) الإدريسي الحسني الشّلفي الأصل المُستغانمي، ثمّ الجغبوبي البرقي اللّيبي (ت 1276 ه / 1859م). و من بعدهما نحطّ الرّحال بمصر الكنانة، مصر الإسلام، مصر العُروبة. و هل أتاك نبأ مصر ؟؟ لقد كانت و لا تزال شيئًا مذكورًا ، فيها الكثرة و الوفرة(9) من العُلماء و الدُّعاة و الفُضلاء و المُقرئين و المُجوّدين و المُحقّقين و الباحثين و الكُتّاب و الأُدباء و الشُّعراء و المُفكّرين و المُبدعين، و.....، و فيها الأزهر الشّريف الّذي تأسّس سنة (359 ه / 970 م 361 ه / 972 م)، على يد المُعزّ لدين الله أوّل الخُلفاء الفاطميين بمصر، و هو من معاقل و حُصون الإسلام و العربيّة كما لا يخفى. و نتجوّل بين مُحافظاتها الكُبرى، و منها كفر الشّيخ، أين نكون في ضيافة دوحة المُحدّثين ؛ شيخنا العلّامة المُحدّث الجِهبذ أبي إسحاق الحويني، و هو من هو... ثمّ نركب عُباب النّيل و نتّجه جنوبًا، إلى بلاد السّودان، حيث العَباءةُ و العَمامةُ العربيتان الأصيلتان، و حيث الأصالةُ و البَسَاطةُ و الهُدوءُ، و حيث النّخل الباسقات، و حيث النَّقير و القِطمير و الفَتيل. لتكون لنا بعدها وجهةٌ عن طريق البحر الأحمر إلى مدينة جدّة، بشبه الجزيرة العربيّة، و منها إلى منبع الإسلام ؛ مكّة المُكرّمة، و بيت الله الحرام قِبلة المُسلمين و مَقصِد حجّهم، ثمّ إلى المدينة المُنوّرة، و المسجد النّبويّ، و قبر رسول الله (صلّى الله عليه و سلّم في كُلّ وقت و حين) مُحمّدٍ خير البشر و سيّدهم و أفضلهم على الإطلاق. و عند هذين المُقَدَّسين نحفل بذكر الله و بفعل القُربات و الطّاعات، و بلقاء العُلماء و المُحدّثين و الفُقهاء و الصُّلحاء و الزُّهّاد و النُّسّاك ، و ما أكثرَهم في هذين المَوْطنين، و نُرسل عاجلاً تحيّة و سلامًا إلى شيخنا الأُصوليّ النّظّار الفقيه المُبهرج المُفسّر المُقرِئ المُجيد صاحب الصّوت الحنون عبد المُحسن بن ناصر بن عبد الرّحمان آل عبيكان (العبيكان) آل عمران العنزي الطّائفي السُّعودي، و نغتنم الفُرصة و ندعو للمسلمين جميعًا و بُلدانهم، و نخصص الذّكر بالعراق، و عاصمته بغداد، و الفلّوجة، و الرّمادي، و البعقوبة، و ديالى، و سامرّاء، و تكريت، و بيجي، و تلّعفر، و ثاني كُبرى مُدنه الموصل، و منها ذَيَّاك المُؤرّخ المُحقّق الخطير المُفكّر الأديب الإسلامي المُبدع عماد الدّين خليل. و بسُوريّة، و مُدنها دمشق(10)، و بانياس، و الزّبداني، و حمص، و حماة، و حلب، و الرّقّة، و تدمر، و البُوكمال. و بفلسطين المُحتلّة، و عاصمتها القُدس، و جميع مدائنها و قُراها و شَتاتها . و باليمن، و مُدنها صنعاء، و أرحب، و الحُديدة، و زبيد، و ذمار، و يريم، و تعز، و مخا، و عدن، و لحج، و الضّالع، و بيحان، و مأرب، و صَعدة، و دمّاج، و شبوة، و المُكلّا، و تريم. و نسأل الله العليّ القدير أن يحفظها من شُرور و ظُلم و إذلال و مكر و كيد الصّهيونيّة و الصّليبيّة و الصّفويّة، و أن يجمع كلمة آهليها و سَاكنيها على الخير و السّلام، و يجعل راية الإسلام بينهم عالية. آمين. و بعد هذه الجولة المُباركة لنا أن نختمها بزيارتنا لقَطر و دوحتها، و نتفقّد رئيس الاتّحاد العالمي لعُلماء المُسلمين العلّامة الكبير التّسعيني العُمر الّذي ملأ الدُّنيا و شغل النّاس يُوسف بن عبد الله القَرَضاوي الصّفتي الصّعيدي القاهري المصري، ثمّ القطري، و نُسلّم عليه، و نجلس معه، و نستمع إليه. ثمّ للكويت لِلِقاء المُفكّر الإسلامي الموسوعيّ أبي مُهنّد عبد الله فهد النّفيسي، و الاستفادة من آرائه و تجاربه، و الإفادة عنه. و في عودتنا نطوف ببلاد الهواشم الأردن، و نُحيِّي شيخَنا و علّامتَنا المُحدّث المُؤرّخ المُحقّق المُدقّق الخرِّيت بشّار بن عوّاد بن معروف العُبيدي الأعظمي البغدادي العراقي، ثمّ العمّاني الأردني، تحيّة إجلال و تقدير و إكبار، و نسأل الرّحمة و المغفرة لسيّد المُحدّثين في وقته، الّذي انتهت إليه رئاستهم، العلّامة أبي عبد الرّحمان مُحمّد ناصر الدّين بن نوح بن نجاتي بن آدم الأرنؤوطي الأشقودري الألبانيّ، ثمّ العمّاني الأردني (ت 1420 ه / 1999 م)، ثمّ نحلّ بطرابلس الشّرق، و بيروت، و ننزل عند آل العَلَايليّ، و هُم من العوائل العلميّة كابرًا عن كابرًا، ثمّ نتجوّل بين المكتبات العامّة، و دُور الطّبع و النّشر، و هي كثيرةٌ جدًّا. على أن نُفرد زيارة خاصّة إلى مكتبة الأديب المُحدّث الجمّاعة الرّحّالة مُحمّد زُهير أفندي الشّاويش الميداني الدّمشقي السُّوريّ، ثمّ البيروتي اللُّبناني (ت 1434ه / 2013 م )، و هي من المكتبات الخاصّة الغنيّة بنفائس المخطوطات، و نوادر المطبوعات. هذه رحلتنا الثّقاقيّة، تُبيّن و لو بشيء يسير علاقة الجلفة، و ما يتبعها من أحواز و أعتاب، بمحيطها العربي و الإسلامي، غربًا و شرقًا، تاريخيًّا و حضاريًّا. و أنّه علينا أن ننظر إلى واقع أحوالنا و بُلداننا بعين النّحلة الّتي تبحث عن العسل، لا بعين الذُّبابة الّتي تُريد الزِّبالة. و قد غادرناها و نحن في غبراء، على أن نعود عليها، في قابل، بالشّرح و التّقرير و التّحشية. و الله المُوفّق و الهادي إلى سواء السّبيل. و صلّى الله و سلّم على سيّدنا و مولانا و حبيبنا و شفيعنا يوم القيامة، مُحمّدٍ، و على آله و صحبه أجمعين. خريطة توضح محطات الرحلة الثقافية...من المغرب إلى المشرق، مرورا بمنطقة الجلفة هوامش 1 حَكموا المغرب الأقصى (العُدوة)، و طرفًا من غرب المغرب الأوسط (الجزائر)، إلى جنوبه، من 172 ه / 788 م، إلى 363 ه / 974 م. و الله أعلى و أعلم. 2 تمّ افتتاحه في أيّام الأدارسة بالمغرب، سنة 245 ه / 859 م 263 ه / 877 م. و للأستاذ الدّكتور عبد الهادي التّازي (رحمه الله)، تأليفٌ مُمتازٌ، حول نشأته و تاريخه و عُمرانه و فكره و نشاطه، عنْونه ب: جامع القرويين المسجد و الجامعة بمدينة فاس. و هو عبارة عن رسالة دُكتوراه نالها صاحبها سنة 1391 ه / 1971 م، من قسم التّاريخ، بكُلّيّة الآداب، بجامعة الإسكندريّة. 3 يشترك فيها معهم الهلاليون ؛ و هُم رحمان، و أولاد إبراهيم، و الكَوانين، و اليَعاقيب، و أولاد يُونس، و المَوامين، و الخُبيزات، و أولاد سيدي يُونس، و أولاد بخيتة، و أولاد زيد. و آخرون يُضيفون إليهم لَحداب و المويعدات (المواعدة) المعروفين بالجوابر. و من يقول أنّ هؤلاء الّذين ذكرت، و بخاصّة منهم المَوامين و الخُبيزات و أولاد سيدي يُونس و أولاد زيد، بالإضافة إلى الحرازليّة، من الأدارسة، فقد أبعد النُّجعة، و أتى بالصّلعاء، و حُجّته داحضة. و ليس له أيّ دليل ماديّ على ما ذهب إليه. و أنا إذْ أكتب و أنشر هذه المعلومات، فإنّي أعتمد في ذلك على أمانة النّقل و دقّته و نَخله، وفق منهج أهل الحديث (شرّفهم الله)، و لست أكتب شيئًا من عندياتي، و لا أنا في مقهى أكتب لأتسلّى و أتقهّى. و أقول إنّ مُعظم المصادر المكتوبة و الشّفويّة الّتي عُنيت بتاريخ بالأشراف بالجزائر، تقول أنّ الأشراف الأدارسة الحَسنيين الموجودين بهذه المناطق، و منها الجلفة، هم على وجه التّحديد و التّقصير و الحصر : أولاد سيدي نايل، و البَوازيد (نسبة إلى بُوزيد بن عليّ)، و يُعرفون بالشُّرفة، و أولاد السّايح (السّائح)، و المذابيح، و حميَّان، و المجاهريّة، و أولاد المُخطار (المُختار)، و لحمالات (نسبة إلى مُحمّد بن عيسى بن لُقمان الشّريف، المعروف بسيدي حملة، أو سيدي بُوحملة )، و أولاد ابن خليفة بأولاد جلّال و سيدي خالد. و ذلك مُوثّقٌ و مكتوبٌ، و قد أشارت إلى ذلك بعض المراجع التُّركيّة (العُثمانيّة)، و مراجع أُخرى بفاس. و أمّا أولاد بخيتة تحديدًا فقد اطّلعت على ما أفادني أنّهم من عرش السّعادات (سعد بن سالم)، من أولاد سيدي نايل. و أمّا المويعدات (المواعدة) فبعضهم يرى أنّهم من أُصول إدريسيّة. ثمّ إنّي أقول للجميع أدارسة و غير أدارسة ؛ كُونُوا أدارسة بفِعالكم و سجاياكم لا بأنسابكم. فمن بطّأه عمله لم يُسرع به نسبه. كما جاء في الأثر. و من العلم لا غير أنّ في قُطرنا الحبيب الجزائر، أشرافأً حَسنيين، و أشرافًا حُسينيين. و أنّ مِن الأُمور الّتي زادت في عدد أولاد سيدي نايل الأشراف، و ساهمت في كثرتهم، و في انتشارهم و اتّساعهم، و قد خفيت على الكثيرين من المُهتمّين و الباحثين ؛ هي المُوالاة (المَوالي)، إمّا بالانتماء، و إمّا بالانتساب، و إمّا بالمُصاهرة، و إمّا بالحماية و الانضمام . و كانت أكثر هذه المُوالاة، في صُفوف البربر (البرابرة)، الّذين لهم علاقة قريبة جدّا كما لا يخفى من الإمام إدريس بن عبد الله بن الحسن المُثنّى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، جدّ الأدارسة الّذين تَناجلوا منه، الّذي مات مسمومًا سنة 177 ه / 793 م ؛ فهم الّذين زوّجوه بابنتهم " كنزة "، و قد تكون جاريته. و أنجبت منه إدريس صاحب التّاج بعد وفاته، هذا من جِهة، و من جِهة أُخرى أنّ البرابرة كانت بينهم و بين الهلاليين تحديدًا خُصومات و نِزاعات و اضطرابات و سُوء تفاهمات، و حتّى انتقامات ؛ لما جرى بينهم من حُروب و معارك، خلال القرن الخامس الهجريّ. الحادي عشر الميلادي، و بعده، و قد لاقى البَرابرة مِن الهِلاليين العَنتَ و المُضايقةَ و شيئًا من الاستبداد، لفترة طويلة ؛ ممّا جعلهم يُناصرون الأدارسة، و ينضوون تحت (إلى) لِوائهم، و يُكثرون بذلك سَوَادهم. بالإضافة إلى أنّ مُحمّد بن عبد الله الخُرشفي الإدريسي الحَسني الشّريف المُسمّى نائلاً (نايل) عندما وفد على هذه المنطقة أعني الجلفة كان رُفقة ذويه و أُسرته و خَدَمه و حَشَمه و مَواليه و أصحابه و رجاله و فُرسانه و خيّالته، من الأشراف، و من غيرهم، و كان رجل حِكمة و سِياسة و قِيادة. و الّذين يتكلّمون على النّوايل الهلاليين، فأقول لهم أنّ هؤلاء الّذين ذكرتم لا علاقة البتّة، لا من قريبٍ، و لا من بعيدٍ، بمنطقة الجلفة الكبيرة، و أغلب وُجودهم هُو بالقُطرين التُّونسي و اللّيبي، و ما ذكره الشّيخ مُحمّد المُبارك الميلي عنهم، و بأنّ لهم علاقة بمنطقتنا (الجلفة)، فهو وهمٌ منه و خلطٌ. و سأُفرد في قابل الأيّام إن شاء الله شيئًا خاصًّا بهذا. و الله أعلى و أعلم. 4 سي محمّد (بالفتح) بن عبد الرّحمان بن سالم بن مُليك بن يحيى بن يحيى بن محمّد (نايل). و مُليك بضمّ أوّله و فتح ثانيه ؛ و هو مُختصر إسم عبد المالك، على غرار عزّوز من عبد العزيز، و رزّوق من عبد الرّزاق، و قدّور من عبد القادر، و رحّوم من عبد الرّحيم ؛ و هو اختصار شائع لدى المغاربة. قال بعض أهل العلم : هذا لا يجوز ؛ لأنّه تغيير في أسماء الله (جلّ جلاله). و الله أعلى و أعلم. 5 من مشمش (مشماش) و تين و رمّان، و غيرها. 6 كثيرٌ من أهل العلم يُثبت نبوّته. و لولا الخُروج عن فحوى الموضوع المقصود بالأصالة من هذه المقالة ، لأتينا بما يكفي عن سيرته، و كلام أهل العلم الثّقات في شأنه. و الله أعلى و أعلم. 7 تأسّست سنة 1812 م، و قيل 1815 م، على يد الشّيخ المُختار بن عبد الرّحمان بن مُحمّد بن يوسف " صاحب القبّة المعروفة بسيدي خالد "، بن عبد الرّحمان " المدفون قرب ضريح خالد بن سنان العبسي "، بن خليفة الإدريسي الحَسني. المُتوفّى 1276 ه / 1860 م. 8 تأسّست سنة 1194 ه / 1780 م، على يد الشّيخ عليّ بن عمر بن أحمد بن عمر بن المُوفّق... بن عليّ بنعثمان " دفين مدينة الدّوسن " البُوزيدي الإدريسي الحَسني. المُتوفّى 1258 ه / 1842 م. 9 يا داخل مصر منك أُلُوف. 10 و تُعرف قديمًا بإرم ذات العماد. و إرمٌ هو والدُ عادٍ الأُولَى. و قيل هي إسم بلدتهم. و جمعها آرَام، و أُرُوم. و تعني قُبور عادٍ. و الله أعلى و أعلم.