لقد عرفت في هذه الآونة الأخيرة الزّوايا و الرُّبط الجزائريّة تحرّكا ملموسا، بعدما جاء عليها حين من الدّهر، كانت فيه في انزواء و انطواء؛ جرّاء ما اعتراها من تقهقر و ترهّل، يرجع بعضه و هو الكثير منه لأسباب فكريّة و منهجيّة و تنظيميّة، و بعضه الآخر و هو النّزر اليسير منه يرجع لحوادث الزّمان العابرة، و ما أكثرها، و لست هنا بصدد التّعرّض لهذه الأسباب أيّا كانت، فالّذي يهمّني في هذه اللّحظة هو الجانب التّاريخي منها و المعرفي، المتعلّق بالموروث الحضاري لهذه المنطقة الواسعة، فنحن مع إصلاح الزّوايا و تطويرها، و نسعد كثيرا و نستبشر خيرا عندما نرى هذه الزّوايا قد عاودت مهمّتها الأصيلة و النّبيلة، و هي تحفيظ القرآن و تعليم اللّسان العربي و علوم الشّريعة المُتداولة، و لم تكن زوايا ولاية الجلفة بمنأى و معزل عن ما ذكرناه؛ فقد شهد بعضها تحسّنا طفيفا، نأمل من القائمين عليها المزيد، و أكثر شيء نتمنّاه هو أن تشهد هذه الزّوايا إصلاحا داخليّا حقيقيّا غير مزيّف، يُبعدها عن الشّبهات الّتي التصقت بها، نتيجة ما عرفته بعضها، من انحرافات عقديّة و فكريّة، و بدع مُنكرة و مُخالفات شرعيّة الّتي لا نقرّها و لا نرضاها، عمّ حكمه على بعضها الآخر... و من الإصلاح أن نذكر تاريخ زوايا ولايتنا؛ فأوّل زاوية على الإطلاق في ما نعلم عرفت النّور بها ، هي زاوية بن عرعار ، بزاقز الشّرقي بنحو 04 كلم، عبر طريق البرّاكة، سيدي بايزيد، من الجهة اليُسرى، الّتي تأسّست سنة 1780 م، من طرف الشّيخ بيض القول ( الغول ) عطيّة الأوّل ، العثماني القويني النّايلي ، و عُرفت في ما بعد بإسم أحد حفدته، و هو الشّيخ بن عرعار بن البشير بن أحمد بن عطيّة بيض القول المتوفّى 1954م، و لا يزال التّعليم بها قائما، و إن عرف بعض الفتور و الرّكود. ثمّ زاوية أحمد بن سليمان، الّتي أسّسها الشّيخ بن سليمان أحمد اليُونسي الصّحراوي الهلالي، و قيل الإدريسي الحسني ( ت 1876م)، بمكان يُسمّى ضاية البقر، قرب مدينة بن يعقوب، و كان ذلك سنة 1813م، كما أخبرنا بذلك الشّيخ بن سليمان التّلّي المشرف الحالي عليها، و قد عرفت إبّان تأسيسها نشاطا طيّبا، و بلغ عدد طلبتها عددا لا بأس به، أمّا الآن فلا يوجد بها أيّ نشاط، و نتمنّى أن تستأنف طريقتها الأولى. ثمّ من بعدها زاوية بنهار، الوقعة بين البيرين و عين وسّارة، و مؤسّسها هو الشّيخ بن مرزوق محمّد الرّحماني الهلالي ( ت 1911م)، و قد عُمّر، و يرجع تاريخ افتتاحها إلى سنة 1825 م، و ما زالت عامرة بالطّلبة إلى يوم النّاس هذا. و تأتي بعدها الزّاوية المحفوظيّة القارّة (سي أحمد المغربي)، قرب الدّويس، الّتي أسّسها الشّيخ محفوظي بولرباح العُثماني السّعداوي النّايلي ( ت 1885م)، سنة 1830م، و لا يزال النّشاط بها قائما، و قد عرفت في السّنين الأخيرة، تحسّنا تنظيميّا مشهودا. و بالتّوازي مع ذلك أسّس في نفس السنة 1830م، زاوية متنقّلة صيفاً وشتاءً، خلفه في تسيير شؤونها نجله محمّد المتوفّى 1889م، وعُرفت بعد ذلك بزاوية سي عليّ بن سي محمّد. ثمّ زاوية اللّفيعة، بزاقز الشّرقي، بنحو 09 كلم عبر طريق البرّاكة- سيدي بايزيد، من الجهة اليُمنى، و هي زاوية كانت في وقت مضى من خيرة زوايا المنطقة، جاءها طلّاب العلم من كلّ الجهات، من المديّة و قصر البخاري و عين بوسيف و تيارت و قصر الشّلّالة و طاقين (طاغين)، و عين وسّارة، و حاسي بحبح، و الجلفة، و الأغواط، و تتكوّن من قاعة للتّدريس، و أخرى للمبيت، و مسجد للصّلاة و تلاوة القرآن، و دار لاستقبال الضّيوف، و مسكن خاصّ، و إسطبل للمراكب، و في هذه العقود الأخيرة طرأ عليها انقطاع دام سنوات، و قد باشر المشرف الحالي عليها، و هو الشّيخ بن مشيه بن مشيه، مهمّة ترميمها و إصلاحها و بعثها من جديد، فقد بنى بجوارها مسجدا و قاعة استقبال و حافظ على شكل بنائها الأوّل، المصنوع على الطّريقة التّركيّة، و هو في انتظار من يدعمه و يقف بجنبه في إكمال هذه المهمّة الشّريفة، حتّى تنطلق الزّاوية من جديد، و مؤسّسها الأوّل يُدعى الشّيخ بن امشيه بلقاسم الصّدّيقي القويني النّايلي (ت 1880م)، و تاريخ افتتاحها كان سنة 1839 م. ثمّ تأتي بعدها الزّاوية الطّهيريّة الأولى، و هي كما ضبطناها، نسبة إلى مؤسّسها الأوّل الشّيخ طهيري الطّاهر بن محمّد بن عليّ (ت 1891م)، الّذي أصله من أولاد لعور، من أولاد سيدي نايل، و قد أسّسها سنة 1854م، بالقاهرة بمسعد، و قيل سنة 1837 م، و هو أمر مُستبعد؛ لاعتبارات تاريخيّة، ليس هذا محلّ بسطها، و مات و لم يُعقّب، و قد عُرفت بعده و اشتهرت بإسم زاوية سيدي يوسف، نسبة إلى شقيقه الأصغر الشّيخ يوسف (ت 1917م) ، الّذي جاء من بعده، و قام على الزّاوية خير قيام، و أعقب أنجالا صالحين، تولّوا شؤونها بعده، و قد تخرّج منها عدد لا يُحصى من حفّاظ كتاب الله و معلّميه. ثمّ زاوية الحُرش، قرب عين معبد، الّتي افتتحت سنة 1855م، على يد مُؤسّسها الشّيخ بلحرش (ابن الأحرش) الشّريف القويني النّايلي (ت 1864م)، و قد باشرت مهمّتها ردحا من الزّمن، و لكنّها لم تواصل و انقطعت عن التّدريس، و بقيت أطلالها. ثمّ الزّاوية النّعّاسيّة بدار الشّيوخ، و كان تاريخ تأسيسها سنة 1864م، و قيل 1866م، على يد الشّيخ النّعّاس عبد الرّحمان بن سليمان بن بلخير العقّوني النّايلي (ت 1907 م)، و قيل (ت 1909 م)، و كان التّدريس و التّعليم بها رائجا، ثمّ اندرس. ثمّ زاوية عين اقلال (اغلال)، قرب بويرة لحداب، و هي زاوية مشهورة، كانت ذات إشعاع واسع، قرأ و درس بها نفر كثير، و قد انقطعت عن التّدريس منذ مدّة لأسباب، و قد أسّسها الشّيخ خليفة المختار الحدباوي (ت 1901 م)، سنة 1869 م. ثمّ الزّاوية الشّهيرة الجلّاليّة، بمنطقة بودينار، قرب عين معبد جنوبا، و هي من كبرى زوايا المنطقة في وقت مضى، كان التّدريس بها قائما على قدم و ساق، مُنذ تأسيسها سنة 1870 م، على يد الشّيخ بيض القول (الغول) عطيّة بن أحمد بن عطيّة العثماني القويني النّايلي (ت 1917 م)، و ظلّ إلى غاية العقود الأخيرة، لكنّه في الآونة الأخيرة ولّى و تقهقر، و قد بلغ عدد الطّلبة بها، في أوجّ عطائها، 700 طالبا، كما أنّها خرّجت نخبا ممتازة في العربيّة و الفقه، غطّت حاجيات الدّولة الجزائريّة، في الإمامة و التّربية، بُعيد الاستقلال ( 1962 م ). ثمّ زاوية الشّيخ السّلامي بن سالم بن نعيمة الرّحماني الهلالي بالولاء، الأغواطي الأصل و المولد (ت 1927 م)، قرب مدينتي عين وسارة و بنهار، و يكون تأسيسها، ما بين سنتي 1870 م و 1872 م، و الله أعلم، و قد شهد التّدريس بها في بداية أمرها شرّة، ثمّ تواصل ردحا من الزّمن، إلى أن انقطع في العقود الأخيرة. ثمّ زاوية الدّخبانة الّتي عرفت النّور سنة 1872 م، على يد الشّيخ عبد الرّحمان بن عليّ القيزي العرباوي القويني، ثمّ النّايلي، بمنطقة تُدعى الدّخبانة، غربي مدينة عين معبد، بنحو 03 كلم، و قد اندثرت و بقيت معالمها ماثلة للعيان. ثمّ الزّاوية الطّاهريّة بالإدريسيّة (زنينة)، ذات الشّهرة الواسعة، و مُؤسّسها هو الشّيخ عبد القادر بن مصطفى طاهري الزّنيني (ت 1967 م)، أشهر من أن يُعرّف، و يعود تاريخ افتتاحها إلى سنة 1907 م، و التّعليم قائم بها إلى يوم النّاس هذا، و قد شهد فتورا، في السّنوات الأخيرة. ثم الزّاوية الطّهيريّة الثّانية، الّتي تأسّست سنة 1912 م، و قيل 1914 م، بالمكيمن بمسعد، على يد الشّيخ طهيري عبد الرّحمان بن أحمد، المعروف بعبد الرّحمان بن الطّاهر ( ت 1931 م )، و أصله من أولاد لعور، من أولاد سيدي نايل، و التّدريس بها اشتدّ في بدايته، ثمّ ضعف. ثمّ زاوية البريجة، الواقعة بالجنوب الغربي لمدينة الجلفة، ببادية أولاد بخيتة، و قد انقطع التّعليم بها نهائيّا، مُنذ عقود خلت، بعد تأسيسها سنة 1920 م، و مُؤسّسها هو الشّيخ بصري أو بوصري بلقاسم بن جابو ربّي البخيتي الصّحراوي الهلالي، و قيل السّعداوي النّايلي (ت 1937 م). ثمّ الزّاوية العطائيّة، قرب عين افقه، الّتي أسّسها الشّيخ عطاء الله بوزيدي الهزلاوي الصّحراوي الهلالي (ت 1958 م)، ما بين سنتي 1925 م و 1935 م، و قد كان لها أثر طيّب و لا يزال بتلك الجهة. ثمّ زاوية القيشة أو الغيشة، الّتي تمّ افتتاحها سنة 1945 م، و قيل 1943 م، من قبل الشّيخ بن عطيّة بن امحمد بن عليّ بن النّعيم الحمدي ثمّ النّايلي (ت 1989 م)، بمنطقة مشهورة تُدعى واجبة، قرب جبل حوّاص، و التّعليم لا يزال بها قائما. ثمّ زاوية المعلبة، و ما أدراك ما زاوية المعلبة، و هي من خيرة زوايا منطقتنا على الإطلاق (عقيدة و منهجا و سلوكا)، انقطع التّعليم و التّدريس بها مُبكّرا لأسباب، و دام ما بين سنتي 1990 م و 1992 م، و رغم ذلك تخرّج منها من هم الآن صاروا من أئمّة مساجد مدينة الجلفة، و قد أشرف عليها الشّيخ سليم لخضر بن السّعدي الملخوي النّايلي (حفظه الله). ثمّ الزّاوية الأزهريّة، الواقعة غربي مدينة الجلفة، طريق الشّارف، بنحو 03 كلم، و قد افتتحت سنة 1998 م، على يد صاحبها الشّيخ لزهاري بن لخضر بلعبّاس الخناثي السّعداوي النّايلي (حفظه الله)، و قد بلغ عدد المنتسبين إليها، في بداية الافتتاح، 100 طالبا، أو يزيدون، ثمّ ولّى أمرها و استكان. ثمّ زاوية المجبارة المعمورة بإذن الله ، و الواقعة على مشارف مدينة المجبارة (طريق الجلفة)، و الّتي افتتحت في جانفي 2014 م، و يُديرها باقتدار و جدارة الشّيخ ربيح محمّد بن المختار (حفظه الله)، أصله من أولاد لعور، كبرى عروش أولاد عيسى، و قد جاوز عدد طلبتها مئة و عشرين (120) طالبا. و أخيرا زاوية الشّيخ أحمد فلقومة الصّحراوي الهلالي (حفظه الله)، بعين افقه، الّتي افتتحت في أفريل 2014 م، و بها طلبة. و هناك زوايا اندثرت لا نعلم عنها شيئا، على غرار زاوية محمّد بن برابح طالب العقّوني النّايلي (ت بعد 1907 م)، قرب الرّيّان، بالجهة الجنوبيّة الغربيّة ببادية أولاد عبد القادر، ببلديّة حاسي العشّ، و زاوية الصّادق بن الشّيخ النّاجوي النّايلي (ت 1926 م) المتنقّلة، الّتي انقطع عنها التّعليم، منذ عقود، و زاوية الحاج عليّة بن لخضر لخذاري الرّحماني الشّيبوطي النّايلي، الّتي تأسّست في نهاية القرن التّاسع عشر، أو في بداية القرن العشرين، بقديد أولاد أمّ هاني، و دامت مدّة قصيرة. أمّا الكتاتيب و المقارئ القرآنيّة (المحضرة و العربيّة)، فهي كثيرة العدد، فلا تكاد تخلو منها منطقة آهلة بالسّكّان، أو قرية أو تجمّع سكّاني أو مدينة صغيرة أو حيّ (دشرة) من الأحياء، عبر ربوع الجلفة ( شمالا و جنوبا، غربا و شرقا)؛ فإنّك تجدها في الغالب بجوار كلّ مسجد. و منها من كادت أن تكون زاوية، كمقرأة الشّيخ لحرش بلقاسم، بعين شنّوف، شرقي حيّ البرج العتيق، بين الطّريق الوطني رقم 01 و واد ملّاح بمدينة الجلفة، و مقرأة الشّيخ المختار الشّاذلي، بالشّارف. و منها ما اشتهر أمرها و ذاع كمقرأة النّفاطة، بعمورة، الّتي قام على شؤونها الشّيخ نفطي بلخير العموري النّايلي، و مقرأة الضّريوة، ببادية أولاد شيبوط، بزاقز الشّرقي، و من أشهر معلّميها عيال بن دنيدينة، منهم البشير و الطّيّب. هذه كلمة مُقتضبة حول زوايا ولايتنا، نضعها بين أيدي القرّاء و المهتمّين و البحثة؛ قصد الإفادة و إماطة اللّثام عن تاريخ التّعليم الدّيني بولاية الجلفة؛ المتعلّق بتحفيظ القرآن و ترسيخه، و تعليم اللّسان العربي، و تقريب فنون الشّريعة الإسلاميّة. و الله الموفّق و الهادي إلى سواء السّبيل، و صلّى الله و سلّم على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه أجمعين. (*) الجلفاوية: هذا الجمع هو الجاري على الألسن، و هو على غير قياس . (**) الكاتب و الباحث "أبو محمد سعيد هرماس" له العديد من الشهادات و الإجازات العلمية، صدر له عدد من المؤلفات من بينها: كتاب تذكير العقلاء، من فضلاء منطقة الجلفة، طبقات المالكية الجزائريين، تكملة الوفيات، المحدّثون و جهودهم خلال القرنين الرّابع عشر و الخامس عشر الهجريين، الموريسكيون في الجزائر...إضافة إلى العديد من المخطوطات قيد الطبع. ملاحظة: للموضوع وثائق