لم أعتقد يوما، أنه سيأتي الزمن وأسمع بنبأ تلميذ يُدخل معلمه إلى السجن، لكن مع كل الأسف ها قد حلَ هذا الزمن، فإضافة إلى ما تطلعنا عليه الصحف اليومية والقنوات الإخبارية من أخبار عجيبة من عمق المجتمع، حيث التفنن في القتل بما فيها الصبيان والرضع، و البراعة في السرقة، إلى كل ما ينخر الأسرة من آفات، وبالتالي أصبح الأمر هو من يومياتنا متحسرين على الماضي الذي لم نك نسمع بهذه الكوارث. إن المتمعن في ما كان عليه قطاع التربية في الماضي وما هو عليه الآن، سيصاب بانهيار وشعور كله أسف وحسرة . لقد تعلمنا في زمن كان الحياء والاحترام سمتان ترافقان كل التلاميذ، وكان المعلم والأستاذ بمثابة الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن حتى مناقشته، ويا ويح من تسوّل له نفسه الذهاب إلى والديه لكي يبلغهما بأنه تعرض للضرب من طرف المعلم أو الأستاذ، لأنه يعرف جازما أنه سوف ينال عقابه، ويعطى الحق للمعلم باعتبار أنه لا توجد مصلحة لهذا الأخير من أجل عقاب التلميذ إلا إذا كان الأمر يتعلق بعدم مراجعة الدروس، وانجاز التمارين، أو الغياب. لقد كانت هناك وسائل ردعية من أجل الحفاظ على الانضباط، والتركيز على التحصيل العلمي، متبوعا بالنتائج المرجوة، وكل ذلك كان في فائدة ومصلحة التلاميذ، لكن، ومنذ أن أرسل أسوأ وزير للتربية في تاريخ الجزائر، الوزير السابق أبوبكر بن بوزيد تعليماته في سنوات التسعينيات بعدم معاقبة التلاميذ بالضرب، أو بإعادة كتابة الدرس، أو التمرين للعديد من المرات، وأكد عليهم أنهم ليسوا مُربّين، بل مهمتهم التعليم فقط ، ومنذ ذلك الوقت ذهب فعل التربية، وبقي فعل التعليم، ومنذ ذلك الوقت بدأ الانحراف، وأفرغ التعليم من محتواه، وأصبح عنوانه كثرة الكتب والكراريس وثقل المحفظة . هذا الوزير الكارثة الذي لن يرحمه التاريخ بسبب الانحطاط وضعف المستوى، وكثرة الإساءة للمعلم والأستاذ وحتى لمسيري المؤسسات التربوية، ورغم رحليه، يبقى القطاع يجتر ما تركه من تركة لا يقوى على إزاحتها إلا إبليس . أتذكر أننا كنا نحاسب حتى على قص الأظافر والشعر، وإعطاء العناية للهندام بما فيها المئزر، أما عن إنجاز التمارين ومراجعة الدروس فذاك أمر مفروغ منه . لكن ما وصل إليه قطاع التعليم في هذا الزمن، أصبح أمر لا يطاق، حيث تغيرت سلوكيات التلاميذ، وأعلنت الأسرة عن الاستقالة الجماعية من متابعة أبنائها، إلا فئة قليلة، ويكون تذكرهم إلا عند الرسوب، أو من أجل المساعدة على الغش في الامتحان أو نيل الشهادة. ما حدث للأستاذة "لمريني ح." في الأسبوع الفارط، هو كارثة لا تغتفر، وجب على المجتمع كله التفاعل والتحرك للتنديد بهذه الإساءة، والتضامن معها في محنتها، مثلما فعلت النقابات، فمهما حدث لا يُعقل أن الأستاذة كانت تنوي إلحاق الضرر بالتلميذ، لأنه وبكل بساطة ليس شريكها في مشروع، ولا منازعا لها في ميراث، ولا متحرشا بها بحكم فارق السن الكبير، بل الأمر لا يتعدى تصرف أستاذة تجاه أحد تلاميذها، فلو تصرّف والد التلميذ بحكمة لما كان سببا في إيداعها السجن كالمجرمين، وهي سيدة متزوجة ومرضعة لصغيرها، وكانت في عطلتها التي لم تتوقع يوما أنها ستقضي خاتمتها بين القضبان، وحسب بعض المصادر فإن والد التلميذ أدى به الطمع للمتاجرة بقضية ابنه، طالبا منها تعويضا بمبلغ 150 مليون سنتيم... لذلك حان الوقت للتصدي لمثل هذه التصرفات ووأدها في المهد، حتى لا تستفحل وتخرج عن السيطرة مثل اعتداءات التلاميذ على أساتذتهم. في الأخير، عجل الله بإطلاق سراح الأستاذة، وأرجعها إلى أسرتها سالمة من هذه الصدمة.