تعرف ظاهرة العنف في المدارس انتشارا كبيرا، وبعد أن كان الأستاذ هو الذي يعاقب تلميذه، إما بالتأنيب لفظيا أو جسديا، أصبح اليوم التلميذ هو الذي يعاقب الأستاذ. فكثيرا ما نسمع عن اعتداء بعض التلاميذ على الأساتذة داخل أسوار المدرسة وخارجها. تتعرض الكثير من الأستاذات للإهانة من قبل التلاميذ إما داخل القسم أو خارجه ويصل الأمر إلى استعمال القوة لدرجة تجد فيها الأستاذة نفسها عاجزة عن حماية نفسها، وعوض أن يجازيها التلميذ عن الجهود التي تبذلها من أجل تعليمه، يحاول تخويفها حتى لا تفكر في عقابه، تنقلنا إلى إكمالية «الضفة الخضراء» ببلدية برج الكيفان، حيث يشاع عنها الكثير من الاعتداءات التي وقعت على الأساتذة من قبل تلاميذ وأوليائهم كذلك. تحدثنا إلى الأستاذة «نعيمة.م» أستاذة التاريخ والجغرافيا، وقد كانت مستاءة جدا من تفاقم الوضع في هذه المدرسة بالذات، قائلة: «الكثير من الأساتذة هنا تعرضوا لاعتداءات مختلفة سواء جسدية أو لفظية، والغريب في الأمر أن التلاميذ لا يردعون ويزداد عنفهم مع مرور الأيام»، وأردفت قائلة: «لقد درّست في ثلاث إكماليات قبل أن أعين في هذه المدرسة، إلا أنني لم اشهد مثل هذه الظاهرة وبهذا الشكل المريع، إذ أن أغلبية التلاميذ يحملون أسلحة بيضاء في محافظهم». ولما سألناها عن الدوافع التي تكمن وراء انتشار هذه الظاهرة حسب رأيها قالت: «تبدأ هذه الظاهرة من المنزل، فالتربية السيئة التي تلقاها التلاميذ منذ الصغر وعدم متابعتهم من قبل الأولياء هي أكثر مسبباتها، بل أن الكثير من الأولياء هم من يساهمون بشكل أو بآخر في تنمية هذا السلوك لدى أبنائهم»، معللة ذلك بقولها: «ففي إحدى المرات قام والد أحد التلاميذ بالاعتداء على الأستاذ جسديا في حضور التلميذ، كما أن أستاذة تلقت صفعة من أحد الأولياء بسبب أنها وبخت ابنه». وقد فوجئنا كثيرا حينما روت لنا حادثة اعتداء على مدير الاكمالية شخصيا، إذ قالت أن هذا الأخير أحضر التلميذين إلى مكتبه بغية عقابهما، لأنهما كانا يتعاركان بساحة المدرسة، إلا أن احدهما باغته بطعنة سكين على مستوى الساق الأيمن نقل على إثرها إلى المستشفى.وبخصوص هذا الأمر، سألناها عن الإجراءات الردعية التي اتخذتها المؤسسة للحد من هذه الظاهرة بعد أن بلغت أوجها، فأجابت: «إن الإجراءات لا تكون صارمة، فأقصى عقوبة تكون تغيير القسم للتلميذ، كما حدث في هذه الحادثة، والقيام بإضراب من طرف الأساتذة لمدة ساعتين على الأكثر». الأستاذة «جميلة.ب» أستاذة الرياضيات، صرحت أنها أصبحت تخاف كثيرا في كل يوم تقصد فيه الإكمالية، فبعض التلاميذ حسب رأيها أصبحوا أشبه بقطاع الطرق وليسوا تلاميذ يفترض أن يكون الاحترام السمة الغالبة على سلوكهم. وأضافت: «أصبح التلميذ الكل في الكل، يحسب له ألف حساب، ويقف الند للند مع الأستاذ دون خوف أو حياء». كما أشارت إلى أن الظاهرة لم تقتصر على الأساتذة فقط، بل طالت كذلك المديرين والمراقبين في العديد من المرات». وقبل أن تختم كلامها ناشدت الأستاذة «جميلة» المسئولين عن القطاع من أجل التدخل وسن قوانين صارمة في حق التلاميذ الذين يمارسون مثل هذه السلوكات غير الأخلاقية في المدارس. وهذه الظاهرة لا تقتصر على هذه المدرسة فقط، وأكبر دليل على ذلك، قيام تلميذ بإحدى الإكماليات بالقبة قبل أيام بدفع أستاذته التي وقعت جالسة على المصطبة، وهذا لأنها حاولت ردعه عن تصرفاته الطائشة. إن انتشار مثل هذه التصرفات الطائشة يحاول من خلالها التلاميذ فرض شخصيتهم داخل القسم، محاولين إخافة الأساتذة حتى لا يفكروا في معاقبتهم مرة أخرى، خاصة أمام الزملاء وهذا ما يجعلهم يتباهون بما فعلوه، وهو ما قد يساهم في انتشار مثل هذه السلوكات عن طريق التقليد، خاصة وأن مثل هؤلاء التلاميذ يجعلون من أي زميل تعرض لتأنيب أحد الأساتذة محل سخرية، لأنهم يعتقدون أنه غير قادر على الدفاع عن نفسه، متجاهلين أنهم في مؤسسة للتربية والتعليم. وللقضاء على هذه الظاهرة في مدارسنا، يتطلب الأمر تكاتف جهود كل المعنيين بأمر التلميذ من أولياء وأساتذة وأيضا التدخل الفوري للمسؤولين لدراسة هذا الملف من أجل سن قوانين ردعية من شأنها أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة أو التقليل منها.