هي دولة صغيرة بشعب مهذب ومتسامح، وهي الدولة التي تحتوي لغتها على أكثر من 3000 كلمة أصلها عربي ، مقارنة بدولة اسبانيا التي تحتوي على أكثر من 4000 كلمة أصلها عربي. لكن شعبها يختلف عن الشعب الاسباني والشعوب الغربية والأوربية، فالشعب البرتغالي شعب اجتماعي، لا ينبذ الأجنبي، ودليل ذلك وجود أكبر الجاليات من دول البرازيل، والبنغلاديش، والهنود، يمارسون التجارة والخدمات، وأقلية عربية لا تتجاوز 4000 نسمة عبر كامل التراب البرتغالي، كما صرح أحد العارفين بالشأن الديموغرافي في لقاء معه قبل أيام، وهو يتأسف لقلة العرب مقارنة بوجودهم في دول أخرى، رغم التقارب الثقافي، والتشابه في العادات وقربها من دول المغرب الكبير. ما يُميز البرتغال هو أنها دولة سياحية بامتياز ، حيث القصور والقلاع التي يعود تاريخ تشييدها إلى القرن 11 ميلادي ، والتي مازالت تحافظ على طابعها العمراني الجميل، رغم الزلزال الذي ضرب البلاد في سنوات مضت. وهي البلد الذي كانت الجزائر تتفوق عليه صناعيا في عهد الزعيم الراحل الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه. وهاهو يتفوق علينا بعدما انتهجنا كارثة إعادة الهيكلة للمؤسسات العمومية، والتي رجعنا الآن إلى تجمعيها بعد أكثر من 30 سنة من تجزئتها. البرتغال هي بلد عنوانه النظافة والانضباط، لم يفرط في الطابع العمراني القديم، إضافة إلى البناءات الشامخة العصرية، ويمتاز بمخطط مروري مدروس بدقة ، فهناك الميترو ، والحافلات ، وسيارات الأجرة الموحدة اللون ( الأسود والأخضر)، وهناك الترومواي الكهربائي القديم حيث يتنقل من وسط المدينة إلى كل أنحاء العاصمة لشبونة، التي تقع على تضاريس جبلية عالية، مما يتيح للسائح التنزه والتمتع بالمناظر العجيبة بما فيها كثافة الغابات. ما يشد الانتباه، هو نظافة الشوارع ، والبناءات المُشيَدة بالقرميد الأحمر، والمساحات الخضراء، واتساع الشوارع ، ضَف إلى ذلك ، احترام إشارات المرور من طرف السائقين والراجلين، فلا تجد سائقا لا يحترم الإشارات الضوئية، وحتى الإشارات الأخرى، ونفس الشيء بالنسبة للراجلين حتى وإن كان الشارع فارغا، أو في فترة الليل، وعملية المرور تكون بمرونة وسلاسة منقطعة النظير، أي أن احترام القانون ثقافة وليس بسبب العقوبات والغرامات المالية، إلى جانب أنه لا يلحظ وجود رجال الشرطة في الشارع نهارا ، بعكس الفترة الليلية التي تكون فيها دوريات راجلة. و بمجرد وصول الزائر لمطار البرتغال، يجد مكاتب للاستعلامات يتحدث موظفوها أغلب اللغات العالمية، ويزودنه بدليل وخطط المدينة، وحتى مخطط مواقف الحافلات ، وعناوين الفنادق والمطاعم ، والأماكن السياحية. هي زيارتي الأولى لهذا البلد مقارنة مع الدول الأوربية التي زرتها العديد من المرات، حيث كانت هذه الزيارة بدعوة كريمة من رئيسة الغرفة التجارية الصناعية العربية البرتغالية، الدكتورة الناشطة " عايدة بوعبدالله" الجزائرية الأصل، حيث أرادت هذه المرة أن يكون محور اللقاء العالمي يركز على الجانب التاريخي الذي يربط العرب والمسلمين بالبرتغال، بعنوان : يوميات عربية " التذكير بالتواجد العربي الاسلامي في البرتغال – حوار الحضارات " ، وكان ذلك بحضور الرئيس البرتغالي الحالي الشخصية المتواضعة البروفيسور "مارسيلو ربيلو دي سوزا" ، والذي قال في كلمته أنه يعتز بالانتماء العربي ، وذكر عدد من الكلمات أصلها عربي ، ودعا الدول العربية إلى التعاون أكثر، والتطلع إلى مستقبل مشترك وواعد، وحضر اللقاء كذلك الرئيس السابق السيد الدكتور " جورج سامبايو، الممثل السامي للأمم المتحدة لحوار الحضارات ( 2007 -2013 )، وحضور ممثل عن الجامعة العربية، وكذا سفراء الدول العربية المعتمدين لدى دولة البرتغال ، بما فيها دولة فلسطين، وعن الجزائر حضر السيد "علي رجَال" رئيس ديوان وزير الثقافة ، والسفيرة الجزائرية السيدة فتيحة سلمان، والعديد من الباحثين ورجال الأعمال، حيث كانت هناك محاضرات في غاية الأهمية، نذكر منها محاور الجلسات الثلاثة : " الإرث الثقافي العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية "، " أهمية التواجد العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية" ، "تعابير الإرث العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية" . أما اليوم الثاني فكان مخصصا لزيارات لمناطق سياحية أثرية وتاريخية ، تخلله وجبة غداء بدعوة من رئيس بلدية سنترا، الذي يتخذ من قصر قديم في غاية الجمال مقرا للبلدية. وقد جاءت تسمية هذه البلدية نسبة للآلة الموسيقية الغيثارة (السنيترا) بالعامية، هذه المدينة التي لا تعاني من الديون في ميزانيتها ، وهي تعتمد على السياحة بدرجة أولى، حيث صرح رئيس البلدية أن 5 ملايين سائح زائر حلَوا بالبلدية السنة الماضية، ويتوقع 6 ملايين هذه الصائفة، ما يفوق زوار الجزائر والمغرب وتونس مجتمعين. السفيرة الجزائرية وممثل وزارة الثقافة ينقذان الموقف إن ما ميَز هذه السانحة، هو غياب الجامعات الجزائرية و الغرفة الوطنية للتجارة والصناعة، رغم دعوتهما للمشاركة في موضوع الملتقى، ولتقديم الجزائر، ومما يضحك ويؤسف له، هو رد تلك الجامعات بأنهم مشغولون بالانتخابات التشريعية مع العلم أن الحدث جاء بعد تاريخ الانتخابات ؟ الأمر الذي جعل السفيرة الجزائرية تتأسف، حيث خاطبتني ممتعضة : " أنا جد منزعجة لغياب هؤلاء، لأن أصدقاءنا البرتغاليين يجهلون عنَا الكثير" ، رغم أننا نحن الأقرب لهم من الشعوب والدول الأخرى، ولولا مداخلة ممثل وزير الثقافة الجزائري لكانت الجزائر غائبة بامتياز مقارنة بالحضور المصري القوي ، والمغربي ، والأردني ، والإماراتي، أي أن المغرب الشقيق هو من حضر من شمال إفريقيا ، بدعم من السفيرة المغربية ومستشارتها، وكذا ممثلة وكالة الأنباء المغربية المعتمدة في لشبونة. حقيقة ، إنها ليست المرة الأولى التي أسجل فيها غياب من يمثل بلدي في مثل هذه التظاهرات الدولية، والسبب قد يعود إلى الإهمال وعدم الاكتراث. ماذا عن أسطورة القديسة فاطمة؟ نعود إلى قصة الأسطورة فاطمة، والتي سميت عليها مدينة تبعد عن العاصمة لشبونة ب 200 كلم ، وكانت محل زيارة بابا الفاتيكان الأسبوع ما قبل الأخير من شهر ماي، حيث حضر التجمع أكثر من 6 ملايين حاج كما يسمون أنفسهم، والغريب أن هذا التجمع جرى بتنظيم محكم ، ولم يسجل فيه أي حادثة دوار أو غثيان، مقارنة بما يجري كل سنة بالنسبة لحجاجنا والذين لم يتعد عددهم 2 مليون حاج؟ ربما لأننا نعشق الفوضى ولا نقبل النصح. قصة هذه القديسة طويلة وتحمل أسرارا، يؤمن بها أغلب سكان البرتغال والمسيحيين، واسم فاطمة هو اسم يعتبره المسيحيون اسما للسيدة مريم العذراء عليها السلام ، وهناك من يقول أنه مأخوذ من اسم فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ظهرت القديسة فاطمة في سنة 1917 ، ويقال أنها ظهرت قبلها في فرنسا سنة 1842 . وللاطلاع أكثر على قصة هذه القديسة الأسطورة يمكن الولوج للرابط التالي : حكاية القديسة المسلمة في الأخير، إنه لمن الضروري أن يتعامل بلدي مع دولة البرتغال بصفة قوية واستثنائية ، لكي نستفيد من تحويل التكنولوجيا والاستفادة من خبرائها ، بعيدا عن كل خلفيات تاريخية، أو عقدة استعمارية التي تربطنا مع فرنسا، لأن ما يجمع البلدين أكثر بكثير، مما يوسع الهوَة في ربط أواصر التعاون. كلمة ممثل وزارة الثقافة رئيس بلدية سنترا مع رئيس مجلس إدارة الغرفة العربية البرتغالية مقر بلدية سينترا مدخل قلعة سان جورج بأعلى نقطة في العاصمة لشبونة منظر من قصر في سينترا صور من العاصمة لشبونة