خلال المؤتمر الأممي حول المناخ الذي ينعقد في بون بألمانيا (COP23) والذي بدأ أشغاله يوم 06 نوفمبر الحالي تحت رئاسة "جزر فيجي"، يزداد قلق العلماء و استنفارهم لارتفاع درجات الحرارة في العالم و كثافة الظواهر المناخية الحادة القسوة ( الفيضانات ، الأعاصير، الجفاف المزمن ، الأمطار الجارفة ..إلخ ) و حسب العلماء الباحثين المتعاقبين لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، فإن معدل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو ، وهو الغاز المسئول عن ارتفاع درجات حرارة مناخ الأرض ، قد حطم أرقامه القياسية في سنة 2016 . معدل أكسيد الكربون في تزايد و درجات الحرارة في ارتفاع...؟ حسب تقارير الأممالمتحدة فإن هذا التزايد المقلل لمعدلات غاز الفحم في الجو تنذر بارتفاع مستقبلي خطير لدرجات الحرارة إذا لم تحرك المجموعة الدولية ساكنا لاستباق تفاقم الوضع . النشاط الإنساني دائما و أبدا هو المسؤول ؟ هذا الارتفاع المدهش في معدلات تركيز غاز الفحم في الأجواء يعود أساسا إلى تلاقي إفرازات النشاطات الإنسانية المرتبطة بسلوكياتنا الغذائية ووسائل نقلنا و مصادر استخراجنا للطاقة، و اقتران الكل مع هذا الطارئ الجديد المسمى بظاهرة النينيو. هاته الظاهرة "النينيو" كما يعلم الجميع هي طفرة مناخية تحدث كل أربع أو خمس سنين و ينتج عنها ارتفاع لدرجة حرارة المحيط الهادئ و يتزامن معها تسجيل موجات جفاف حادة من ناحية و أمطار طوفانية من نواحي أخرى. فبينما قدر المستوى المسموح بها و المقبولة في حدود 300 PPM ج م م ( جزء من المليون) – وهو الحد الذي يسمح بالحفاظ على استقرار درجة الحرارة – نجد أن معدل تركيز الجزيئات قد ارتفع من 400 ج م م في 2015 إلى 3،403 ج م م في 2016. تزايد بنسبة 150% منذ 1750 في معدل تركيز الغازات و مبدئيا فإن هذا الرقم يمثل اليوم 150% من معدل التركيز الذي سجل مع بداية الثورة أو الحقبة الصناعية ، أين كان هذا الرقم في حدود 250 ج م م . و قد اعتمد العلماء الباحثون على معطيات استقوها من معاينة طبقات الجليد المتراكمة منذ حقب عديدة – و التي تشكل ذاكرة و أرشيفا طبيعيا محفوظا حول المعطيات المناخية – حتى حددوا نسبة تركيز غاز الفحم ( ثاني أكسيد الكربون ) عبر العصور و على امتداد التاريخ البشري. بعد مرور ثلاثة ملايين سنة ... المرة الأخيرة – و دائما حسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية – التي شهد فيها كوكبنا ظروفا مناخية مشابهة لما نعيش اليوم كانت منذ 3 إلى خمسة ملايين سنة حيث كانت درجة الحرارة أعلى بدرجتين إلى ثلاثة درجات مئوية و كان مستوى سطح البحار و المحيطات أعلى 20 إلى 30 مترا مقارنة بمستوى ارتفاعها الحالي . هل كان هدف الدرجتين المئويتين قابلا للتحقيق ؟ و هذه الأرقام المقدمة وفق قواعد و حسابات علمية تضع كوكبنا على مسار خط بياني خطير لنسبة الارتفاع الدائمة لدرجات الحرارة و التي لم يسيطر عليها بعد. و هو خط بياني سيصل مع نهاية القرن إلى ارتفاع يفوق حد الدرجتين المئويتين °2 الذي اتفقت المجموعة الدولية على عدم تجاوزه و خاصة في اتفاقية باريس الأخيرة. و تبدو حظوظ تحقيق هذا الحد لارتفاع درجة الحرارة محاصرة من قبل العوامل التي تزيد من تفاقم الوضعية المناخية و ما يترتب عليها و التي ما زالت قائمة و تتطور مثل : الارتفاع المتواصل في عدد السكان ، توسع النشاطات الصناعية الحارقة للطاقة ، الاستغلال الزراعي المركز و المكثف ، بالإضافة إلى التقلص المستمر للمساحات الجليدية و الغابات و ما يقابلها من زحف الصحاري و اتساع مساحات الأراضي القاحلة و المقفرة . ثاني أكسيد الكربون غاز يبقى عالقا بالجو و ذائبا في المحيطات قرونا كاملة ..... سيكون التخلص من هذه الزيادة في كميات أكسيد الكربون صعبا للغاية ، إذا علمنا بأن هذا الغاز يبقى عالقا بالجو لمدة قرون كاملة و أن مدة بقائه ذائبا في المحيطات أطول من ذلك حتى . و لا يوجد أية سياسة أو اجراءات تستطيع على المدى المتوسط أن تقلب هذه المعادلة أو أن تلين و تغير قوانين الطبيعة و الفيزياء التي ساهم تدخل الإنسان بتصرفاته و سلوكه ، في إخلال توازناتها طوال مراحل الحقبة الصناعية المتلاحقة . لا يمكننا الاتكال على المعجزات، لأن الوقت كالسيف هنا في هذا الصدد، و في مواضع أخرى عديدة ، لم يبق أمامنا وقت لانتظار معجزات ، فقوانين الفيزياء و الطبيعة صارمة لا ترحم و لا تعرف الاستثناء. إن الوقت في مؤتمر بون ، حيث المفاوضات المقبلة ،محسوب علينا و ليس لنا بينما يبقى شبح التردد يخيم على قرارات و سلوكات عدد معتبر من المنظومات الاقتصادية الملوثة للمحيط . إن الرأي العام سوف يحلل و يحكم على مواقف كل الأطراف المشاركة و لن يهدأ له بال و يستكين إلا عندما يرى بأم أعينه الآراء السياسية و قد ترجمت إلى أفعال ملموسة ، حتى يرث أبناؤنا كوكبا غير ملوث يكون أكثر ترحيبا و استضافة و يعد بآفاق صحية تحمي العنصر البشري من أخطار الاندثار .