تعد النقوش والرسوم الحجرية لفترة ما قبل التاريخ مصدرا هاما من المعطيات التي تمدنا بصورة أوضح عن الأحوال والأوضاع البيئية في ذلك الوقت، وعن بيئة إنسان ما قبل التاريخ من خلال المجموعات الحيوانية المجسدة. حيث يمكننا تصور الظروف المناخية والأنظمة البيئية السائدة آنذاك، وتعد الجزائر من أكثر الدول غنى بهذا الموروث الثقافي المادي في صحرائها الممثلة خاصة في الكتلتين الجبليتين الهقار والطاسيلي أزجر. كما يزخر الأطلس الصحراوي بالعديد من مواقع الفن الصخري التي تجعل منه متحفا على الهواء الطلق، حيث يمكن جمعها في ثلاث أو أربع قطاعات كبرى تتمثل في مجموعات منطقة جبال القصور وجبال العمور وجبال أولاد نايل (الجهة الجنوبية) وكذلك بعض الرسوم إلى الشرق في "بوسعادة" و"واد إتل" وحتّى في "الأوراس" إلا أنها ذات مستوى فني متقهقر بالنظر الى مثيلاتها في الغرب خاصة في الجنوب الوهراني. وتعد الرسوم الحجرية أقل انتشارا وأكثر هشاشة مما يجعلها عرضة للضياع والاندثار، ولعل ندرة الرسوم الحجرية هو ما دفعنا للكتابة في هذا الموضوع بعد معاينة الرسم الحجري المكتشف حديثا من طرف أحد شباب بلدة "قمرة" بولاية المسيلة وهو رسم وحيد بالطين الأحمر (المغرة) الغني بأكسيد الحديد لحيوان يشبه الظباء أو الغزال. صورة تمثل ظبي رسم بمادة المغرة الحمراء بمنطقة قمرة بلدية عين الريش. المصور: شويحة حكيم 2016 مشاهدة الرسم ومقارنته مع بعض المحطات الأخرى أدى بنا الى الجزم أنه لحيوان ظبي شمال إفريقيا (Le Bubale de l'Afrique du Nord) المجسد في العديد من المواقع الأثرية ويعتبر هذا الصنف من البقريات من أكثر الأصناف الحيوانية المجهولة في الفن الصخري والتي لم تُجْرَ فيها بحوث ودراسات معمقة مع العلم أن فصيلته ميّزت أولى مراحل الفن الصخري الأكثر قدما والأكثر جمالية. (Période Bubaline de grande dimension) هذه المرحلة تميزت بنقوش الجاموس العتيق أو "الحيرم" كما يفضل البعض تسميته وهو جنس من البقريات ضخم القرون انقرض في فترة ما قبل التاريخ. كما تميزت هذه المرحلة من الفن الصخري بنقوش عديدة لأصناف من البقريات المتوحشة حيث تُعرف عند بعض العلماء بفترة الصيادين وترجع في تاريخها الى الألف السادسة أو الخامسة على أقل تقدير. يصنف علماء الحيوان "ظبي شمال افريقيا" في نوع (Alcelaphus buselaphus buselaphus) وهو جنس من البقريات كان منتشرا في كامل شمال إفريقيا والى غاية مصر، فحسب المؤرخين "هيرودوت" و"بلين" فان هذا النوع من البقريات كان منتشرا في كامل المناطق التي تقع جنوب سواحل البحر الأبيض المتوسط في شمال افريقيا كما لاحظ علماء آثار ما قبل التاريخ وجود بقاياه في المخلفات الغذائية للقفصيين. ويوجد منه العديد من الأنواع مازالت تعيش في إفريقيا وفي المحميات الكبرى في ناميبيا وكينيا وجنوب إفريقيا وتنزانيا. كان ظبي شمال إفريقيا يعيش في العديد من المناطق بالجزائر والى وقت قريب ظلت أعداد منه في أماكن معزولة خاصة في جبال القصور بالغرب الجزائري وهو مجسد في العديد من مواقع الفن الصخري بالجلفة ولعل أجملها ما يوجد في الملجأ الصخري لموقع "دير الدقاورين" بزكار وتتمثل في مشهد لأسد يفترس ظبيا والصورة في غاية الجمالية طولها حوالي 01.5 متر وهي من المواقع المصنفة منذ 1968م. صورة للظبي المفترس من طرف الأسد في ملجأ زكار صورة في غاية الجمالية والتعبير. تصوير:patrick.flicker 1975 كما جُسدت أيضا في "الضاية الحمراء" و"الحجرة المختمة" (0.8 م) حيث يظهر في أحد أطرافه حبل يوحي أنه فخ مستدير وكذلك في "صفية البارود" وموقع "ثنية المزاب" و"فايجة اللبن" و"عرقوب الزاملة". واجهة الفيلة في محطة واد الحصباية حيث تظهر صورة الظبي تصوير: شويحة حكيم 2009 وموقع "تامديت" الذي ضل متواريا على المختصين وتظهر فيه ثلاث ظباء وربما تمثل ظبي شمال افريقيا كما ظهر في العديد من فسيفساء الآثار الرومانية بالجزائر. وقد كان منتشرا في مجموعات صغيرة تجوب السهوب والمناطق شبه الصحراوية من المغرب الى غاية تونس. كما شوهدت مجموعات منه مع نهاية القرن العشرين (1890- 1900) في ضواحي "المشرية" و"الكراكدة" ب "البيّض" وقد تطرق اليه A.Dupuy في مقاله الصادر عن معهد الأبحاث الصحراوية (IRS): الأنواع المهددة بالانقراض في التراب الجزائري سنة 1966م. حيث تذكر المراجع أنه قد بدأ ينقرض مع مطلع القرن العشرين بفعل الصيد المكثف له وانتشار الأسلحة النارية فقد كان الفريسة السهلة للجيش الفرنسي أثناء توسعه في منطقة البيض (الجنوب الغربي) كما كانت لخرجات الجنرال "مارقوريت" المعروف بخرجاته الكبيرة للصيد الضربة القاضية لهذا النوع من الظباء وعلى العديد من الأنواع الحيوانية كالنعام والنمور والأسود ...... لقد تم القضاء على آخرها في البرية سنة 1925 م وهناك أيضا من يذهب إلى غاية 1935/1936 وربما حتى أقل كما نفق آخرها في حديقة النبات في باريس بتاريخ 09 نوفمبر 1923م. هذا النوع من الظباء الافريقية انقرض تماما ولم يعد له وجود ولم تبقَ منه سوى التسمية التي كان يعرف بها عند الأهالي حيث كان يعرف ب "بقر الوحش" و"البقر الأحمر". كما احتفظت الذاكرة الشعبية ببعض المواقع التي تحيي ذكراه مثل "ضاية البقر" و"عطف البقر" وهي مناطق جافة لا يمكننا أن نتصور أنها كانت مرتعا للأبقار المستأنسة. إن وجود أنواع عديدة منه (ثمانية أنواع) جعل بعض المختصين يؤكدون امكانية اعادة ادخال نوع مشابه له في بيئة الملائمة وهي السهوب والمراعي شبه الصحراوية خاصة منها الواقعة في اقليم البيّض والنعامة والسفوح الجنوبية للأطلس الصحراوي عموما ولا يمكننا تصور ذلك دون استحداث محميات وحظائر كبيرة تضمن استمرار الحياة البرية في الجزائر. لأن ما وقع لظبي شمال افريقيا قد يقع على باقي الحيوانات البرية في الجزائر خاصة مع غياب الرادع والانتشار غير المسبوق للصيد العشوائي والجائر لكل الأصناف الحيوانية بما فيها المحمية قانونا (أمر رقم 05 - 06 مؤرخ في 19 جمادى الثّانية عام 1427 الموافق 15 يوليو سنة 2006 يتعلق بحماية بعض الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض والمحافظة عليها). ولن يتحقق ما أشرنا إليه آنفا سوى مع حماية الموروث الانساني والمتمثل في المواقع الأثرية للفن الصخري بالتوعية وتفعيل آليات الحماية القانونية بالاهتمام بالهيئات القائمة على ذلك ك "المحافظة السامية لتطوير السهوب" التي تسهر على حماية الملايين من الهكتارات على مستوى السهوب والمراعي الشبه صحراوية و"الحظيرة الوطنية الثقافية للأطلس الصحراوي" وكذا "الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية" و"مديرية الثقافة" والجمعيات الثقافية والسياحية. موقع واد الرميلية بلدية سيدي مخلوف تصوير: شويحة حكيم 2016 موقع واد الرميلية نقوش لظبي افريقي تصوير: شويحة حكيم 2016 موقع "فايجة اللبن" يظهر الظبي مع وحيد القرن مع تعرّض الرسوم الى التشويه تصوير: شويحة حكيم 2013 موقع عين الفصفصة بالجبل الأزرق الأغواط "ظبي شمال افريقيا" بنمط تازينا. الصورة: من موقع جيولوجية الأغواط geo-forum موقع عين الفصفصة جبل الأزرق .الأغواط الصورة: موقع جيولوجية الأغواط geo-forum نموذج جميل لظبي شمال افريقيا من موقع القارة الحمراء (قارة الحمام) بالنمط الطبيعي ذي الأبعاد الكبيرة صورة فوتوغرافية للظبي أُخذت في عشرينيات القرن الماضي