يزخر جنوب سلسلة الأطلس الصحراوي الذي يعد متحفا أثريا مفتوحا على الهواء ما يقرب من 153 محطة للنقوش الصخرية المكتشفة، والتي تعود إلى عهود ما قبل التاريخ تترامي في فضاء طبيعي فسيح بجنوب ولاية النعامة. وتشكل تلك النقوش الصخرية صفحات تروي قصص وحكايات السكان القدامى، الذين استوطنوا بالمنطقة منذ أمد بعيد، ومنظومة اتصالية تضمن الترابط والتواصل بين الأجيال التي عمرت بهذا الموقع على مر الأزمان، وتبقى شاهدا ماديا على جذور المنطقة الضاربة في أعماق التاريخ. ويعود التواجد البشري بمنطقة جنوب ولاية النعامة وضواحيها وعلى أقل تقدير إلى العصر الحجري الحديث (نيوليتيك)، حيث عثر على دلائل كثيرة تثبت تواجد الإنسان في ذلك العصر عن طريق النقوش الصخرية المنتشرة بكثرة في تلك المنطقة، وتوجد أقرب نقوش صخرية بولاية النعامة ممثلة للفيلة بالموقع المسمى “المحيصرات” على بعد 7 كلم من بلدية العين الصفراء، وتمثل هذه النقوش حيوانات ذلك العصر وبعض الأشخاص يحملون رماحا. وكتب د - لينيزج وهو باحث في عهود ما قبل التاريخ وصاحب دراسة نشرت سنة 1904 حول محطات النقوش الصخرية بجنوب ولاية النعامة: “إذا كانت المنطقة تبدو اليوم مقبرة قاحلة فلم يكن الحال كذلك في الأحقاب الماضية، فلقد كانت المياه تسيل في المجاري المجففة اليوم، كان غطاء نباتي زاخر ينمو في هذه السهول القاحلة وعاشت أقوام كثيرة في المكان الذي تقبره اليوم الرمال”. وخلال مؤتمر الجمعيات العلمية بالجزائر سنة 1905، قدّمت لائحة لمواقع النقوش الصخرية بالجزائر تضم نحو 300 محطة، أغلبها يقع بالجنوب الغربي وحده وبولاية النعامة تحديدا، وتنتشر بمناطق “فرطاسة”، “أولقاق”، “تاشاطوفت”، “البريج”، “مكاليس” و«عين عيسى” بجنوب تراب الولاية، وقد عثر في هذه المواقع على العديد من بقايا مهارات الفنانين البدائيين كالصوان الحجري المنحوت ومحكات وسكاكين وإبر ورؤوس سهام وغيرها. وتجدر الإشارة كذلك، أنه وجدت حقول واسعة على سطح الأرض بمنطقة الهضاب العليا، وعينات مذهلة من آثار ما قبل التاريخ على امتداد الأودية وعلى الكثبان الرملية، وبجوارها بمحاذاة بلديات تيوت والعين الصفراء وجنين بورزق بجنوب ولاية النعامة، إلى جانب ما يقارب خمسة عشر محطة رسومات صخرية ممثلة للبقريات، والعديد من محطات لنقوش عربات تبين أن الناحية كانت في ذلك العهد منطقة عبور ذات حركة مرور قوية بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب، ضف الى ذلك محطات تتواجد بها كتابات أبجدية تدعى ليبية أو ليبية بربرية أو التيفيناغ. وتعتبر نقوش غزال قرية هواري بومدين قرب المكان المسمى “تيوت المحطة” من أروع وأهم محطات النقوش الصخرية، والتي تمثل صورة لنوع من الضباء النادر كان مقدسا في العصور القديمة، غير أن هذه اللوحة الفنية تعرضت إلى عملية مسح وتدهور كلي.