يخطئ من يعتبر الحراك الذي شهدته ولاية الجلفة ردّ فعل محصور في وفاة العقيد "أحمد بن شريف" لأن قصة تهميش ولاية الجلفة من البرامج التنموية معروفة. ويخطئ أيضا من يفصل حراك ولاية الجلفة عن مثيله في الجنوب الجزائري لأن ولاية الجلفة هي المفتاح الجغرافي والقَبلي والتجاري لعدة ولايات. الوضع الحالي للجلفة خصوصا والجنوب عموما لخّصته مجموعة "الشرفاء والأحرار" في بيانها الثالث، الصادر يوم الاثنين 31 من جويلية المنصرم، بالقول أن "الجلفة ليست وحدها في التهميش لكنها قلب الجزائر المهمل والمنسيّ". ومرة أخرى تأتي تصريحات أويحيى لتُعطي نموذج النظرة الاحتقارية حين تجرّأ حتى على الحديث عن هوية وفود المُعزّين الذين طردوا الوفد الحكومي في عزاء العقيد "أحمد بن شريف". فالوزير الأوّل – أويحيى ابن تيزي وزو- كان قد سكت عن طرد القبايل للوفد الحكومي في جنازة آيت أحمد في جانفي 2016، ولكنه صار يملك كل الجرأة ليتحدث عن أصول العزاء وآداب الجنائز ليأتي الرد عليه في بيان "الشرفاء والأحرار" حول أن سكان الجلفة "في غنى عن دروس الواجبات والأعراف بل هم مدرسة ومرجع في الجود والكرم ومضرب مثل في التقدير والاحترام للآخر بكل اختلافاته" ... ليبقى في الأخير الإشارة إلى أن حكومة أويحيى رفعت التجميد عن مستشفيين في تيزي وزو (عزازقة وعين الحمام) هذه السنة ولم ترفع التجميد عن مستشفيي السرطان وعين وسارة بولاية الجلفة!! وفي الحقيقة فإنه ليس أويحيى الوحيد الذي صبّ النار بتصريحاته غير المحسوبة، بل هناك شخص آخر زاد من حالة الاحتقان وهو والي الولاية "حمانة قنفاف". فهذا الأخير قد تغيّب عن جنازة العقيد وقيل وقتها أنه في عطلة سنوية لمدة ثلاث أسابيع (15 جويلية 2018-05 أوت 2018) وبالتالي فإن "والي الولاية بالنيابة" هو من يحضر بصفة رسمية. غير أن حمانة قد قطع إجازته السنوية وجاء ليشارك في حضور وزيره إلى "الزميلة" في اليوم الثالث للعزاء الموافق لتاريخ الخميس 26 جويلية. وهو ما فتح الباب لتأويلات كثيرة: هل يعلم الوالي أن المادة 110 من قانون الولاية تُلزمه بالتحرك ك "مفوض الحكومة" لا سيما وأن الجميع قد شاهد غياب الحكومة عن استقبال جثمان العقيد بن شريف في المطار؟. لنترك الحديث عن الوالي فهو قد وصفه أحد المعزّين الغاضبين بأنه مجرّد "مأمور دولة- commis de l'état" لا يملك زمام أمره أمام رياح حركة الولاة ولا يملك حتى سلطة رفع التجميد عن مشروع بسيط فما بالك بالمشاريع الحيويّة المجمّدة بولاية الجلفة كمستشفى عين وسارة ومستشفى السرطان ... الأهم في مراقبة حراك الأسبوع الماضي هو توازيه مع حراك مثيل في ورقلة ووضع مكهرب منذ سنوات في غرداية وحالة ترقب وترصد وتململ في واد سوف وتمنراست وإليزي وغيرها. والغريب في كل ذلك هو أن السلطة الحاكمة لا تهتم بالتنمية في الولاية المفتاحية التي يمكن أن ينعكس حالُها سلبيا أو إيجابيا على حال الجنوب. وهذه السلوكات للسلطة المركزية "كفيلة بزيادة حالة الاحتقان وحتى الانزلاق بالوضع إلى مآلات أخرى بسبب سوء تقدير الأمور" على حد تعبير البيان. وإذا علمنا أن ولاية الجلفة هي الأكبر وطنيا من حيث الحدود مع الولايات فإنه بالنتيجة ستكون هي صاحبة التأثير وسريعة التأثر بما يحدث بمحيطها. بل إن عاصمة السهوب هي الأولى من حيث الحدود مع ولايات الجنوب الجزائري (بسكرة والوادي وورقلةوغرداية والأغواط). أما من الناحية القبلية فالجميع يعلم تواجد أولاد نايل في أغلب ولايات الهضاب والجنوب ولا أدلّ على ذلك من أن أحداث تقرت في ديسمبر 2014 انطلقت من حي "ذراع البارود" المحسوب عشائريا على بعض فروع قبيلة أولاد نايل المرتبطة بمنطقة مسعد. كما لا ننسى أيضا انتقال شرارة أحداث غرداية في جوان 2015 عندما نزحت عائلات من القرارة الى قطّارة بولاية الجلفة وما صاحب ذلك من أحداث شغب في مسعد. ومن ناحية الحراك الاجتماعي فإنه يتجلى أمامنا حراك اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين التي تشكلت في ورقلة ثم انتقلت شرارتها عبر الوطن وكانت ولاية الجلفة من بين الولايات الأولى سنة 2012 التي تحرك بطالوها وأسسوا لجنتهم الولائية وقادوا عدة مسيرات أمام مختلف الهيآت بولاية الجلفة. ويبقى لدقّ ناقوس الخطر أن الأوضاع الوطنية والدولية لا تسمح باستمرار النظرة المتعالية نحو الجنوب وتنميته ... ذلك أن هذا الحال قد يكون إيذانا بانفجار بركان خامد وما مسيرة الجلفة سوى واحدة من أعراض ذلك ... السلطة ينبغي أن تترجم استجابتها برد فعل واعي جوهره الاستجابة لتطلعات المواطنين. فردود الأفعال الشعبية الأخيرة ليست "مجرّد تنفيس أو رد فعل آني" يقول الشرفاء والأحرار ... نسخة من بيان الشرفاء و الأحرار 03