تحفل الذاكرة الشعبية لأولاد نايل بضروب من علاقة الإنسان بمحيطه، وترسم صورة حية تصوّر الشجاعة والإقدام والمروءة، جسدتها عدة وسائل تكافلية بين أفراد المجتمع، ففي الجلفة وعلى غرار باقي ولايات الوطن انتشرت "التويزة" إحدى العادات التي تعكس قيمة وهوية سلوكات مشبّعة اجتماعيا، فهي مساعدة جماعية تقدم طواعية، تميزت بها العائلات من عرش لآخر ومن قبيلة لأخرى حيث يجتمعون على مساندة ومؤازرة بعضهم البعض في المواسم كالحصاد وجني المحصول أو غزل الصوف عند النساء أو مساعدة أحد أفراد الحي في أحد أعماله كبناء المنزل أو غيره، وكذا المساهمة في بعض المناسبات الاجتماعية كالزواج والمآتم، وانتشر هذا التقليد بشكل واسع ويلجأ إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. رجال التويزة شيمتهم الشرف والتضامن إنّ الأعمال التي تكون موضوعا للتويزة متعددة وتستدعي تكاتف الجهود والعمل الجماعي من أجل انجازها في وقت قياسي وبالتالي توفير الجهد، وأهمها تلك التي تتعلق بالأرض كالحرث والحصاد، و نزع الأعشاب المضرة، وجمع المحصول ونفضه ودرس السنابل...، بحيث يجتمع الفلاحون مع بعض في إتمام غلة أحدهم ثم الآخر حتى ينهوا الأعمال بالتعاون، ويوفر لهم الفلاح صاحب الغلة الأكل والشرب من طلوع الشمس إلى غروبها، وعند الانتهاء يقوم بمساعدة من مد له يد العون في عمله فيكون العمل بهذا الشكل في النهاية تناوبيا بين اثنين أو جماعتين. كما كانت تقام لبناء أو تشييد بيت لفقير لا يسمح له دخله بدفع التكاليف، أو لمن أصيب بكارثة، فيتطوع عدد كبير من الرجال لمساعدته في البناء في جو تضامني يُشعر بالانتماء إلى الجماعة ويحسس الاندماج فيها، وبمشاركة حتى الشيوخ، وإن كانوا غير ملزمين بالعمل لكن حضورهم يعطي نوعا من السند والقدوة للشباب. وتتجلى المساهمة أيضا لمساعدة شخص يتزوج أو يحجّ بيت الله أو مريض أو من يمر بظرف ما، وتكون الإعانة عملية أو مادية، وقد تعمّ الفائدة إذا ما تعلقت بإنجاز أعمال ذات مصلحة جماعية تحقق منفعة عمومية كتغطية بعض المجالات التي يكون فيها المواطن معنيا مباشرة مثل العناية بالأحياء وحمايتها من الأوساخ ، أو بناء مسجد،... تويزة النساء ... جملة، خدمة ومنفعة تجلى التطوع النسائي، بهدف إعانة المرأة وتخفيف العبء عليها وكذلك اختصار وقتها باعتبار أنّ لديها مسؤوليات أخرى تقوم بها اتجاه بيتها، زوجها وأولادها، ولأنّ هناك بعض الأعمال التي تحتاج إلى عمل جماعي ولا تستطيع المرأة أن تقوم بها بنفسها كصناعة النسيج، هذه الحرفة التي كانت تمارسها غالبية النساء قديماً، ولهذا كانت التويزة المتبادلة الحل الأنسب والأنجع لإنجاز العمل والإبداع فيه فكانوا يقومون بإعداد المنسج بطريقة جماعية يعقدون بهذه المناسبة اجتماعات خاصة ويوزعن المهام بينهن تبدأ من غسل الصوف وتنتهي عند قطع المنسوج. كما أنّ فتيل الطعام يعد من الأعمال التي تنهك المرأة خاصة إذا كانت المناسبة تتطلب كمية كبيرة، سواء في الأعراس أو الأتراح، وفي العادة يبدأ التحضير للتويزة بتحديد الموعد وإخبار جميع النساء من الأقارب والجيران ليقمن بتحضير عدّة التويزة، وتتجمع النسوة من الصباح الباكر، وتهيئ صاحبة العمل كل متطلبات هذا اليوم، ليتم العمل في جو مفعم بروح التكافل والتراحم. معاً نحيي التويزة شجع الإسلام على التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، لترسيخ القيم الإنسانية في النفوس واتخاذها لتنمية الحس الوطني والديني وغرس المثل العليا للمواطن الصالح المتشبع بأخلاق الإسلام، فعندما تتلاقى السواعد، وتتعانق الأفئدة ستطبع توليفة متينة من العلاقات الإنسانية تكون مصدرا للوحدة والتفاهم والاحترام بين أفراد المجتمع الواحد، فعادة التويزة بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في طابعها الإنتاجي، فهي أيضا مجال خيري تطوعي يرفع الملل والكسل والفتور بشدّ أزر الجماعة ليحققوا مجتمعين مالا يستطيع أحدهم تحقيقه بمفرده، سواء في السراء أو الضراء، فالتكافل والتراحم والتعايش هي علامات صحية في المجتمع، لأن العمل التطوعي يساهم في رفعة الأمة ويؤدي إلى تساند أفرادها، وغرس روح التعاون والمحبة بينهم، وكلما سما هدف المتطوع كان عمله أكثر قيمة، وأوسع خيراً، وأعظم فائدة، فما أجمل أن نحيي التويزة في هذا الزمان العصيب.