كنا قد تحدثنا في عدة مناسبات عن دور قصر زنينة وأهله في مختلف الحقب التاريخية التي عرفتها بلاد أولاد نايل ... وقد أشرنا عدة مرات إلى الهجوم الذي نفذه الجنرال السفاح يوسف (جوزيف فانتيني) ضد قصري زنينة وسيدي بوزيد يوم 19 مارس 1846 ... إنها السنة التي أبرزت فيها قبائل بلاد أولاد نايل الهلالية والإدريسية بطولات جمة كتبت عنها كل الصحف ... السنة التي عجز فيها الفرنسيون وأتباعهم عن إلقاء القبض على الأمير عبد القادر الذي تحصّن أزيد من 05 أشهر بهذه الربوع وبفرسانها وبقصورها وببدوها الرّحل ... لقد أيقن الجنرال يوسف بالضعف الشديد الذي أصاب الأمير عبد القادر نتيجة لسياسة الأرض المحروقة و"نظام لامورسيير" حيث صار المحتل يمارس الإرهاب بأقسى وأقصى ما يمكن أن يتخيله أي إنسان ... وهاهي جحافل القوات الفرنسية تواصل مطاردة الأمير ... وهاهو يحل يوم 19 مارس 1846 وفيه وصلت الأخبار إلى الفرنسيين أن الأمير عبد القادر موجود بقصر زنينة ... فتوجهت قواتهم خيالة ومشاة إلى هناك أين استقبلهم أهل القصر بالرصاص كي لا يصلوا إلى الأمير الذي غادر للتو ... ووقعت معركة زنينة داخل القصر استشهد فيها ثلاثون من أبنائه ... ويبدو أن الجنرال يوسف وقواته لم يكتفوا بذلك بل إنهم قد أحرقوها على حد بعض الروايات الشفوية التي وصلنا. ويبدو أن هذا العقاب كان شديدا حيث نقرأ أن الجنرال يوسف في تقريره اليومي ليوم 24 مارس 1846 يكتب: "... وبعثنا رسُلنا إلى كل الأماكن في الجوار، القُرى أو القبائل التي تستقبل عبد القادر أثناء فراره ستلقى نفس العقاب المسلّط على زنينة وسيدي بوزيد". "On écrit partout, les tribus ou villages qui acceuilleront Abdelkader dans sa fuite recevront le même chatiment que Zenina et Sidi Bouzid". وسنقرأ في ذات التقرير أن زنينة وسيدي بوزيد قد تم افراغ مطاميرهما واحراق بيوتهما كمصير حتمي يتم به انذار كل من يوالي الأمير عبد القادر. والآن يُطرح السؤال ... ما مدى شدة العقاب المسلط على زنينة؟ للأسف لا توجد لدينا وثائق أرشيفية تفصيلية حول ما حل بقصر زنينة. ولكننا عثرنا على عدد من جريدة "لومونيتور" بتاريخ 30 ماي 1856 أي بعد 10 سنوات من العقاب الذي حلّ بزنينة على يد حملة الجنرال يوسف. في هذه الجريدة نقرأ ما يلي: "قصر زنينة كان إلى وقت قريب شبه مهجور ولا يبدو سوى ركاما وأطلالا. ومنذ مدة بدأ سكانه يدخلون إليه شيئا فشيئا ... الديار تم إعادة بنائها والبساتين تم زراعتها والقرية بدأت يوما بعد يوم تستعيد ازدهارا يسر الناظرين ... الزنينيون في هذه السنة (1856) قد ضاعفوا غلاتهم ومحاصيلهم جيدة جدا ... هؤلاء السكان الذين كانوا بؤساء منذ وقت غير بعيد قد غيّرهم العمل وصاروا يرومون الهناء والبحبوحة ... لا ينقصهم الآن سوى أن يلتئم شملهم بعد أن تفرقوا بين القبائل". انتهت ترجمتنا للنص. وهكذا نجد أنفسنا أمام وثيقة مهمة جدا بعد مدة شبه طويلة من حملة الجنرال يوسف. ومناسبة هذا النص هي زيارة الجنرال القائد العام لمقاطعة المدية لمناطق تاڨين وزنينة وأم الشڨاڨ وغيرها. وأمامنا مجموعة من الإستنتاجات: * زنينة شهدت دمارا كبيرا على يد الجنرال يوسف في مارس 1846 * أهلها هاجروها وأقاموا بين مختلف القبائل في الجوار ولعلها قبائل بلاد أولاد نايل والعمور والأغواط وربما عند أقاربهم بقصر الشلالة ... هذا الأخير هو قصر أنشأته عائلات زنينية بنهاية العهد العثماني بعد أن اشتروا أرضه ب 2000 بوجو. * يبدو أن هناك عقابا لاحقا بعد معركة زنينة في مارس 1846 تماما مثل عقاب أولاد الغويني في ماي 1846. ولهذا هاجر سكان زنينة وتركوها خاوية على عروشها. * يبدو أن كل البيوت قد تم تدميرها ومعها المطامير بعد افراغها والسطو على محتواها * بساتين زنينة هي الأخرى قد تعرضت للدمار ولعل نفس المصير قد وقع للآبار والعيون والسواقي إن ما يعضد القول بأن هناك دمارا هائلا قد حاق بقصر زنينة هو أننا لا نجد هذا القصر في السجل الإحصائي لقبائل ودواوير التيطري لشهر جويلية من سنة 1846. مما يعني أن القصر قد صار مهجورا تماما ولم يعد يوجد فيه شيء يُحصى أو يغري على العيش. وهذا عكس احصائيات نفس السجل في سنة 1844 بمناسبة حملة الجنرال ماري مونج والذي استطاع أن يضع على القصر حاكما تابعا لفرنسا واسمه "الذيب شيخ زنين" ونلاحظ الخطأ في كتابة "زنين" عوض "زنينة". لقد سُقنا هذا النموذج عن تجند أهل زنينة مع الأمير عبد القادر للدلالة على ما عانته كل بلاد أولاد نايل بقبائلها الإدريسية والهلالية وبقصورها مثل مسعد ودمد والشارف وزنينة وغيرها. لقد كان الثمن لصالح الأمير عبد القادر أن قدمت زنينة لوحدها ثلاثين شهيدا وتم تدميرها ونهب خيراتها إلى درجة أن أهلها قد هاجروا منها ولم يرجعوا إليها سوى بعد بضع سنوات. وحول هذا الموضوع أنجز الطالب شويحة حكيم مذكرة تخرج بجامعة الجلفة وفيها عمل ميداني يوازي التقرير العسكري للجنرال يوسف والعمليات العسكرية التي نفذها خلال الفترة 07 مارس إلى 29 آفريل 1846 في سياق مطاردة الأمير عبد القادر. ولا بأس بأن نشير في الأخير بأننا رفقة الأستاذ حكيم شويحة نعكف على مشروع كتاب تاريخي يوثق لمقاومة أولاد نايل مع الأمير عبد القادر. كما أن الأستاذ السعيد بوخلخال، رئيس المجلس الشعبي البلدي سابقا والباحث في التاريخ المحلي، قد فرغ من مؤلفه حول الأمير عبد القادر والذي هو باللغة الفرنسية وقد كلف الأستاذ مصطفى هيلوف بتعريبه. ليضاف كل ذلك إلى كتاب أعمال الملتقى الدولي حول الأمير عبد القادر بربوع أولاد نايل والذي احتضنته جامعة الجلفة في آفريل 2018. وهو مما سيجعلنا أمام 04 إصدارات منها مؤلفان وأعمال ملتقى وترجمة تتمحور كلها عن الأمير عبد القادر ومنطقة الجلفة.