يجب القول ، في هذه الظروف التاريخية الفاصلة التي يمر بها العالم العربي ، بأن الفرصة أضحت مواتية في انتظار استغلالها من طرف الشعوب العربية الثائرة على أنظمتها الفاسدة و العميلة ، بعد مرور عشريات عديدة من الحكم المركزي المستبد و القمعي الذي استولى على الحكم بعد انتصار ثورات التحرير من الاستعمار الأجنبي في أغلب الأقطار العربية ، و ها هي الشعوب تثور اليوم رافضة أنظمة الحكم المتحجرة التي تجاوزها التاريخ و الجغرافيا معا ، و لم تعد قادرة سوى على التقوقع و العمالة لحماية نفسها من الشعب بكل الوسائل المتاحة من أجل استمرارها و دوامها إلى الأبد ، لكن سنة التغيير الطبيعية بحتميتها التاريخية تشق طريقها ، و تدوس على رقاب هؤلاء الحكام تباعا دون رحمة و بلا استثناء ، هؤلاء الحكام كانت مهمتهم بالوكالة الإبقاء على الإرث الاستعماري في صورة محنطة ، حيث أوهموا الشعوب العربية ، بضرورة الحفاظ على الحدود الجغرافية الموروثة على الاستعمار الذي مزق الوحدة الترابية لشعب واحد بدين واحد و لغة واحدة و تاريخ واحد ، كانت هذه صيحات القوميين العرب طوال عشريات عديدة من الزمن ، و رغم أن عهد القومية العربية قد ولى ، أو هذا ما كان يبدو إلى يوم قريب مضى ، فإن صدى هذه الصيحات قد احتبس في صدور الشباب العربي إلى حين تفجير ثورته في عصر الحداثة و الديمقراطية... لقد سجلت أول شرارة لثورة الشباب في الوطن العربي بالجزائر سنة 1988 ، و رغم أن النظام الحاكم قد تعامل معها بخبث ليس له نظير و ذلك باحتوائها و توجيه تبعاتها السلبية ضد الشعب ، إلا أنه عاجز عن إخماد شعلتها التي ستدوم في كمونها إلى أجل مسمى ، أما الثورة التونسية فكان موعدها الأيام الفاصلة بين سنتي 2010 و 2011 و تبعتها الثورة المصرية مباشرة بعد أيام قليلة ، و ها هي الثورة المجيدة تنتقل من قطر عربي إلى آخر ملوحة برايات الحرية و الانعتاق و الديمقراطية ، و كأنها تقول للشعوب العربية : ثورة واحدة لشعب واحد فوق تراب واحد ، و تعود الأحلام و الآمال في ثوب جديد داعية إلى الوحدة العربية بتصور جديد يسابق التطورات و يتماشى مع الواقع و يتحدى الأوضاع المفروضة من قبل القوى العظمى بواسطة الحكام العملاء. في خضم هذه الثورة الكبرى الشاملة ، على الشباب العربي أن لا يكتفي بإسقاط الأنظمة الفاسدة كلها ، و عليه أن يكون واعيا كل الوعي بقضاياه الكبرى ، و على رأسها الوحدة العربية و تحرير فلسطين و بناء دولة عربية قوية بنفس العقول و السواعد التي أنجزت الثورة ، و قبل ذلك كله عليه بحماية هذا الإنجاز. إنه العصر العربي قد آن أوانه ، و إنه المنعرج التاريخي الفاصل بين زمن الخنوع و الخضوع و التخلف ، و زمن العزة و الكرامة و الحضارة. فيا أيها الشباب العربي الثائر توحد ، و يا أيتها الثورة المجيدة كوني تحت راية واحدة و بقيادة عربية موحدة بإذن ربك إلى يوم النصر القريب.