محمد خوجة يتفق أساتذة وباحثون، ردا على سؤال طرحته ''الخبر'' بخصوص ''إلى أين يسير العالم العربي؟''، على أن اللحظة الديمقراطية في العالم العربي أضحت وشيكة. ويعتقد هؤلاء أن الشعوب العربية أمسكت بزمام أمورها، واكتسبت ما يكفي من الوعي لوضع حد لتجاوزات الدولة القمعية التي جردت الإنسان من حقه في ممارسته حريته. فقد سقطت كل الأوهام واتضحت الأمور، ولم تعد هناك بدائل سوى الحرية والديمقراطية والمواطنة التي تضمن كرامة الإنسان العربي الذي اكتسب وعيا ينبئ بنهاية ''الرجل الأسطورة'' وسقوط فكرة ''الشعوب العربية المقهورة الخاضعة للقهر عن طواعية''. قال إن الثورة الشعبية في الوطن العربي أسقطت الأوهام محمد خوجة: ''نعيش لحظة انهيار الدولة البوليسية'' يعتقد الدكتور محمد خوجة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن الوطن العربي يتجه صوبا إلى إسقاط نظم التسلط والاستبداد، مثلما حدث في تونس ومصر. وقال محمد خوجة: ''بدأت حركة الشعوب العربية التي تريد أن تؤمن حاضرها ومستقبلها، فالملايين الذين أدركوا أخيرا أن لا أحد سينوب عنهم في تقرير مصيرهم، وتخليصهم من نظم القهر والفساد، اندفعوا في سباق ضد الزمن للالتحاق بالحداثة السياسية، التي تأخر عنها بسبب الاستعمار ونظم التسلط العربي''. وقد تشكل هذا الحراك الشعبي في الوطن العربي، حسب الأستاذ خوجة، بفعل انصهار عوامل موضوعية وظرفية، حولته إلى قوة دفع جارفة لكل البنيات البيروقراطية والأمنية في الوطن العربي. فقد أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانتشارها الواسع، حسب الدكتور خوجة ''نقلة نوعية في ربط الملايين بعضها البعض، داخل الدولة الواحدة أو المدينة الواحدة. وأصبح لأول مرة في التاريخ، لأي مواطن عربي القدرة على أن يتصل ويتفاعل فكريا وسياسيا، مع أي كان في الداخل والخارج. وهذه الموجة الأولى للديمقراطية في عصر الأنترنت، تبشر بنهاية النظم الشمولية والتسلطية العربية. فما أسهل أن تتحدد الأمكنة والتواريخ والشعارات، عندما تتلاقى الرؤى والمطالب''. وحسب الأستاذ خوجة، فإن ''الثورة الشعبية التي تنتشر في الوطن العربي، أسقطت الأوهام والأكاذيب التي رافقت أجيالا بأكملها، وأعادت الأمل بمستقبل أفضل للملايين التي سحقتها قوانين الطوارئ والمراحل الانتقالية التي لم تحقق الاستقرار والتنمية، فبات الحاضر مهددا والمستقبل مجهولا. فما الذي يمنع المقهورين من الأنين والصراخ والتمرد؟''. وأضاف المتحدث ''إننا نمر بلحظة فارقة في تاريخ الوطن العربي، وهي لحظة انهيار الدولة البوليسية، ونهاية تسلط أجهزة الأمن التي رافقت ميلاد أغلب الدول العربية، فبعد أكثر من نصف قرن من الدولة البوليسية والمخابراتية، تحولت الدولة من كيان قانوني للاستقرار والتنظيم، إلى أداة ترهيب وتسلط لأقلية لا همّ لها إلا الحفاظ على الأمر الواقع، تحت دعوى الأمن والشرعية والزعامة''. وتتجه شعوب الوطن العربي الآن، حسب محمد خوجة، إلى ''لحظة الإمساك بعقد اجتماعي جديد، يعيد بناء الدولة في الوطن العربي، على أساس ضمان فعلي ودائم لحرية وكرامة المواطنين، باعتبارها السند الأول والأخير لوجود الدولة، وبقائها''. وختم الدكتور خوجة قائلا: ''إن حركة التغير التي تجتاح الشعوب العربية، هي لحظة تحرير الإنسان العربي من اليأس والتسلط والحرمان. إنها الخطوة العربية الأولى بتوقيت القرن الواحد والعشرين''. اعتبر ثورة الشباب العربي بداية لمرحلة تاريخية حاسمة محمد ساري: ''القومية العربية والاشتراكية خلقت ديكتاتوريات قمعية'' قال الأستاذ والروائي محمد ساري ''إن اللافت للعيان حاليا، هو أن ثورة الشباب الراهنة في مصر، لا ترفع شعارات الأيديولوجيات التقليدية التي هزّت الوطن العربي في القرن العشرين''. لقد أدت الاشتراكية والقومية العربية المصاحبة لها، حسب الأستاذ ساري، ''إلى خلق ديكتاتوريات قمعت الشعب وأفقرته. كما أدت الانتفاضات الإسلاموية إلى صراعات دموية بل إلى حروب أهلية زادت هذه المجتمعات بؤسا، وشوّهت الإسلام الذي زعمت أنها تستقي منه مشروع مجتمعها، وسوّدت صورة العرب والمسلمين في عيون العالم، وأصبحوا لا ينعتون إلا بالإرهابيين''. وتساءل ساري: ''ماذا بقي من أيديولوجيات يرفع الشباب العربي شعاراتها، في انتفاضاته ومسيراته التمردية الرافضة للتدهور المتواصل للمجتمعات العربية، من الخليج إلى المحيط؟''. وأجاب: ''لقد تربى هذا الشباب في زمن العولمة، وانتشار وسائل الاتصال الرقمية وشبكة الأنترنت، وفرت لهم إمكانية الاطلاع على ما يجري في الغرب: حياة كريمة، حرية التعبير والتنقل وانتشار فرص العمل''. واسترسل المتحدث ''باختصار شديد: الانفتاح الكلي على الحياة. ينظر هذا الشاب حوله، فلا يجد شيئا مما يراه بعينيه يحدث في الغرب. يُصيبه القنوط حينما يخرج من الدراسة، بشهادة أو دونها، ولا يجد إلا البطالة القاتلة. وحينما يبادر إلى أي نشاط لضمان قوت يومه، تواجهه الممنوعات الألف وهراوة الشرطة على رأسه. وينظر إلى قنوات تلفزيونات بلده، فلا يجد إلا شيوخا يحدثونه بلغة لا يفهمها عن جنّة لا يعرفونها. جرّب الهجرة الرسمية، فغلقت أبواب التأشيرات. جرّب الهجرة السرية، وجد نفسه إما غارقا في البحر أو مسجونا في محتشدات ينتظر لحظة الطرد. فأدرك هؤلاء الشباب أن الحل الأمثل هو أخذ مصيرهم بأيديهم، فثاروا ثورتهم الجبارة التي ستعصف بخريف المجتمعات العربية وحكوماتها الهرمة''. وأضاف ساري: ''هكذا رفع هؤلاء الشباب اللعنة التي كانت تطاردنا جميعا، باعتبارنا شعوبا طائعة، ذليلة، غير ناضجة سياسيا، متخلفة ولا تستحق الحياة العصرية الديمقراطية''. وخلص ساري إلى أن ثورة الشباب العربي تعد بداية لمرحلة تاريخية حاسمة بعد مرحلة الاستقلال الوطني والتخلص من الاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. محمد لخضر معقال: ''على النخب المثقفة لعب دورها'' حذر الأستاذ محمد لخضر معقال، من مغبة عدم مسايرة رياح التغيير التي تهب، حاليا، على العالم العربي، مع المبادرات الفكرية ودور النخب المثقفة. وقال الأستاذ معقال في تصريح ل''الخبر''، إنه في حال ما إذا اقتصر هذا التغيير ''على إظهار رد فعل تجاه الديكتاتوريات والتجاوزات التي ترافق أنظمتهم، دون أن يكون ذلك مرافقا ومرادفا مع بروز نخبة مثقفة قادرة على فتح آفاق جديدة، فإن النتيجة ستكون كارثية، حيث ستسقط الشعوب العربية تحت رحمة الإمبراطورية العالمية الجديدة أو ما يعرف بإمبراطورية الشركات المتعددة الجنسيات''. واعتبر معقال أن انهيار الأنظمة الديكتاتورية والشمولية في الوطن العربي، سيؤدي إلى إحداث خلخلة جيو إستراتيجية في المنطقة العربية، وسيمتد تأثيرها إلى غاية الدولة العبرية. مردفا: ''إن الإستراتيجية التي باشرت فيها الإمبراطورية الأورو أمريكية، والقائمة على تشجيع الديمقراطية السياسية الشكلية، والليبرالية الاقتصادية الخاضعة للمضاربة المالية غير المنتجة، لم تعد تنفع''. ويعتقد الأستاذ معقال أنه في حال عدم جرأة المؤسسات القائمة حاليا، وإقرارها خلق بدائل جديدة تخرج من رحم التجارب المباشرة لصراعات شعوبها، فإن الكارثة ستكون حتمية. عمر بوساحة: ''الشعوب العربية تدخل لحظة بالغة الخطورة'' قال عمر بوساحة، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر، ''إن الشعوب العربية تدخل لحظة حاسمة في تاريخها، فنحن أمام وعي سياسي عربي جديد تماما، وعي يؤسس لواقع سياسي طالما انتظره المواطن العربي، وناضل من أجل الوصول إليه عقودا كثيرة''. ويعتقد الأستاذ بوساحة أن العرب شرعوا في الدخول إلى عصر جديد، عصر الحرية والكرامة والديمقراطية، عصر المجتمعات والدول الحديثة. مردفا ''إننا في العالم العربي عموما، أمام لحظة تاريخية بالغة الأهمية والخطورة، هي لحظة التحول نحو الديمقراطية الأصيلة، الديمقراطية التي تؤسسها قوى المجتمع الحية ونخبه المثقفة وهيئاته المدنية''. وواصل المتحدث ''إنه مطلوب من كل هذه القوى والنخب، أن تكثف جهودها وتوحدها من أجل إنجاز هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا، وأن تتحمل مسؤولياتها في قطع الطريق أمام كل الذهنيات المتحجرة والمنتهية الصلاحية التي أوصلت العرب إلى الوضع الذي هم عليه''. طالب المثقف بنقد ثقافة الولاء أحمد دلباني: ''الأنظمة التسلطية تشهد خريفها القاسي'' يعتقد أحمد دلباني، أستاذ الفلسفة بجامعة بسكرة، أن ''ما يشهده العالم العربي، اليوم، هو فعلاً ثورات غير مسبوقة كسَرت نمَطية الحِراك السُّوسيو سياسي التقليدي، الذي كان مُسيَّجاً بصُورة مُحكمة في الدولة الأمنية العربية التي عرفت، جيّدًا، كيف تتبنّى حداثة ميكيافيلية، وتحرمُ الإنسانَ العربي من حداثةِ الحقوق والمُساواة والعقل والإبداع''. وأضاف دلباني: ''ولكنَّ للتاريخ منطقا آخر: لم تعُد الثورة، زمن العولمة، تعتمدُ بصورةٍ آليةٍ على الزعامة أو الإيديولوجية أو الطبقة أو المُثقفين، بوَصفهم كُتلة التغيير التاريخية: لقد غيَّرت من وسائلها وفضحت، فكرياً، تنظيراتِنا ومَرجعياتِنا المُتآكلة''. وحسب أحمد دلباني، فإن: ''الأنظمة العربية تشهدُ خريفها القاسي أمامَ شتاءِ الغضب العربي، وتدفعُ ثمن تخلُّفها واستبدادها وفسادِها الذي حنَّط العالمَ العربيّ في الأحادية الفكرية والسياسيّة، وبرمَج لتدجين الإنسان العربي وسَحق تطلُّعاتِه إلى الحرية والعدالة والكرامة''. وأبرز المتحدث أنها أنظمة تنتمي إلى عصر سابق، لأنها لم تحسن ترسيخ قيم الحداثةِ الفكرية والسياسية والحُقوقية، ولم تكن مُؤهلة لخلخلة بنيات المجتمع البطريركي التقليدي، أو بناءِ عقدٍ اجتماعي جديدٍ يُخرجُ الفرد العربي من انتماءاتهِ القبلية والعشائرية والطائفية إلى المُواطنة الفعلية ودولة القانُون. مواصلا ''وها هي النتيجة: تشهدُ هذه الأنظمة يوم دينُونتِها الرَّهيب، الذي هيَّأ لها مكانها في وادي النسيان وعوالمهِ السُّفلية''. ويعتقدُ الأستاذ دلباني أن مهامَ المُثقف النقدي يجبُ أن تتضحَ بجلاءٍ، من خلال نقدِ ثقافةِ الولاء والخضوع لاستبدادِ مرجعياتِ المُقدَّس ببعثِ فينيق العقل والفعل، ومن خلال حمايةِ مُكتسبات الثورة من الانحراف والعمَل على تجذير التطلع الثوري إلى الحرية والعدالة والمُساواة، وهُو ما يجبُ أن يتجسَّد في عقدٍ اجتماعي جديدٍ ينهي أزمنة الوصَاية، ويفتحُ أفقَ المُستقبل للفرد العربي في دولة القانون والمُؤسَّسات الديمقراطية الفعلية. عدة فلاحي: ''الفايسبوك فعل ما فعله الكواكبي'' يعتقد عدة فلاحي، أن العالم العربي ليس بإمكانه أن يدخل مرحلة مستنيرة وجديدة، ما لم يشمل الإصلاح ميادين حساسة وهي التربية والثقافة، من منطلق أن ''التعليم الفاسد والثقافة الفاسدة هي الغذاء الأساسي للسلطة الفاسدة''. وقال فلاحي: ''إذا كان دخول المطبعة إلى مصر، رفقة نابليون بونابرت، قد ساهم في إحياء النهضة العربية التي تعثرت، فإننا بحق نشهد في هذه المرحلة من تاريخنا القومي، ميلاد نهضة جديدة في طبعتها الثانية، بفضل الأنترنت والفضائيات التي تحترم العقل العربي الذي يسعى لإعادة الأمل في مستقبل لا مكان فيه للطغاة''. وعقب المتحدث: ''وإذا كان الأنترنت عبر وسيلة الفايس بوك، نبي هذا العصر، وقد جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فإنه يجب علينا وفاء لتضحيات عبدالرحمن الكواكبي، صاحب كتاب ''طبائع الاستبداد''، تشييد تمثال يليق بمقامه في كل شوارع عالمنا العربي''. وليام كوانت: ''العالم العربي أمام إشكالية إرضاء الشعب'' قال ويليام كوانت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرجينيا، ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: ''إنني آمل أن يكون المسار الذي اتخذته الأحداث في العديد من البلدان العربية، مؤشرا فعليا للتغيير باتجاه مستقبل ديمقراطي''. وأردف المتحدث: ''بالنسبة للحدث الأبرز حاليا، ويتعلق الأمر بمرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك في مصر، أعتقد أن هنالك تساؤلات ستطرح فيما يتعلق بالمسار الذي سيأخذه المشهد، الذي لم تحدد معالمه بعد بالتدقيق''. وأشار كوانت إلى أن المشكل المطروح، حاليا، في العديد من الدول العربية، هو كيفية إزالة الأنظمة الشمولية المدعمة بستار بيروقراطي، ''وإرضاء الشعوب من خلال الريوع ولاسيما مداخيل المحروقات. وأقصد الأنظمة التي نجحت في ترسيخ حكمها لسنوات عديدة وطويلة''.