إن ما يدعو إلى التفكير الجدي في إيجاد حل ناجع للحد من تعرية الأرض في مناطقنا الجبلية و السهبية و غيرها، هو ما تمليه حاجة هذه المناطق إلى المياه السطحية من جهة و إلى إيجاد مناخات هنا و هناك تساعد على تلطيف الجو و الحد من التصحر و التعرية و افتقار الأرض إلى التربة و ما أقلها...لذلك يجب الإسراع في تنظيم لقاءات للخبراء في ميدان الفلاحة و الإيكولوجيا و الهيدرولوجيا والمناخ ليعملوا على دراسة المتغيرات البيئية و المناخية و تأثيراتها كعوامل من عوامل التعرية تزيد من حدة و تفاقم الأمر بالنسبة للبساط الترابي الهش في سفوح الجبال الخالية من النبات و الشجر، و كذا في التلال العارية و حتى في المنبسطات و على ضفاف الأودية و الشعاب. و حيث أن عديد المناطق السهبية و سفوح الجبال و المرتفعات هي بحاجة ماسة إلى تلك التربة التي تسمح على الأقل بإيجاد فضاءات يعمل عليها صغار الفلاحين لغرس مستحقات هذه المناطق من الخضار و بعض الفواكه دون الحبوب و الزرع، و هو ما يشجع غرس الأشجار المثمرة كالزيتون و غيرها و كل ما يحمي التربة و يساعد على تثبيتها. و لأجل هذا الغرض قامت محاولات عدة لتثبيت الأرض و الحد من عوامل تعريتها من طرف المحافظة السامية لتطوير السهوب و محافظة الغابات، و ذلك بغرس شجيرات " القطف" بأنواعه و تشجيع الفلاحين على توسيع البساط الغابي للمناطق السهبية بغرس أشجار الزيتون و غيرها و القيام بحملات إعادة تشجير بعض المناطق التي تعرضت للجفاف في الحزام الغابي في ولاية الجلفة ، و كذلك تثبيت الكثبان الرملية في عديد المناطق في "زاغز" الغربي و الشرقي و بعض المناطق التي اجتاحتها و غطتها الكثبان الرملية في الثمانينات. و هذه كلها إجراءات تعمل في الحقيقة على تهيئة هذه المساحات لتسترد حالتها الطبيعية التي كانت عليها و لتكون فضاءات تساعد على تهيئة الجو الملائم لازدهار الثروة النباتية و الحيوانية، و تعمل على تقليص المناطق العارية و منها إلى إيجاد مناخ مناسب لهذه المناطق في كل فصول السنة. إن مجهودات هذه الهيئات و هيئات أخرى كمديرية المصالح الفلاحية التي تسعى إلى تنظيم الزراعة و الحد من الحرث العشوائي و مساعدة الفلاحين في اختيار ما يناسب أراضيهم، لا تكون مكتملة إلا بالتنسيق بينها في إطار مخطط إنمائي فلاحي غابي مناسب يراعي طبيعة كل المناطق، و تعمل على توجيه الفلاحين إلى العمل الصحيح وفق إستراتيجية تمليها المصلحة العامة و مستقبل المنطقة و إمكانياتها الترابية و المائية سواء أكانت جوفية أو سطحية أو مياه الوديان و السيول. لذا فإن مساهمة مصالح الموارد المائية في هذا التوجه أكثر من ضروري ليصبح العمل تاماً في جميع جوانبه، و هو محل موضوعنا هذا الذي أردت أن أشير فيه إلى أن استغلال الموارد المائية السطحية و الجوفية و خاصة مياه الأمطار من الأهمية بمكان، ليس من أجل السقي المباشر فقط و لكن من أجل كسب رهان معركة استغلال المياه استغلالا منطقيا و معقولا. و في هذا الإطار قامت الدولة الجزائرية و الحمد لله بوضع مخطط شامل لإقامة السدود الصغرى و الكبرى و هي تعد بالعشرات و خاصة في العشريتين الماضيتين و ما تزال تفكر في زيادتها في المخططات اللاحقة. غير أن التفكير في إقامة السدود على بعض الأودية من نوع (السدود الجوفية) (تحت الأرض) في مجاري الوديان الهامة جدير بالاهتمام و خاصة في بعض مناطقنا السهبية و الصحراوية، كوادي "تعظميت" الذي يعد من أهم روافد وادي مسعد ، و وادي "جدي" و وادي "مسعد" و وادي "مزي" و غيرها كثير. و لعل القيام بدراسة - إن لم تكن مقامة- في هذه المجاري و ما أكثرها تساعد على تعزيز قدرة هذه المجاري على تزويد بعض المناطق بالمياه الصالحة للزراعة على الأقل في محيطات كثيرة بنواحي مسعد و تعظميت و الادريسية و الأغواط و كل المناطق المتاخنة للصحراء الكبرى. فعندما تعزز هذه المناطق بهذه السدود و الخزانات المائية الكبرى تشجع على إقامة فلاحة محلية تكفي حاجة المناطق إلى الموارد الأولية الفلاحية الصغيرة و حتى إقامة مساحات كبرى لمحاصيل زراعية أساسية كالبطاطا و البصل و الثوم و الجزر و غيرها بالإضافة إلى كونها، عاملا من العوامل التي تشجع المزارعين على البقاء في محيطاتهم الفلاحية التي كانوا فيها دون النزوح إلى المدن و امتهان حرف لا جدوى منها. إن السعي في مناطقنا الجنوبية و خاصة في صحراء مسعد و الأغواط و المناطق السهبية جنوب عين وسارة في المحيطات المسماة "بالضايات" لتجديد ما يسمى (بالأنقار)، و هي خزانات مائية (جب) على حواف الضاية تقام على مجاري مياه السيول المؤدية للضاية و ضرورة حفرها بعمق مناسب، يغني هذه المناطق بالمياه المستحقة للماشية و حتى للاستهلاك. كما أن تهيئة و إقامة الخزانات الكبرى لمياه الأمطار التي أقيمت وسط الكثير من الضايات و التي كانت في الماضي موردا أساسيا لمربي الماشية ساعدتهم و حدّت من معاناتهم في السعي وراء جلب المياه من أماكن بعيدة، الضرورية هي الأخرى، على أمل أن تكون لها مصادر مالية لتعهّدها و صيانتها باستمرار توضع لدى مصالح الري بالولايات. و هو المطلب الملح لمربي المواشي حيث أنه سيساعد على اقتصاد مال كبير كان سيصرف لجلب الماء، هذا من جهة... و من جهة أخرى ينبغي أن نعود للانجراف بحكم أن هذه المناطق أكثرها مناطق تتصف بمنحدرات و تلال و جبال غابية و غير غابية كما أسلفنا كل ذلك يجعلها تتسم بوضع خطير و خاصة في موسم الأمطار الغزيرة و الموسمية في فصل الصيف و الخريف و كذلك الشتاء. فأغلب الأمطار هذه تجرفها السيول و تؤدي بها إلى الشعاب و منها إلى الأودية و لا تمكث مطلقا في الأرض، ببساطة، لأنها لا تجد مستقرا في الأرض و لا في مجاريها و لا تجد حواجز أمامها تحجزها أو تحدّ من سيلها الجارف، و تساعدها على المكوث في الأرض. لقد كانت لمحافظة السهوب بعض المحاولات للحد من ظاهرة الانجراف بوضع حواجز ترابية على سفوح بعض التلال و المنحدرات غير أن هذا حسب رأيي لم يُجْدِ نفعا و لم يكن بالقدر الذي يفي بحاجة هذه المناطق لحجز السيل فيها، خاصة و أن السيول في المنحدرات ضعيفة البنية الترابية و المنحدرات الشبه صخرية لا تعمل أبدا على امتصاص الماء بسرعة أو لا تمتصه مطلقا، فكانت سدودا ضعيفة البنية من حيث كونها ركاماً ترابياً قلّما يعزز بأحجار تبني جُدُرا طويلة تلفها الأسلاك مضادة الصدأ لتكون حواجز أمام السيول الجارفة التي تودي بها في طرف عين لأسباب أهمها أنها في منحدرات عارية و شديدة الانحدار، و تقع على مجاري السيول. و مجرى السيل إذا كثر ماؤه تخطى الحاجز الترابي وهدّه و كسّره. و بذلك فإن حجز ماء المطر في هذه المناطق المتميزة لا يكون بمثل هذه الحواجز و لكن بأفضل منها، و هي إقامة الحواجز الترابية ( Banquettes ) على سفوح التلال محلها مثلما كان الأمر سابقا حيث لاحظنا أن البرنامج الذي قامت به هيئة الغابات في بداية الستينات لوضع هذه الحواجز الترابية في مناطقنا كان له الأثر الايجابي في أوجُه عدة منها : - لقد محا كل أشكال الانجراف في المنطقة بحبس المياه الجارفة. - لم تعد السيول -و لو كثرت- تنزل إلى الشعاب و لا إلى الأودية فماتت كثير منها. - زاد منسوب المياه السطحية بكثرة. - نما بساط نباتي هام في تلك المناطق بالرغم من الرعي العشوائي و الجفاف. - حدّت كثيراً من الانجراف و حافظت على التربة و مسكها. في الحقيقة إن هذه العملية غير مكلفة حيث لا تكلف سوى دراسة بسيطة و وضع جرافات تعمل على إقامة هذه الحواجز. فبالنسبة للدراسة يجب أن تركز على المنحدرات الواقعة على سفوح التلال العارية بالخصوص و على الأراضي شديدة الانحدار. أما بالنسبة للجرافات فعملها ينحصر في وضع حواجز متوازية على سفح كل تلة أو منحدر بأبعاد متفاوتة من 50 إلى 100 متر حسب نسبة الانحدار، و مهندسو الري يعلمون ذلك. إن تشجيع بعض الشبان من ساكني هذه المناطق لغرس أشجار الزيتون بالخصوص على هذه الحواجز و تعهدها بالسقي في سنواتها الأولى سيكون له الأثر الإيجابي يضاف إلى ما تقوم به كل الهيئات و الخواص لتوسيع البساط الغابي من صنوبر و غيره من الأشجار المثمرة. هذه الفكرة اطرحها للبحث فيها و دراستها و بخاصة ما تعلق بالحواجز الترابية في المنحدرات للحد من انجراف التربة و تهيئ السبل لحبس مياه الأمطار و الانتفاع بها. فما أحوجنا إلى ماء السماء، ففي السماء رزقنا و ما نوعد ( و جعلنا من الماء كل شيء حي) صدق الله العظيم و بالله التوفيق.