للغرابة أن الصديق يوسف شقرة كان ينصحني مرارا وهذه هي رسالته بالحرف الواحد: (صديقي، تحية صباحية وبعد: اطلعت على الرسالتين واذ أشكرك على إجتهادك ومحاولاتك ،فإنني مازلت أرى أن لم الشمل والعمل بالتشاور انطلاقا من أعضاء المكتب جميعهم هو الأسلوب الأمثل ولا تيأسن فهذا هوالنضال ومكمن صعوبة البناء الجاد البعيد عن التهريج الذي أرادنا بعض الأدعياء أن نخوض فيه ونتناسى رسالتنا النبيلة،صدقني صديقي ليس المهم أن نكون في القيادة إنما الأهم أن نصنع النجاح أو على الأقل أن نساهم فيه. سأبلغك بقراري النهائي عندما تكتمل عندي حيثيات الموضوع. سلامي للجميع) ويبدو أنه يحمل أسرارا عظيمة، كما حمل مثلها من سبقوه في الرئاسة فيما يتعلق بعلاقات كتاب ولاية الجلفة ودسائسهم ضد بعضهم، فرؤساء اتحاد الكتاب السابقين لا يعرفون فقط أعداء يحي مسعودي ولا أعداء من خلَفهم، بل يعرفون أيضا أعداء الكتابة وأمراضهم في ولاية الجلفة، لأن الذي لا يعرفه بعض الكتاب في المدينة وكثير من الكتاب خارجها أن العمل الثقافي المحترف المتزن الذي يعتمد على الجدية والأخلاق، ثم ينطلق منه مكتب بشخصية قوية يفرض نفسه على أشغال المؤتمر، وبالتالي تُطرح ولاية الجلفة على مستوى وطني كفاعلة ومنها يمكن أن تتدرج إلى مستوى أعلى من صناعة القرار ورسم الحراك الثقافي بحجم وطني، هذه الفكرة سواء انبثقت من الأستاذ يحي مسعودى أو من غيره تتآكل بين مرضين: بين كتاب لا يصلحون أن يكونوا إلا بدرجة المواطنين اعتبارا من نصوصهم المطروحة كتجارب متواضعة جدا، كان عليهم أن لا يستبقوا الأحداث وبالتالي يزاحمون من سبقهم بتحقيق نجاحات أكثر أهمية في الكتابة هذا المرض الأول، أما المرض الثاني فهو أخطر وهو الذي تسبب في وجود المرض السابق، فالصداقة المغشوشة بين من يعتبرون أنفسهم كبارا أو من يسميهم المبتدئون بجنرالات الثقافة، هؤلاء المنشطرون عن بعضهم وعن ذواتهم يفتقدون إلى كثير من التواضع وكثير من الجود ليساندوا من يعتبرونه الأصلح نسبيا ويمدونه بالآراء الصحيحة ويدعمونه بالنصيحة المخلصة ويكللون نشاطه بالحضور والإثراء والإضافة، ثم يعتبرون نجاحه نجاحا لهم وبالضرورة نجاحا للمدينة، هذا التآزر والتلاحم الذي تفتقده ولاية الجلفة فيما يخص اتحادهم ككتاب أو كمثقفين أو رجال إجماع في مدينة، أو تجمع حضاري ثم يسموه بما شاءوا اتحادا أو رابطة أو أي شيء آخر، يوجد في الجلفة كتاب كبار نصا وصغار شخوصا بمستوى الطفل المريض الذي يحب أن يكون هو صاحب الكرة وصاحب الملعب ثم يمنع أترابه أن يقتربوا منه، بل ويعبث بالملعب الذي سطر مقاييسه من سبقوه ويغير من حجم الكرة ومن وزنها فإذا ما تعثر اللعب لام الذين سبقوه، مع أنه هو الذي افتك منهم الميدان ليصير لاعبا وحكما، بل ودفاعا وهجوما وحتى حارسا للمرمى ثم أصر أن يلعب وحده لأنه لا يريد أن يسلم الكأس إلى غيره!! هذه الأنانية والاحتكارية والإدعاء المفرط على أنه هو صاحب الأثر الأكبر في القضية وأن غيره دون ذلك، هذا الغرور الذي هتك بناء الموقف الثقافي في مدينة الجلفة، وجعل المؤسسة الثقافية لا تتوقف مهتمة عند مستوى الكتابة كتنمية ثقافية منوطة بها المدينة شأنها شأن باقي مدن الوطن. إن المتمعن في نص رسالة يوسف شقرة والمتمعن من جهة ثانية في نص الاستقالة يلاحظ أننا اتفقنا دون خطة مسبقة لمنح أحد أعضاء المكتب فرصة الرئاسة لأنه كان يلح عليها إلحاحا مزعجا لدرجة أن هذا الصديق كان يقنعني – عبر الهاتف – أن المهم هو العمل ولا يهم أن يكون الفاعل رئيسا أو عضوا، فكأنه كان يعلم حجم مضايقة هذا العضو للمكتب، لكن المفاجأة أن هذا يوسف شقرة وجدني غير مهووسا كثيرا بالرئاسة، بل اخترت هذا العضو نفسه وسلمته الاستقالة، أما الظاهرة التي دفعت العضو المكلف بالشؤون الثقافية للضحك هي أنني عاودت واسترجعت منه الاستقالة قلت له: سألمها لك في اجتماع يضم كل الأعضاء، فمسك الوثيقة بإصرار وقال لي بلهفة كبيرة: لا تهتم سأبلغ الغائبين بنفسي هاتفيا، فقلت له ألم تلاحظ أنك اشتكيتني للرئيس بأني (أحتكر كل شيء)، فبأي صفة الآن تبلغهم أنت؟ من يدريك أن الأعضاء سيرفضون استقالتي أم تقصد أنك ستقنعهم بها، ثم انتبه إلى نفسه وتراجع، لكنني اقتربت منه وأخويا قلت له لماذا لم تعرض رغبتك علي دون أن تعطي للموضوع حجم الصراع وتدفع المثقفين إلى الضحك علينا؟ هاك استقالتي وافعل بها ما تشاء، (فهمك همكة) أخرى وقال لي: بشرط أن تبقي عضوا! فضحكت ثانية وقلت له: ألم أقلك أنك رئيس؟ ها أنت عينتني عضوا دون أن تستشير أحدا، فراح العضو المكلف بالشؤون الثقافية يضحك مرة أخرى. لقد وجدني هذا العضو مهيئا لأوفر له ما يريد لأني كنت أحمل -على حد شعوري – أعباء علاقات الكتاب المنهارة وثقل خلافاتهم الكثيرة (الشخصية والإبداعية)، وقد أتعب تشتتهم كاهلي لدرجة أني وقفت عند أفق استحالة العمل، أين اتضح أنه من الكذب أن ندعي اتحادا للكتاب في ولاية الجلفة، فالاستقالة إذا كانت تعني شيئا فإنما تعني هذا المعنى. وتأسيسا للمكتب الذي سبقني وإثباتا لوجوده وإبطالا لما كان يقال ضده قلتها في الجمعية العامة صريحة، ودفعت يوسف شقرة علنا إلى إعادة تعيينه أو انتخابه أمام من حضر من الكتاب، وكان رئيس الفرع الدائر حوله الجدل يسمع، وعندما انتقلنا إلى المشاركة في المؤتمر وأثناء الأشغال اختلفت معه في اختيار طريقة التوافق التي اقترحها شقرة لأنها صيغة معطوبة وغير مكتملة خصوصا في خضم الانسحابات والمعارضات التي تميز بها كتاب ولاية الجلفة، العامل الذي من المفروض أن يدفع شقرة إلى العدول عن اقتراح التوافق قياسا إلى قائمة وسارة على حد اعتبارها نموذجا بوصفها حاضرة مختزلة نقاشها وحراكها وآراءها في شخص واحد، بل وحضرت بتناسق كبير حتى على مستوى الهندام، لكن شقرة لم ينتبه إلى أن الحكاية مع ولاية الجلفة مختلفة تماما، فدوائر الجلفة الأخرى تعمل بطريقة متقدمة ولا يتميز حوار كتابها بالمجاملات. بعد (انتخاب الرئيس) وفي جلسة مشاورات حول اختيار الأعضاء اجتمعت القلة من كتاب الجلفة في نقاش، اختلاف ثم جدل إلى حد الصراع، وانتهى كل ذلك بمكاسب عقبتها التهاني المتبادلة في صورة لم يستوعبها الآخر، وكان المشهد يبدو أمام الكتاب حضاريا إلى أبعد مستوياته وعادت ولاية الجلفة بأربعة أعضاء، وذلك بتعيين مباشر من الرئيس وبموافقة أعضاء الأمانة الوطنية، وكنت أرى أن هذا أفضل من طريقة التوافق لأن هذه الطريقة تتضمن معنى أننا اخترنا بعضنا ووزعنا المهام على أنفسنا، أو ربما أننا تأمرنا على ذلك منذ البدء وفرضنا ذلك كحتمية على الاتحاد كمؤسسة وعلى ثقافة ولاية الجلفة ككتاب المفترض أنهم ينتظرون ما يفرزه المؤتمر، وهذه إشكالية أخرى لو أن الجلفة حصلت على هذه المكاسب بطريقة التوافق، فقد شكل عدد المعارضين وعدد المنسحبين وكذا عدد الغائبين نسبة كبيرة ما جعل الموضوع لا يتسم بالتوافق من البداية، وهي الظاهرة التي آليا ستلغي فيما بعد كل ما ترتب من نتائج وفق هذه الطريقة، وقد تنبأنا مسبقا بما يمكن أن يقع فيه المكتب من حرج جراء تمثيل ولاية الجلفة الضعيف في المؤتمر، وغرورا منا حاولنا بناء العلاقات من جديد ولكن صراحة يئست فوجدت نفسي مضغوطا من طرف الأعضاء الوطنيين الذين لا تهمهم العلاقات بقدر ما تهمهم دعوة المؤتمر المدفوعة التكاليف، ومن طرف جهة لا يهمها إلا العمل بأية صيغة كانت، فهي تعتمد على ملأ الوثائق الإدارية وجمع بطاقات انخراط أكثر ومخطوطات للحفاظ على حسن سير مؤسسة اتحاد الكتاب الجزائريين، إداريا هذا شأنها لكن شأننا نحن هو مستوى علاقات الكتاب بما تصفه هذه المؤسسة – فعلا- بالاتحاد. قبل أن تخرج أرواح الكتاب من الاتحاد (المؤسسة) وتتجسد في الإتحاد (الهامش)، كانت وظيفة أعضاء المجلس الوطني المنتقون من سائر ولايات الوطن أن يبحثوا في العلاقات ويسهروا على توطيدها وبنائها، وكل عضو لا يثبت هذه الفاعلية تصبح عضويته لا معنى لها، بل تعتبر بالضرورة لاغية لأنها لا تعكس هدفها، وتعاملا مع ولاية الجلفة وحساسيتها على يوسف شقرة أن يلغي الأعضاء الذين عينهم لثبوت سلبية أدائهم في بناء علاقات الكتاب بحكم الوظيفة المعنوية التي تقلدوها وتحملوا أعباءها، هذا هو السلوك المتحضر الذي دفعني إلى الاستقالة لأنه مكتب لا يمثل في الجلفة – تحديدا- اتحادا، ولا أريد بهذا الموقف (مدحا ولا شكورا)، فأنا أبحث بهذا الموقف عن موقفي التاريخي، وإنقاذا لتواجدي الشاذ في تمثيل حالة غير موجودة واقعيا، وأناشد أية جهة حيادية أن تأخذ مبادرة تاريخية لإنشاء قائمة توقيعات لتكشف للجميع أن هناك اتحادا فعليا للكتاب لا أقول في الهامش، لأن الهامش عادة ما يُنتقصُ من مساحة التفاعل، أريد أن أقول: ستجد اتحاد الكتاب المؤسسة التقليدية هي التي على الهامش مع تقديري لحسن نية بعض الكتاب من الأمانة الوطنية.