" الديمقراطية عليها أن تضمن نفس الفرص بالنسبة للضعيف كما للقوي " - المهاتما غاندي – لم يخطر على قلب أحد من مرشحي الأحزاب " الصغيرة " أن يحمل الربيع الانتخابي إليها نذر الهزيمة الساحقة ، بعد أن تنافست مثلما تنافس المتنافسون القدامى، وبالرغم من أنها صالت وجالت في أيام الحملة الانتخابية مثل من سبقها في الحياة السياسية ، فقد علقت لافتاتها مثل ما علق من قبلها ، و أفردت ملصقاتها في كل واجهة مثلما أفردت كل الأحزاب العتيقة ، وانتظرت أن يضحك لها الصندوق الانتخابي ، إلا أن جل مرشحيها أفاقوا على انتحابهم من ذل الانتكاسة الانتخابية بدل أن يبارك الشارع فيهم حداثة الوفود ، وتم دحرهم بالتجاهل دون أن يجدوا مبررا للهزيمة، أو يعثروا على معاذير واضحة تجاه الخواء الانتخابي الذي شد ما كان بعيدا عن التكهن والتوقعات . الكلمة كانت لتكريس الثابت من رفقاء الساحة السياسية ، بدء بالتيار التاريخي إلى الوطني إلى الاسلامي حسب التصنيفات التقليدية المتعارف عليها ، وبنفس الترتيب المألوف في التجارب الانتخابية المتوالية ، الكلمة لم تكن أبدا لدعاة التغيير أو مبتسمة للحزبيين الجدد وصناع الثوب الجديد في سوق السياسة ، ترى لماذا استنكر حدثاء المنظومة الحزبية على هزيمتهم كل هذا الاستنكار على نبذهم ، ولماذا باءوا بغصة من ظلم أو صودر حق من حقوقه ؟. الناخب الجزائري يتذمر ويشكو ويفعل فيه القنوط من واقعه كل الأفاعيل ، غير أنه في ساعة الجد يفاجئ البشرية كلها بخيارات فجائية قائمة على الوطنية وحدها وإن كان في الأمر انتقاما لواقعه بكل أشكال الانتقام الذي يهون في ناظره مادام يحمل رسالة للآخر على حساب الذات. لقد علمته المقادير خطر المغامرة مع الجديد سنوات التسعينيات ، وجعلته يهوي للقديم البيّن وإن ظهر نقصه ، وخلقت فيه فطرة النفور من المحدث وإن بان صلاحه . الأحزاب الضائعة بين عقدة الصغر والحداثة تلقت صفعة بكف المفاجئة السياسية ، فعندما يسلّ الوقت سيفه فإن الجري السياسي يقطع أنفاس صاحبه ولن يترك لعوده أن يستقيم ، لا سيما عندما تستعجله المنافسة وتنحو به بعيدا عن نموه الطبيعي ، هاذا ما جرى للأحزاب الجديدة عندما غفلت عن سلطان الزمن واهتمت بالتنافس على حساب الهيكلة والتشكل وصياغة الخطاب والبرنامج والتوجه ، والتواجد المرحلي دون حرق للمراحل ، كانت أحزاب اعتمدت على عجل ، فعصف بها الطموح للتنافس رغم أن شاربها السياسي لم يطر حتى ترتمي في رحاب الشارع الانتخابي على غير هدى ، وبتواجد مغمور لم يشفع لها حتى لإحداث فترة تعارف مع الشارع والمواطن . كثيرا ما كان خلل الأولويات وليجة لتلقي بادرة الفشل على عجل ، النتائج متوقعة وليست مخيبة للآمال ، وأزعم بأن منطق الزمن والجهد كانا كفيلين بتكريس نتائج المنطق ومعطيات التجارب الانتخابية السابقة ، بعيدا عن تهمة التزوير التي تلوكها بعض الأفواه الخاسرة ، فبالنظر إلى الفترة الممتدة بين تاريخ الاعتمادات التي حصلت عليها الأحزاب الجديدة ، وتاريخ الموعد الانتخابي ، نلاحظ ان الزمن المتاح بين الاعتماد والانتخاب لا يكفي حتى لهيكلة أي حزب حديث النشأة وانتشاره على مستوى 48 ولاية و 1541 بلدية ، تلك الهيكلة الفعلية والمدروسة والمنتقاة بدل الهيكلة الماراطونية التي تجمع الناس في حوزة " 15 واربط " ، وارسال محاضر التنصيب بالفاكس دون معرفة كافية بالمنصبين ومدى حضورهم في ولاياتهم . المتتبع لبرامج الحملة الانتخابية سيجد مفارقة عجيبة في حجم التغطية والوسائل بين الأحزاب القديمة والطارئة ، وعلى قدر الفعل التعبوي كانت النتائج ،فازت جبهة التحرير الوطني وتلك ليست الاولى وليست ببدعة سياسية ان تقود قاطرة البرلمان ، ليليها التجمع الوطني الديمقراطي رغم كبير البون في عدد المقاعد بينهما ، وذلكم ليس بنشاز في تاريخ التجمع ، فالناخب الجزائري يعرف أي الحزبين أحصى لهويته وتطلعاته ، ثم حل التيار الاسلامي ثالث الإثنين كسابق عهده مع فارق بسيط بين تعدده وتوحده . وبذلك تمت كلمة المنطق السياسي مدججة بالتاريخ واشتباه التجربة . مشجب التزوير لم تعلق عليه الأحزاب "السائرة في طريق النمو" فشلها، وبقيت تجتر ذهول الهزيمة وذيولها دون جواب رغم وجود التفسير حيا جليا لاغبار عليه ، وهو ان الأحزاب لا تولد بصواريخ تختزل فيها عمر السياسة ، أو تمنحها حياة مختصرة ، من المهد السياسي إلى عنفوان المنافسة ، إلى الريادة الفورية . بعد إعلان النتائج وإنزال كل حزب منزله ، بقي على هذه الأحزاب التي دعمت المشهد السياسي أن تقف وقفة تأملية مع الذات من أجل قراءة هادئة مع الواقع والمأمول من وجودها السياسي عقب أول امتحان انتخابي لها ، كما انها مدعوة لتحرير 24 كلم من تراب الجزائر ، فتأسيسا على المخاطر التي بدأت تلوح في الافق جراء التركة الانتخابية على وجه البلاد ، في واجهات المحلات ، وعلى جدران المدارس ومبان الإدارات ، وأشجار الطرق واللافتات المرورية والحوامل الإشهارية فإن واجب التكفير عن الهزيمة الانتخابية يجعلها في قلب المسؤولية الوطنية مع الوطن والمواطن بإصلاح ما فعله صبية الملصقات الحزبية في حق المدن الجزائرية كلها ، فإذا احتسبنا تقريبيا ان الملصقة الانتخابية الواحدة بمقاس 50 سم في 30 سم ، وأن آخر حزب من ذوي العوز السياسي قد طبع 5000 ملصقة انتخابية في كل ولاية فإن المساحة التي تغطيها ملصقات حزب واحد على الجدران تفوق 7.5 كلم ، ولو جارينا لعبة الافتراضات الحسابية لوجدنا أن ضرب هذا العدد في عدد القوائم البالغ 43 قائمة سنكتشف أن مساحة قدرها 24 كلم قد تم تلطيخها بالغراء والورق مما يعني فساد ما يربو عن إقليم دولة بكاملها ، وهي مسافة لا يتم إعادة دهنها إلا بما يفوق 1804 كلغ من الدهن، إذا علمنا ان 2.5 كلغ من الدهن تكفي لدهن مساحة 30 متر فما ظنك لو ضربت الحاصل في عدد ولايات الجمهورية . كفارة هذه النكسة الانتخابية لدى الأحزاب الجزائرية المحدثة تكمن في حمل آلات تقشير الدهن عن الجدران والمضي قدما نحو تطهير البلاد من الملصقات حتى لا تلتصق بها خطيئة البيئة مع خطيئة السياسة .