لم يخف العقيد أحمد بن شريف ثقته في الضباط الجزائريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي قبل أن يلتحقوا بالثورة، ووصفهم ب "المجاهدين الأوفياء". وتمسك القائد الأسبق للدرك الوطني في عهد الراحل هواري بومدين بموقفه من قضية إعدام العقيد الشاب محمد شعباني في سبتمبر 1963، واعتبر الحكم "طبيعيا في حق ضابط لم يتورع عن زعزعة تمساك الجيش الوطني الشعبي. كما اتهم في لقاء خاص مع "الشروق" أطرافا داخلية بتسميم الراحل هواري بومدين. شعباني قتل 750 ميصالي استسلموا بعد وقف إطلاق النار في1962 كشف العقيد المتقاعد، أحمد بن شريف، عضو هيئة المحكمة العسكرية التي حكمت على العقيد محمد شعباني بالإعدام، أن أحمد دراية، الذي كان مديرا للأمن الوطني، هو من نفذ الحكم في بتاريخ الثالث من سبتمبر 1963، بوهران.وذكر بن الشريف في لقاء خاص مع "الشروق اليومي" ببيته، أن الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، كلفه بمهمة إعدام شعباني ليلة صدور الحكم، بوصفه قائدا لجهاز الدرك الوطني، غير أنه رفض "هو يعرفني جيدا وعندا أقول كلمة لا أتراجع عليها". ودافع بن شريف عن قرار المحكمة التي كانت تتشكل من الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد ومحمد بن أحمد عبد الغاني، وأحمد دراية، وسعيد عبيد وعبد الرحمان بن سالم، وقاض مدني يدعى زرطال، إضافة إلى المتحدث، وقال إن "القرار كان بحجم التمرد الذي قام به العقيد شعباني متسببا في زعزعة الجيش الوطني الشعبي". ورفض بن الشريف تحميله مسؤولية إعدام العقيد شعباني لوحده، وتمسك بمسؤولية جميع أعضاء هيئة المحكمة، والرئيس الأسبق أحمد بن بلة، وخلفه الراحل هواري بومدين، بصفته وزيرا للدفاع ونائبا للرئيس في ذلك الوقت، وقال "حتى هواري بومدين كان له يد بطريقة أو بأخرى في تصفية شعباني، سواء من خلال سكوته أو من خلال نقله للأوامر من بن بلة وهيئة المحكمة". قائد الدرك الوطني في عهد الراحل بومدين نفى التهم التي وجهت له من بعض رفاقه في الثورة، والتي مفادها أنه قام بترويع وتعذيب العقيد شعباني بكلب، وتكليف ضابط جزائري سبق له العمل في الجيش الاستعماري بإهانته، مؤكدا بأن هذه التهم "مجرد أكاذيب وتصريحات مغرضة وتافهة، صادرة عن بعض المجاهدين المزيفين، لأنني هاجمتهم، ولذلك فهم لم يتورعوا في الإساءة إلي من خلال تلفيقي مثل هذه الاتهامات الباطلة ". وقال بن الشريف "إن العقيد شعباني ارتكب عدة أخطاء كلفته حياته، منها قيامه بزعزعة الجيش الوطني الشعبي، وإقدامه على ارتكاب مجزرة ضد الإنسانية في حق 750 من أتباع ميصالي الحاج في ولاية الجلفة بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962". وتابع "لقد أعطى شعباني الأمان لأنصار ميصالي مقابل إلقاء سلاحهم، غير أنه لم يتورع في تصفيتهم جميعا، وهم عزل"، وهي العملية التي اعتبرها "جريمة ضد الإنسانية". بومدين سمم في زرالدة والرئيس الراحل لم يوصي بخلافة الشاذلي له وكشف العقيد أحمد بن شريف بأن الرئيس الراحل هواري بومدين "مات مسموما، في زرالدة"، ورفض الكشف عن أسماء المتورطين في هذه العملية، لكنه في المقابل اتهم أطرافا داخلية بتدبير"المؤامرة"، فقال "لن أعطيكم أسماء لكن الأكيد أن من فعل ذلك كان مقربا من بومدين". وكذب العقيد أحمد بن شريف ما صرح به الشاذلي بن جدبد أخيرا من أن بومدين اختاره لخلافته قبل أن يموت واصفا رواية الرئيس الأسبق ب "الكذب"، قبل أن يوضح بأن "بومدين وقبل أن يموت قال لي بأنه يثق في لحمل المشعل من بعده، وبعد موته جاءني الراحل قاصدي مرباح وسألني عن نيتي في الترشح للرئاسة، فقلت له "المفروض أن السؤال لا يطرح فمن الطبيعي أن أكون معنيا بالموضوع". وأضاف عضو مجلس الثورة "بالموازاة كان قاصدي مرباح يحضر لتعبيد الطريق أمام الشاذلي، لأنه محدود سياسيا وعسكريا، وكان يفكر في سيناريو إبعاده وخلافته بعد مدة قصيرة، والواقع أن أعضاء مجلس الثورة كانوا منقسمين إلى مجموعتين، واحدة داعمة لترشيح عبد العزيز بوتفليقة، وأخرى لترشح الشاذلي، فوجدت نفسي في موقع الحكم المرجح". وعاد بن شريف إلى الاجتماع الذي عقده مجلس الثورة بمقر وزارة الدفاع الوطني للفصل في خليفة بومدين، فروى بأن "كنت أول المتدخلين لكن الطيبي العربي ترجاني واستأذن مني لأخذ الكلمة وأعلن بأنه غير معني بالترشح، قبل أن أعود لأعلن عن قراري بدعم الشاذلي، الذي غرق في البكاء بمجرد أن ذكرت اسمه..كان يبكي كالأطفال". وسألنا القائد السابق للدرك الوطني عن خلفيات دعمه للشاذلي، بالرغم من خلافاته العميقة معه، فأجاب "فعلت ذلك حرصا مني على استقرار الجزائر ووحدتها، فقيادة الجيش اختارته ومعارضتي لقرار كهذا يعني إدخال البلاد في صراع دموي"، قبل أن يضيف "المؤسف أن الشاذلي بن جديد لم يكن شهما وسرعان ما انقلب على أصدقائه ومن وقفوا إلى جانبه". ضرب الطيارين الروس للمنقلبين على بومدين 1965 أكذوبة نفى العقيد أحمد بن شريف أن يكون طيارون روس قد شاركوا في إفشال الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد الطاهر الزبيري ضد بومدين في سنة 1967. وأرجع فشل الانقلاب إلى اعتماد أصحابه على وسائل بدائية في العملية. وأوضح وزير الري الأسبق بأن "المنقلبين بدأوا تحركهم بواسطة الدبابات من عين الدفلى بولاية الشلف آنذاك، وهذا الأسلوب مكن من رصد تحركاتهم قبل ثلاثة أيام عن وصولهم إلى العاصمة، ومن ثم توفير معلومات استخباراتيه كافية لدحر القوات الزاحفة". وعن تكليفه بمهمة مواجهة الانقلابيين، قال بن الشريف "كنا في رمضان واتصل بي الراحل هواري بومدين وطلب مني الحضور بعد الإفطار، فانتقلت فورا ووجدت بومدين يرتشف كأسا من القهوة بالحليب كعادته، وإلى جانبه العقيد شابو، ثم أخبرني بما يحضر له العقيد الطاهر الزبيري بالقرب من ولاية المدية، وسألني إن كنت أريد الانتقال شخصيا إلى المدية لمواجهة الانقلابيين". وأضاف قائد الدرك الوطني سابقا "حينها قلت أنا لها سيدي الرئيس، وهنا طار العقيد شابو من الفرح، غير أنني اشترطت وضع كل المصالح تحت تصرفي، بداية من عبد الله بلهوشات الذي كان قائدا للناحية العسكرية الأولى، وقائد القطاع العسكري بولاية المدية، ومصالح الأمن العسكري، وهو ما وافق عليه الرئيس دون تردد"، "عندها انتقلت إلى المدية"، يضيف بن الشريف، "وقابلت الوالي ومسؤولي القطاع العسكري، واستمعت إلى مسؤول الأمن العسكري بالمنطقة، عن المعلومات التي كانت بحوزته حول تحركات الانقلابيين، وطلبت من المعنيين استغلال هذه المعلومات، واستنادا إلى هذه المعلومات "تمكنا من اصطياد رؤوس الانقلاب من الضباط الميدانيين، إلا واحدا يحمل اسمه العائلي قارة، تمكن من الإفلات، غير أن حظه كان تعيسا، بحيث تم توقيفه بالقليعة من طرف دركي ينتمي لفرقة الدراجات النارية اسمه العائلي آيت قاسي"، "وقد قمت بترقيته على الفور إلى مساعد أول، وهو ما تقبله الراحل بومدين". وانتهى محدثنا أن نجاح قائد الانقلاب العقيد الطاهر الزبيري في الخروج من الوطن هو "أوامري لقوات الدرك بعدم التعرض له، كونه مجاهد كبير وشجاع، ويكفي أنه مر من شارل وموريس". العقيد أحمد بن شريف عدد ضباط فرنسا لا يتجاوز 25 ضابطا تعليقا على تصريحات الشاذلي بن جديد الأخيرة، والتي كشف فيها عن عدم ثقته في ضباط فرنسا، قال العقيد بن شريف: "ما قاله الشاذلي كلام فارغ وليس حقيقيا، وأنا أعتبره هروبا من التاريخ النزيه. فكيف يناقض الشاذلي نفسه ويدعي عدم وثوقه في ضباط فرنسا، وهو الذي عين العربي بلخير على رأس ديوانه في الرئاسة إلى غاية مغادرته قصر المرادية؟ وكيف يضع ثقته في خالد نزار بتعيينه إياه على رأس الجيش الوطني الشعبي ووزارة الدفاع، والحال نفسه ينطبق على ضباط آخرين". وفند بن شريف أن يكون عدد ضباط فرنسا 200، كما ورد على لسان العقيد الطاهر زبيري في لقاء مع "الشروق"، وأكد أن عددهم لا يتجاوز 25 ضابطا وبأنه يمتلك قائمة بأسمائهم. وأبدى بن شريف تعاطفا معهم حين وصفهم ب "المخلصين للوطن والمجاهدين الصادقين الذين يتمتعون بكفاءتي التكوين العسكري والوعي السياسي الكبير". ورغم هذا التعاطف أعاب محدثنا على هؤلاء الضباط تمردهم في الخارج، يقصد تونس والمغرب، عكس ما قام به هو، حيث تمرد من داخل الجزائر. مليون مجاهد رقم خرافي و60 بالمائة من المجاهدين مزيفون شدد العقيد أحمد بن شريف على أن "عدد المجاهدين المزيفين في الجزائر يقارب 60 %"، وأكد بأنه يعرف شخصيا كثيرا من الذين انتحلوا صفة "المجاهد" وتحصلوا على امتيازات مالية وإدارية كبيرة بالتزوير وبتواطؤ مع بعض المسؤولين في قطاع المجاهدين، ما تسبب في ضياع حقوق عدد كبير من المجاهدين الحقيقيين". وأضاف موضحا أن رقم المليون مجاهد، الذي يُروج له، "ضخم جدا وبعيد عن الحقيقة"، لذلك ألح على أن "يفتح هذا الملف الملغم للنقاش بجدية ووطنية عالية حتى يأخذ التاريخ الجزائري حقه من هؤلاء المخادعين، لتأمين الأجيال القادمة من الزيف التاريخي". القاعدة الشرقية انتهت سنة 1958 قال العقيد بن شريف معلقا على بعض التفاصيل المتعلقة بقضية القاعدة الشرقية التي مازالت تثير الجدل بين عديد الشخصيات الوطنية "إن القاعدة الشرقية انتهت من الوجود سنة 1958"، واصفا ما ذهب إليه الشاذلي ب "مجرد كلام بعيد عن الحقيقة"، وأن سبب نطقه بعد سنوات طويلة من الصمت اتباعه سياسة تتماشى وكل مرحلة بما يخدم صورته. من جهة أخرى، أكد أنه مازال على اتصال برفقاء الدرب جميعهم، رغم اختلافه مع بعضهم، حيث كشف بأنه مازال يلتقي الطاهر زبيري والشاذلي بن جديد والعربي بلخير وغيرهم، وأنه يحظى باحترام كبير بينهم نظرا لمواقفه الصارمة التي ميزته طيلة حياته النضالية. وعلق على تلك العلاقات بمثل شعبي "قلب المسلم ما يكون حقودي". الثورة حكمت على مساعدية ب 15 سنة سجنا وبن خدة عفا عنه ذكر العقيد أحمد بن شريف بأن الحكومة الجزائرية المؤقتة عينته قاضيا للتحقيق في قضية الراحل محمد الشريف مساعدية "الذي تورط في مؤامرة للانقلاب على الحكومة رفقة الراحل محمد بلهوشات والعقيد محمد العموري"، وروى كيف أن "محكمة الثورة أصدرت فيه حكما بالسجن لمدة 15 عاما، لكن بن خدة، الذي خلف فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة، أصدر عفوا لصالح الجماعة التي أبعدت إلى المالي". وكشف محدثنا بأن "عبد العزيز بوتفليقة رافق مساعدية وبلهوشات والعموري إلى هناك ولهذا فهو يلقب ب "عبد القادر المالي". عروش اولاد نايل مع العهدة الثالثة أحب من أحب وكره من كره استغل العقيد أحمد بن شريف فرصة لقاء "الشروق" معه ليوضح سبب تحوله من أقصى المعارضة لترشيح عبد العزيز بوتفليقة إلى منصب رئيس الجمهورية بعد رحيل هواري بومدين، إلى أقصى الدعم له اليوم، فقال "لا مجال للمقارنة بين بوتفليقة الذي ألقى كلمة التأبين في جنازة الراحل هواري بومدين وبين بوتفليقة الرئيس اليوم، فهذا الأخير استغل ابتعاده عن السلطة لعقدين كاملين في حفظ القرآن الكريم، وفي المطالعة، حتى صار مثقفا كبيرا ومميزا"، قبل أن يضيف "إضافة إلى ثقافته والخبرة التي اكتسبها، فإنه رجل ثوري ومجاهد كبير، ولهذا فأنا أدعمه دون قيد أو شرط". وأخبرنا العقيد بن شريف بأنه هو أول جزائري دعا الرئيس بوتفليقة إلى الترشح لعهدة ثالثة "قبل سنتين ونصف السنة كلمته وقلت له بأن زوجتي وبالرغم من مرضها تبعث لك بالتحية وتترجاك في الترشح إلى عهدة رئاسية ثالثة". وكشف محدثنا بأنه لم يكتف بالدعم المعنوي لبوتفليقة "لكنني أغتنم هذه الفرصة لأخبركم بأنني وبوصفي رئيسا لهم وجهت نداء إلى أولاد نايل والعروش الأربعة والعشرين المكونة له بتقديم كل الدعم لترشح عبد العزيز بوتفليقة، وقلت لهم ساندوه أحب من أحب وكره من كره".