غدًا يُشرقُ الوطن يعلن الشاعر يوسف الباز بلغيث منذ البداية عن واقع مظلم للوطن بصياغة عنوان محايد في تركيبة جملته بالإعلان عن إشراقه مستقبلا لكنّك تستشفّ من العنوان زرع الأمل باستعمال البهاء الضّمني في اللفظة الفاتحة غدا وفي الفعل الخبري يشرق وما للّفظتين من مخزون دلاليّ أمليّ بلا مقدّمات ولا تخفّ تبدأ القصيدة فيما يفترض أنّه معلوم ثابت للجميع بتوصيف شعريّ عن وطن في صراع مع "الإحن" لا هو يهدأ مستسلما ولا هي تهدأ منغّصة وذلك باستعمال فعل المشاركة عاند فيتشظّى في أحواله بلا منطق واضح وَطنٌ تُعاندُهُ الإحَنْ مُتَشَظّيًا مثلَ الجُنونْ.. ! فيرزح تحت الهموم وتغمر أهله فيه منافي الحال والإحساس على كلّ لون بامتداد مساحته مشرقا ومغربا فتشكو حاله إلى أزمنة الصّفو والعزّ التي كانها كوطن حتى كأن الهموم لا ترضى أن تكتنفه ف (يعاتبها) الشاعر : يداك أرأف بالوطن. ما زالَ تكتبُهُ الهُمُومُ بِحبْرِها ؛ يا ألفَ منفًى غارقٍ فيهِ بِلاَ كَدٍّ.. و تشكُو ضِفَّتاهُ بلابلَ الصَّفْوِ الحَنونْ ..! يا رأفَةَ الهمِّ الكَنُودِ ؛ يداكَ أَرْأَفُ بالوَطنْ.. ! ويغلب الشجنُ الشاعرَ شكوى وغناء لتأخذ القصيدة نسقا متصاعدا من (شروح) الألم فيوطن يتشكّل في كل جميل وخصيب وفي كل موجع وعميق يحوّل الشّاعر قصيدته آهة تتحول نغما شجيّا بثقل همّ الوطن في الرّوح الشّاعرة المجنّحة وتأخذ المفردة الشعرية كلّ دلالات الندى محمّلة بغنائيّة النّغم الحزين : يا جُرحَهُ المُلْقَى على صَخرِ المُنَى../ فخريّة الحزن الأصيل مردوفة بأحاسيس الجمال وقراءات (الوجد) في معنى الوطن أنتَ القصِيدةُ ,, و الوَترْ.. أنتَ السَّنابلُ ,, و المَطَرْ.. بلْ أنتَ أشْرَقُ مِن سَنَا تلكَ التي شَعَّتْ ؛و لمْ تَرفقْ ..بِطَيرٍ..أوفَنَنْ ! ويمضي الشاعر في استطراد شجني تسبقه العبارة والعبرة مبحرا في مركب شعري زاده مزيج من قراءة الحال ورفضها قناعة ثابتة بقيمة الوطن موغلا في جمالية الصّورة جسرا لبلوغ المعنى : _ وَطَنٌ يمُوتُ؛ و يسْتَجيرُ بظلِّهِ.. قُرْبَ الأمانِي حُلمُهُ المغْرُوسُ .. في دِفْءِ الهُروبْ.. مُتآمِرٌ عينٌ عليهِ .. وَ حاجِبانِ .. وَ دمْعتانِ ..وَلَوْعَتانِ ..كما الغُروبْ.. ! و النَّهرُ ,, و المَرْجُ القديمُ .. و ..نخلتانِ..و بعَضُ أنفاسِ الشّجرْ.. وَطَنٌ يُغنّي خلفَ ألحانِ القِراحِ سَدِيمُهُ.. يقْتاتُ مِنْ شِرْيانِهِ المَعطوبِ في جسَدِ الرّياحِ نسيمُهُ.. ربّمااختار الشاعر الوقوف عند الألم خاتمة لقصيدته (اللّوحة) تعبيرا عن (غضب) حضاري وإنساني فوقف عند الإبداعي حذرا من التنظيري ليحافظ على شعريّة النّص ضاعتْ معَ الأحلامِ ذِكراهُ اليتيمةُ.. ضيَّعتْ أثَرَ الخُطى.. و 0سْتقبلتْ شَوكَ الضَّياعِ بصَدرِها ؛ و أمَدَّتِ العُنُقَ الأصيلةَ للذّئابْ ! يا موطنًا ضَنَّتْ يداهُ بجُودِها و توَسَّلتْ ، تَرجُو القُمامةَ.. و الكِلابْ . القصيدة وقفة إبداعيّة لمثقّف شاعر من داخل شرفة وطنه/وطننا كموقف من حال وطن يؤرّق كلّ مبدع صادق طموح ك (مواطن) من (نوعيّة) هامّة من أبناء الوطن حمل وحُمِّل وجعا أكثر من غيره على قدر درجات الوعي المتفاوتة بطبعها وهي أيضا اضطلاع ب(مسؤوليّة) إضاءة (الضّوء الأحمر) عند مفارق الأزمنة. تونس 30 أكتوبر 2012