مما لا شك فيه أنّ التاريخ يُدوّن بشهادات رجاله الذين سردوا حقائق عاشوها من أجل المساهمة في توضيح جوانب عدَّة من ثورة التحرير المباركة التي خاضتها الجزائر ضد الاستعمار الغاشم في كل ولاية بنواحيها و مناطقها بوقفة رجل واحد وبما فيهم الولاية السادسة التاريخية التي رسمت بدورها معالم الثورة المظفرة و لم يتوانى رجالها عن المشاركة في كتابة تاريخها. زيان عاشور بن المبروك ( 1919- 1956) من صانعي ثورة أول نوفمبر ومن الثوريين الوطنيين الأوائل، احتلّ مكانة خاصة في قلوب أبناء الصحراء و أعيان عروش أولاد نايل... رمز من رموز الجهاد في اقليم صحراءنا الشاسعة. المجاهد مختار مخلط ... زيان عاشور إسم ثقيل و مسار طويل كان أحد مناضلي الحركة الوطنية، دخلها منذ عام 1948، رجل ذاق السجن عدة مرّات و في التحضيرات للفاتح من نوفمبر قال لنا "محمد بوضياف" أنّ "العربي بن مهيدي" كان صديق زيان عاشور و مسؤول عنه، أوصاه بن مهيدي كي يتصل بزيان عاشور ليكون حاضرا في اجتماع 22 و أعطاه شارة ليتعرف عليه هي "البرنوس الأبيض و الششية الحمراء" غير أنّ الدعوة لم تصله، وفي صبيحة أول نوفمبر ألقي عليه القبض ويدخل سجن "الكوديا" حتى جويلية 1955 يتم اطلاق سراحه، ذهب بعدها لسطيف لحضور اجتماع ثم أتى إلى بوسعادة ليكون ضمن لجنة اجتماع... و هنا أعطى أمر وقف الامتدادات من الأوراس، قائلا "الصحراء بأبناءها ستحتضن الثورة". وفي 11 ديسمبر1955، تأتي رسالة من "مصطفى بن بولعيد" ل"حسين بن عبد الباقي" مفادها أن يكون الشيخ "زيان عاشور" على رأس وحدات الثورة و يبقى في اتصالات معه حتى الفاتح مارس 1956 ثمّ تأتي رسالة أخرى لزيان و بن عبد الباقي و الحواس ليصحبهم الطيب فرحات إلى الأوراس ( الجبل الأزرق) حيث طلب مصطفى بن بولعيد من وحداته استقبال الوفد القادم من الصحراء و على رأسهم زيان عاشور و عند وصولهم استقبلناهم لكنّنا لم نرى من عادتنا مصطفى بن بولعيد يسلّم على شخص و يحتضنه بتلك الحفاوة و هو يردّد "جاءنا بطل الصحراء زيان عاشور" و أخذا يمشيان وحدهما بعيدا نوعا ما عن الوحدات إلى غاية الوصول إلى مكان الإجتماع الذي لم يتم - يومها توفي مصطفى بن بولعيد- و في الصباح غيروا المكان و أخذوا جثة مصطفى بن بولعيد و ألقى اثرها زيان عاشور الكلمة التأبينية و بعدها رجع زيان عاشور بوفده مع حسين بن عبد الباقي و سي الحواس. بعد ذلك ذهب زيان الى "الصفيصفة" و كلّف الحسين بن عبد الباقي ليحلّ محله و في غيابه اتصل المصاليين ليكوّنوا وراءه مجموعة أخرى..أما في أفريل 1956 ضبط زيان عاشور الوحدات التي ستكون في الصحراء و بدأت بعد التعيين العمليات الكبرى من مراكز عمورة و عين الديس و عين الكحلة.. امتاز "زيان عاشور" بميزات خاصة أذكر منها الرأفة و الرحمة ، التوجيه، بليغ ومثقف في الشؤون الدينية و السياسية، كان عندما يحاضر جنوده و يرى انه بدى عليهم الملل يقوم بإضحاكهم، زرع الأخوة بين المجاهدين، فهو ليس بالمتكبر، أراد قوة و وحدة الشعب، كان يأكل و يشرب و ينام مع المجاهدين، يقنعهم أنّ طريق الاستقلال طويل و لابدّ من الصبر، يحثّ على الأُخُوة... أذكر أنه في أول نوفمبر أتوه بابنه ذو العامين أبى أن يراه و قال أولاد الشعب جميعهم أولادي. المجاهد هتهات أبو بكر... زيان عاشور ليس لديه اي تحزب سياسي لأنّ شعاره كان الثورة فوق الأحزاب لم أعايشه.. التقيته مرّة واحدة في بنهار خلال الثورة في جوان 1956 لكن لديّ معلومات على لسان بعض أصدقائه و على رأسهم "غزال حاج سليمان" كان زميله في الدراسة بزاوية الشيخ مختار حدّثنا عن حياته و أخلاقه خلال دراسته، عن تواضعه، ذكائه و علاقته مع من يحيطون به مما جعلّ الناس يتعلقون به و يحبّونه و عرفه كذلك في سياسة الحركة الوطنية بعد ما تخرجوا من الزاوية. عندما عيّن زيان على منطقة الصحراء خلال الثورة وفي بداية انتشارها في الجنوب اعتمد على "غزال حاج سليمان" بكل من منطقة غرداية، دار الشيوخ، مناعة و قعيقع.. كان لمّا يخاطب جنوده يحسّ الجندي نفسه قوة و ينتقل صدى خطاباته من شخص لآخر بدرجة كبيرة من التأثر و يصبحون يتكلمون عن أمور الثورة. يقولون عنه أنّه متأثر بالمصالية وهي اشاعات مقصودة لتشويه هذه الولاية و تاريخها ، اتصلت به و أنا أعمل في الحالة المدنية وقتها و لم أكن قد التحقت بالجيش بعد، و كان السبب أن جاءتنا مجموعة من الرسائل و كلفت أنا بتوصيلها لزيان عاشور المتواجد حينها وجنوده في "قلتة الرمال" بمناعة جالسين تحت شجرة صنوبر كبيرة و كانت من بين الرسائل رسالة من "بلونيس"، كان من بين الجنود كاتب اسمه "بلقاسم بن المبخوت" رحمه الله ناداه و قرأ رسالة بلونيس ثم وقف زيان غاضباً و قال للكاتب علانية ردّ عليه "اكتب لهذا الاحمق و أخبره أنّنا ثرنا و خرجنا نكافح عدو اسمه فرنسا و ليس لدينا عدو غيرها" . و هذا الموقف يدل على ان القائد البطل ثار من اجل القضية الوطنية و ليس لديه اي تحزب سياسي فهو كان يكره التحزب.، و كلّ من كان متحزّب و يريد الانضمام لصفه يقول له تبرأ من حزبك أولاً ثمّ تجنّد و كان قد وصى كلّ من "أحمد شكري" و "أحمد شريك" رحمه الله بتكوين لجان مختلطة سواء من الحركة أو البيان فقد كان شعاره الثابت الذي لا يقبل الشكّ أنّ الثورة فوق الأحزاب. المجاهد شرون المختار... زيان عاشور دفن خلسة في المقبرة العمومية مثل ما حدث مع عميروش و سي الحواس... زيان عاشور لم يتجنّد إجباريا في صفوف الجيش الفرنسي بل بسبب الاحتياج، الفقر و الأمراض و كان الاستعمار يرغّب في الدخول إلى صفوفه، فقد كان في السوق يكوّن مجموعة و على رأسهم جندي يبدأ يضرب الطبل و يبث مزايا التجنيد في صفوفه، و تجنيد زيان و آخرون خدم الثورة الجزائرية فقد أكسبهم خبرة عسكرية. في الزاوية المختارية انخرط في حزب الشعب عن طريق "العربي بن مهيدي" و رغم احتكاكه به والظلم الذي عايشه في خدمته مع فرنسا تكوّنت لديه الروح الوطنية. تنطلق الثورة و يلقى القبض عليه في ليلتها و لكن من التسيير المحكم و السرية التامة كان يلقى القبض عليه ثم يطلق سراحه و تشاء الصدف أن يلتقي مع "مصطفى بن بولعيد" في السجن تحدثوا عن الثورة و كيفية التخطيط للخروج من السجن و بالفعل تمكّن بن بولعيد و رفاقه من الهرب منه... و فيما بعد خرج زيان عاشور عندما لم يجدوا اي حجة ضده. اتصل بالمناضلين في سطيف و استفسر عن مجريات الثورة ثم ذهب الى بوسعادة و طلب منهم الاستعداد للقتال ثم انتقل الى أولاد جلال -و بدلا من الاستقرار- استدعى المناضلين و طلب منهم جمع السلاح الحربي و الاستعداد و اتصل ب "سي اعمر" ليحضرّ نفسه لتدريب المجاهدين الذين سيبعث بهم اليه. هذا و عندما سمع الناس أنّ زيان عاشور قد خرج من السجن بدأو يهرعون للتجند ضمن صفوفه و كل واحد منهم يأتي ببندقية و مبلغ مالي معين ليتمّ شراء السلاح لمن لا يملكه و زيان عاشور يتفقدهم من الجلفة إلى اولاد جلال. انطلق الجيش من جبال "الحمرا" – امتداد لسلسلة جبال الاطلس الصحراوي و جبل بوكحيل- الى مسعد و من ثمّ الى جبال الكبش فجبال "النسينيسة" التي كان يتواجد بها كل من "حسين بن عبد الباقي" و "محمد بن أحمد" الملقب ب (لعور) و "أحمد بن عبد الرزاق" الملقب ب ( سي الحواس).و لمّا وقع الحصار على الأوراس طلب القادة من الوحدات أن ينقصوا من العدد و يُخلو المنطقة مدّة معينة لاسترجاع قوتهم بعد ضغط الاستعمار مدة 9 أشهر عليهم. في هذه الأثناء وقع خلاف بين "الحسين بن عبد الباقي" و "سي الحواس" فالحسين أراد الرجوع الى الأوراس و سي الحواس يريد البقاء في النسينيسة لكن حنكة زيان عاشور و سعيه للمحافظة على وحدة الجيش استطاع الفصل في المشكلة فقد جمع الجيش و خطب بأسلوبه و طلب منهما- سي الحواس و بن عبد الباقي- أن يأتي واحد على يمينه و الآخر على شماله و قال أيّها المجاهدون في سبيل الله و الجزائر سي الحسين بن عبد الباقي يريد الرجوع إلى الأوراس و سي الحواس يريد البقاء هنا اختاروا مع من تريدون الانضمام و بدأ الجنود يمشون يمينا و شمالاً و هكذا حلّ المشكل و شكرهم، و تركهم ليذهب الى "الصفيصيفة" لعقد اجتماع عيّن على إثره الوحدات التالية: "جغلاف" على أولاد جلال و سيدي خالد، "عبد الرحمان بلهادي" على الأغواط حتى القعدة، "سي الهاني محمد بلهادي" على بوكحيل ( العروش هناك)، "عبد القادر لطرش" على عين الملح و أولاد عمارة، "شنوفي شريف بن حاج عيسى" على جبل زملة ( اولاد عامر) بالإضافة الى "عمر ادريس" و "العربي القبايلي".. و هذه الوحدات كلّ واحدة تسمى كتيبة تحوي من 100 الى 120 جندي، و كلّف كل من "سي بن صالح شقرة" و "مغزي بلقاسم" بالتفتيش و محاسبة اللجان. بعد تعيين "علي ملاح" على رأس الولاية السادسة التي جاءت بها قرارات مؤتمر الصومام بعث برسالة الى زيان عاشور لا نعرف محتواها و ردّ عليه زيان عاشور برسالة تحمل تقرير مفصّل عن الجيش و الوحدات و رحّب به .. وصلت علي ملاح الرسالة قرأها ثلاثة مرّات -يقول لنا بولصنام الذي كان حاضراً وقتها- وامتلأت عيناه بالدموع قائلا هذا رجل عظيم .. تأتي الذكرى الثانية لاندلاع الثورة و تبدأ اتصالات زيان عاشور مع التجمعات الشعبية و التكثيف من الاجتماعات و عيون العدو كانت عليه و متواجدة في كلّ مكان ليشاء القدر أن يتعرفوا على مكان تواجده و يحشدوا القوات الفرنسية للتوجه اليه و تقوم بينهم معركة "واد خلفون" و التي دامت 3 أيام إستشهد إثرها البطل زيان عاشور و رفقائه...هي المعركة التي تحدثت عنها كلّ الجرائد الفرنسية بتفاصيلها الصغيرة. بعد ذلك توضع جثة الشهيد البطل زيان عاشور فوق دبابة فرنسية و يسيرون بها الى كافة مناطق الولاية السادسة من أولاد جلال لبوسعادة الى الجلفة.. و الجيش الفرنسي حولها يردّد لقد قتلناه و انتهينا من الثورة... صورة الشهيد القائد "زيان عاشور" اثر استشهاده في معركة "واد خلفون" بتاريخ 7 نوفمبر 1956 ثمّ دفنوه خلسة في المقبرة العمومية كما فعلوا من قبل مع عميروش وسي الحواس لكن من قام بدفنه أخبر المناضلين في الجلفة عن مكانه و بعد نيل الاستقلال ذهبنا الى المكان الذي دفن فيه و فتحنا القبر و وجدناه كما هو بلباسه و ملامحه التي لم تتغير و حوّلنا الجثة إلى مقبرة الشهداء في الجلفة أين تتواجد حالياً .