صهيب، ريان، شيماء، وياسر هي أسماء للبراءة التي ذهبت ضحية وحوش بشرية زُهقت أرواحها الطاهرة بأشكال بشعة يعجز عنها حتى الخيال السينمائي ، وأمام هذه الجرائم فإن العاطفة والعقل البشري كلاهما يتجه تلقائيا إلى القصاص ، أي إلى عقوبة لا تقل عن (الإعدام) لأن من سمحت له نفسه ارتكاب هذه الجريمة يكون قد قتل نفسه بقتله لغيره ،فالقصاص هو صيانة للحياة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صدق الله العظيم ، وعليه فاللجوء إلى القصاص يشكل نتيجة منطقية وأخلاقية واجتماعية ودينية وقانونية للحد من الجريمة العمدية ، ناهيك إذا كانت هذه الجريمة مسبوقة باختطاف واعتداء جنسي وترويع وتشويه للجثة . كل هذه الأمور حدثت - مع الأسف - في (جزائر العزة والكرامة) مما يثير لدى أي واحد منا غضبين وليس غضبا واحدا فقط ، أما الأول فهو يتجه ضد مرتكبي الجريمة وأما الثاني فهو يتجه إلى مجرمين آخرين أكثر همجية من الصنف الأول ألا وهم من يقف معارضا لقانون (الإعدام) ويسعى جاهدا إلى إلغائه بكل وسيلة أو إلى تعطيله مؤقتا إلى حين إسقاطه نهائيا من التشريع الجزائري . والسبب هو أن هذا القانون تنبعث منه رائحة الشريعة الإسلامية بل عطرها الفواح ، فالقصاص في رأي هذا اللوبي المستغرب في بلدنا المسلم يعتبر سلوكا (وحشيا) و(بدائيا) لا يليق بالمجتمعات المتحضرة - وكأن الغرب يسبح في نعيم التحضر والإنسانية- وهم بسلوكهم هذا يسيرون على خطى قدوتهم وشيخهم (فرانسوا ميتران) الذي كان أول رئيس أوروبي يلغي عقوبة الإعدام سنة 1981 في عهد الحكم الاشتراكي لفرنسا ، وهنا نتساءل أين كانت إنسانيته إبان الاستعمار الفرنسي عندما نصب القضاء الفرنسي المقصلة لقتل الشهيد (أحمد زبانة) رحمه الله؟ ، وأين كانت إنسانية الاشتراكيين في عهد السفاح (ستالين)؟ كما يحتج هؤلاء المستلبين في محاربتهم لعقوبة الإعدام على منطق الإحصائيات والدراسات السوسيولوجية والسيكولوجية التي اعتمدتها المدرسة الوضعية في علم الإجرام هناك عندهم في الغرب ليحاولوا إسقاطها على مجتمعاتنا بشكل مباشر علما أن نسب الإجرام عندهم تتزايد بشكل كبير بل تحولت إلى أساليب استعراضية كما حدث في مجزرة النرويج التي نفذها المتطرف (بريفيك) وذهب ضحيتها 70 شابا وشابة ، وتلتها المجزرة الأمريكية التي ارتكبها منذ أيام قليلة شاب أطلق النار داخل مدرسة ابتدائية بمدينة (نيوتاون) فقتل 26 شخصا من بينهم 20 صبيا أعادت طرح مشكلة الترخيص بحمل الأسلحة بكل قوة في النقاش السياسي الأمريكي . فهل الرحمة والإنسانية تكمن في التخفيف من عقوبة هؤلاء المجرمين أم في التشديد عليهم حماية للمجتمع وانتقاما لأهالي الضحايا الذين يُسقطهم أنصار النزعة التغريبية من حساباتهم لأنهم لم يكتووا بنار الألم والحسرة والحزن التي تشتعل في قلوبهم المكلومة ، فهم يتألمون مرتين : على فقدان أحبابهم أولا وعلى عدم انتصار القانون لهم عندما يرون المجرم القاتل يعيش تحت الرعاية السامية للقانون الوضعي الذي يتكفل به داخل السجون أكلا وشربا ورعاية صحية من جيوب المواطنين ، وهو لا يستحق سوى الموت برصاصة و احدة يدفع ثمنها أهله أنفسهم . يجب أن نحمي قانون الإعدام في بلدنا المسلم الذي أقسم الرئيس يمينا على المصحف الشريف متعهدا باحترام الدين الإسلامي وتمجيده ، كما ينبغي أن نثق في مؤسستنا القضائية ونعمل على تدعيمها واحترام استقلاليتها لكي يكون القانون فوق الجميع ، مستلهمين في ذلك مقاصد شريعتنا الغراء التي تشكل حماية النفس فيها هدفا مقدسا يحظى بتشريع سماوي واضح يخاطب فينا الرحمة والرأفة والإنسانية عندما يأمرنا بقطع يد السارق والسارقة وبتطبيق الحدود المعروفة في الزنى والقذف والقتل وغيرها داعيا المجتمع للتواد والتراحم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . إن التراجع عن قانون الإعدام يشكل مساسا كبيرا بسيادة الدولة الجزائرية ومحاولة لتركيعها والتدخل في شؤونها الداخلية ، وهذا ما تسعى إليه المنظمات الحقوقية العالمية وربيباتها في الجزائر ، وتخطط له الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا التي تعتبر رائدة في هذا الميدان ، ومن غيرنا يعرف فرنسا جيدا كما نعرفها نحن في الجزائر ودماء وأرواح المليون ونصف مليون شهيد تطالب كل صباح تشرق فيه شمس الله على الناس بالقصاص لها من مجرمين مازالوا إلى يوم الناس هذا يتبجحون بما ارتكبوه في الجزائر ويقولون أنهم مستعدون لإعادة ما فعلوه من جديد، إلا أن الالتزام بقانون الإعدام لا يعني الإبقاء عليه كتشريع نظري دون تجسيده على أرض الواقع . (*) أستاذ بجامعة الجلفة