الجامعة يفترض أنها مؤسسة أكاديمية، تهتم بالعلم وبكل ما يدور في فلكه، وشغلها الشاغل التجرد من حظوظ النفس الأمارة بالسوء، وضع الرسالة العلمية كهدف سامي يرتفع فوق كل المطالب الأخرى، وربما يتغنى الكثير بفكرة الدعوة إلى الاتصاف بالأمانة العلمية، واحترام حرمة الحرم الجامعي الذي ينبغي أن ينتخب انتخابا طبيعيا ثلة العلماء أو على الأقل الباحثين في فلك العلم، وقد يتحجج بعض الأساتذة بأن الميزانية المخصصة للبحث العلمي من قبل الوزارة الوصية تعتبر زهيدة جدا مقابل ما ينبغي أن يكون أو على الأقل مقارنة بدول عربية جامعاتها في طور التأسيس. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا فعلنا بالمخصصات السابقة على قلتها ؟ هل صرفت حقا في ميدان البحث العلمي؟ وماذا حققت من نتائج من منظور القيمة العلمية ؟ لقد لاحظنا أن الجامعة تخصص للأساتذة الباحثين منحة تربص سنوية قصيرة المدى مدتها ما يقارب الشهر من أجل التقدم في مشاريع البحث، ونجد الأساتذة بالمقابل يصرفونها في اللهو حتى وإن كان مباحا، فيجلبون بضعة كتب مهترئة تفتقد لأدنى قيمة علمية حتى يبرروا سفرهم، وحجتهم أنه ينبغي صرف هذه الميزانية حتى لا تعود إلى الوزارة وتحرمنا منها مستقبلا، أليس هذا ضرب من الخيانة العلمية، كما نجد أن هناك أساتذة آخرين تحصلوا على منحة طويلة المدى، بالرغم من أنهم أنهوا مشاريع بحثهم، لكن منطق الاستغلال يدفعهم إلى استهلاكها مبررين ذلك باستغلال حقهم، ولا ندري كيف سولت لهم أنفسهم تبرير أخذ هذا المال الذي لا يستغلونه في غير السياحة التي هي ليست رسالة الجامعة، أليس هذا من ضروب خيانة الأمانة العلمية. لا ننكر أن الوزارة تخصص أموالا طائلة للملتقيات العلمية، لكن منطق تبذير المال العام وخيانة الأمانة العلمية تدفع المشرفين على مثل هذه الملتقيات إلى تنظيمها بأي طريقة ومهما كانت النتائج، والحاصل "زردات" يدعى إليها أشخاص يسيرون في خط مواز للعلم، ويحرم منها الباحثون الحقيقيون حتى لا يصاب المنظمون بالإحراج العلمي، فمثل هذه التجمعات على كثرتها تشترك في البعد عن صفة "العلمية"، همُّ اللاهثين وراءها الحصول على شهادة المشاركة لتسمين "السيرة الذاتية"، أو الظفر بمحفظة أو قلم وهذا لعمري منتهى التهافت، هذا إذا غضينا الطرف عن "السلخ" المكشوف لجل المداخلات، وحرمان المشاركات الحقيقية من تبوء مكانتها بحجة أن "فلان لم يدعن في الملتقى الذي نظمه الشهر الفائت في كليته وجاءت الفرصة لأحرمه أنا فهو ما يستاهلش وما يعرفش الواجب"، ناهيك عن التوصيات المكررة والمحضرة سلفا قبل أن تنطلق أشغال الملتقى أصلا، لتسرد على مرأى السلطات لتوزع الشهادات والتكريمات وينفض العرس كما بدأ، في تواطئ كبير على الرسالة العلمية، وقد يدعى إلى هذه الملتقيات أشخاص ليس لهم أي مكانة علمية تذكر من أجل وسم هذه التجمعات بالصفة الدولية والقائمون على هذا الكذب العلمي يدركون جيدا أنهم لا يكذبون سوى على أنفسهم لأن الكل بداية من أصغر طالب فهموا أن ما هذه إلا كرنفالات في "دشرة" الجامعة، لقد حدثني الكثير من الطلبة أن أحد المنظمين لمثل هذه الملتقيات ومن شدة خوفه من العزوف عن حضورها راح يحفز الطلبة بزيادة العلامات مقابل تكثير سواد الحاضرين، ليباهي حساده من أن "المسمّع" امتلأ عن آخره، وهذا منتهى السفالة العلمية. ولا يمكن حصر جل السلوكات المشينة للمستفيدين من ميزانيات معتبرة لتحريك قاطرة البحث العلمي، على غرار مخابر البحث التي تستفيد من مخصصات كبيرة تصرف بطرق مشبوهة، ولا تذهب إطلاقا إلى وجهتها، ثم يعاب على الجزائر عدم اهتمامها بالبحث العلمي، حتى أن الوزارة أوقفت سفريات "الأساتذة" إلى الدول العربية بعدما أدركت متأخرة أن هذا "التحواس" لا علاقة له بالعلم، و يا ليت الوزارة تهتدي إلى العودة إلى تحويل المنح إلى الطلبة، سيكون الأمر مجديا ويحقق نتائج أفضل على المدى المتوسط، ينعكس إيجابا على الجامعة ويفضح أشباه الأساتذة الذين أساءوا للرسالة العلمية ولأنفسهم قبل ذلك.