سكانها يطمحون إلى ترقيتها لولاية الحديث عن دائرة عين وسارة التابعة إقليميا لولاية الجلفة منذ التقسيم الإداري الذي مرّ على استحداثها أكثر من ثلاثين سنة، تدفعك إلى الإطلالة على حجم ثقلها التاريخي والجغرافي، وهذا الهامش الذي تختزنه المنطقة من ثراء طبيعي· هي واحدة من أكبر مدن ولاية الجلفة، طابع سهبي، بوابة للجنوب وفضاء حضري ممتد بدأ يتوسع أخطبوطيا في نسيج العمران· الرقم الديمغرافي غير الرسمي يتحدث عن ما يفوق 130 ألف نسمة، في قلب الجغرافيا تتموقع، لها حدود فاصلة مع ولاية المدية، وفي قلب الاستراتيجيات ذات البعد الوطني كانت ذات مرة في ثمانينيات القرن الماضي حينما تواترت أحاديث من عدة مصادر عن ترشحيها عاصمة اقتصادية للوطن ومدينة للعلماء على خلفية استيعابها لعدة معايير تقنية وجغرافية المتوفرة في مدينة قد توصف بالقطب آنذاك· وما كان يتردد أن ثمة دراسات قديمة استند عليها هذا المشروع، ومع تعاقب المراحل انقطع خيط الحلم وخفتت الأصوات التي صنعت ضجة ! ووسط المصادر المتباينة والمفتوحة على عدة قراءات هي الأخرى غير واضحة المعالم، خرجت مدينة عين وسارة من زوايا الظل في الحقبة الأخيرة، رشحتها لأن ترتقي إلى مصاف الولايات المنتدبة الجديدة المقرر إصدار مشروعها لاحقا· الشارع يتحدث بلغة التوقعات، بطموح ما انفك يراود سكانها مع كل استحداث لتقسيم إداري جديد يُعلن عنه· أحد إطارات المنطقة، يرى ''أن ترقية عين وسارة إلى ولاية تأخذ زمنيا على اعتبار أنها دائرة تخفي داخلها مواصفات ولاية قائمة بذاتها، تحالفت معها استراتيجية الجغرافيا على صعيد الموقع وثراء المنطقة طبيعيا، لا أحد ينكر هذه المقاييس الموضوعية، وباستطاعة المدينة أن تستقطب بلديات الولاية الشمالية بحكم الجوار''· هذه الرؤية المستقبلية أغلب أطياف المجتمع يتقاسمها من زاوية أن دائرة عين وسارة ظلت لفترة طويلة من عقد السبعينيات تحت وصاية ولاية الجلفة، ولم تأخذ نصيبها من حصص برامج التنمية المحلية بصورة تطابق حجمها على كل المستويات، وهو الطرح الذي ذهب إليه أحد المنتخبين على النطاق الولائي مقدما نموذجا يعلق بتوزيع حصص السكنات، فالمدينة -حسبه- تتلقى عددا ضئيلا من الحصص لا يغطي حاجيات سكانها· الصورة الأخرى من الإطلالة على حاضر المدينة تكشف عن واقع متأزم يرواح مكانه، البطالة ضاربة أطنابها، شباب على قارعة الطريق تحتويه أرصفة البطالة وفي مقاهي بدأت تنتشر كالفطريات داخل وخارج المدينة، العديد من الطاقات الهائلة المتخرجة من الجامعات ومن يحمل شهادات عليها لم تتمكن الهياكل الإدارية وخصوصا نظام تشغيل الشباب من استقطابهم، رسميا مصالح البلدية توقف عندها رقم تشغيل الشباب عند .816 أما بخصوص الشبكة الاجتماعية، فالعدد منحصر في 806 مستفيد، وهي أرقام تتلاشى إذا ما أدركنا أن السواد الأعظم من سكانها شباب، ونسبة هائلة من هؤلاء يعانون البطالة في مدينة لا تتواجد فيها مؤسسات اقتصادية تفتح لهم أبواب التشغيل· عين وسارة هي كذلك المنطقة التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى بؤر للفساد والانحراف، لم تعد آمنة، تسربت إلى زواياها مظاهر لم يألفها سكانها، سرقات واعتداءات في وضح النهار داخل الأسواق، وسطو على المحلات التجارية ليلا· الظاهرة أخذت مستويات مقلقة على الصعيد الاجتماعي وراح البعض يدقون ناقوس الإنذار من اللاأمن، قد يكون انفتاح المدينة في العشرية الأخيرة على وافدين جدد من عدة ولايات وظروف البطالة ساعدا على الجنوح وتزايد حالات الاعتداءات وسط الغليان الأمني· من صنع مجزرة ''العقار''؟ تشكل المرافق الحياتية في أغلب أحياء عين وسارة التي زرناها الهاجس الذي يؤرقهم بصفة دائمة، مع حلول موسم الصيف تبدأ رحلة كراء الصهاريج إثر غياب الماء الشروب، التوزيع غير المنتظم، البعض من المواطنين يقولون إنه يزور حنفياتهم مرة في الأسبوع، هناك من ينفي ذلك ويذكر أن الحنفيات تنعم عليه بالمياه كل 15 يوما، الأحاديث تتباين· الإشكال حدثنا عنه أحد التقنيين تحفظ عن ذكر اسمه، قال إن مشكل توزيع المياه يعود أصلا إلى طبيعة الشبكة المتداخلة، ويرى أن الحل يكمن في اقتراح خريطة للشبكة يترتب عنها إنجاز صمامات تتحكم في آلية التوزيع وتتمكن من فصل حصص الأحياء على اعتبار أن عين وسارة تتوفر على 8 آبار عميقة، وأضاف في السياق ذاته أن الملاحظ للمفرغ النهائي لشبكة الصرف الصحي يسجل الكمية الهائلة للمياه المضخة والمستعملة، وعليه يتطلب اقتراح إنجاز محطة تصفية توجه للسقي، وقد قدر حجم شبكة توزيع المياه في حدود 170 كلم· هذا التداخل يتوجب -حسب قوله- وجود صيانة في ظروف موسم تساقط الأمطار، وهو الوضع الذي يؤدي إلى ترهل المجاري المائية· أحياء وقفنا عندها في استطلاعنا مازالت كميات التربة تتصاعد في فضائها، لا أرصفة ولا تهيئة عمرانية، في ذراع النيشان، المحطة، نويجم، وفي الواد، غير بعيدة عن وسط المدينة تحوّلت إلى مدينة عشوائية للنفايات، وهو المشروع الذي خصص له في إطار حماية المدن من الفيضانات غلافا ماليا يقدر ب 12 مليار سنتيم، حتى الأشجار التي غرست على ضفة الواد عاثت فيها قطعان الماشية· ومع التوغل عبر نسيج الأحياء وفي الضواحي لا أثر للمساحات الخضراء، تصحرت المدينة من الرؤية الجمالية والبيئية، قال لنا مواطن بلهجة سخط: ''لا أحد يفكر من المسؤولين في المنطقة بهذه الأمور، همّهم الهجوم على الأراضي والبزنسة فيها''· رفع لنا العديد من الشباب انشغالهم من أزمة السكن التي زادت من معاناتهم، كل الحصص التي وزعت في عين وسارة لم تكف ومنها من خضع للوساطات ودفع المال لأهل العقد والربط· (حسن· ز) 40 سنة أب ل 6 أطفال مقيم منذ 15 سنة في سكن ليس ملكه، فهو الآخر غير صالح للإقامة يقول إنه منذ تلك الفترة وهو يودع الملفات بهدف الاستفادة من سكن اجتماعي، أرسل العديد من المافات إلى مصالح البلدية وديوان التسيير العقاري، لكن بدون أي طائل رغم أن اللجنة المعاينة زارته لتقف على وضعيته، وقد ذكر أنه أرسل شكاوى إلى رئيس الجمهورية والعديد من المسؤولين على المستوى المحلي والولائي، طلب منا أن نسمع صرخته لعل أحد هؤلاء يسمعه· ومن المنتظر أن يتم توزيع حصة من السكنات الاجتماعية لاحقا، وعلمنا أن عدد الطلبات المودعة للاستفادة بلغ حاليا 9149 طلب· من جانب آخر، طرح مجموعة من المواطنين قضية البناءات التساهمية والتي أودعوا ملفات لدى الوكالة العقارية منذ سنة 2002 بهدف الاستفادة من حصة البناء التساهمي وطُلب منهم آنذاك دفع مستحقات وتم ذلك، غير أنه بعد انقضاء فترة 14 شهرا عن يوم إيداع ذات المبالغ المالية تمت دعوتهم من طرف مدير الوكالة وسلم لهم شيكات بالمبالغ المودعة، وقد دفعهم ذلك للاحتجاج· واقترح على ضوء ذلك اقتراحا آخر وهو تحويل الملفات إلى ديوان الترقية العقارية في إطار صيغة أخرى هي برنامج السكن الاجتماعي التساهمي الذي ظل منذ ذلك التاريخ يراوح مكانه ولم ير النور بعد، وقد أعرب هؤلاء عن تذمرهم من هذه الوضعية، وقد طرحت المشكلة مؤخرا على والي الجلفة أثناء آخر زيارة قادته للمنطقة ووعد من خلالها بحل المشكل، فكان العائق في كل هذا هو اختيار موقع الأرضية· ولدى اتصالنا بأحد أعضاء المجلس الولائي، أكد أنه اتصل بديوان التسيير العقاري الذي فاجأه -كما جاء على لسانه- بعد جدوى المشروع، من جانب آخر، ينتظر أصحاب السكنات الهشة بحيي عناف رابح ومحمد صيفي، انفراج وضعيتهم بعد الإنهاء من سكنات الشطر الأول، وهي الفئة التي تم ترحيلها في السنوات الماضية وإسكانهم في مساكن جديدة· والحديث عن غياب الجيوب العقارية هو قلب الانشغالات· عين وسارة تم إفراغها من هذا الوعاء، أيادي العبث والنهب الجماعي طالت القطع الأرضية، الجميع شارك في المجزرة الجماعية للعقار، من مسؤولين ومقاولين استغلوا ظروف المرحلة السابقة· البداية كانت في التسعينيات تم منح أراضي على سبيل الدخول في ''سوق الاستثمار'' وفتح مجال الحركة الاقتصادية في المنطقة، ولكن الذي حدث هو تحويل الأراضي إلى ممتلكات تجارية، مستودعات للكراء، مرأب، فيلات، مقاهي، شكل من أشكال التجارة الفردية وهو الهدف الاستثماري الذي افترض أن يخصص لمنشآت ذات بُعد اقتصادي، تمتص البطالة وتعمل على تفعيل الحركة الاقتصادية· بعض المصادر تقول إن هناك من استفادوا من مساحات مقدرة ب 1000م2 وأكثر داخل النسيج العمراني للمدينة رغم أن هؤلاء غير معنيين بالاستثمار، بدليل أن المواطن البسيط لا يمكن له أن يتحصل على 10 أمتار في أحسن الظروف· وتنوعت الغطاءات في هذا الجانب قصد الاستيلاء على امتيازات وريع الأراضي، فتم استحداث صيغة ''التعاونيات'' حيث غابت آليات الرقابة والمتابعة، وقد كان قد صرح لنا في السابق أحد المنتخين الجدد أن مصالح البلدية لم تجد قطعة أرض لإنشاء مدرسة ابتدائية لأن الوعاء العقاري اختفى من الوجود داخل حاضرة المدينة، الجميع غمس يديه من مسؤولين محليين وبعض المقاولين وموظفين تواطأوا معه في عملية تصحر المدينة من العقار بعد أن صحروها بيئيا· في هذا الجانب، وفي تقارير كثيرة تلوثت المدينة من النفايات داخل الأحياء الشعبية الآهلة بالسكان، القاذورات تلقى على مرمى البصر، في مدخل المدينة شرقا وغربا مزابل عشوائية في الهواء الطلق، عين وسارة تعفنت والمفرغة العمومية لن تنشأ بعد·