الجلفة أو عاصمة أول نايل، ذلك الجزء العريق من الجزائر الذي استطاع التشبث بالعادات والتقاليد رغم ظروفها الطبيعية والمناخية الصعبة. كما استرجعت وبفضل مقاومة أبنائها وقوانين الرحمة، ثم الوئام المدني، وصولا إلى المصالحة الوطنية عافيتها في 2002 أمام بطش الجماعات الإرهابية التي كانت تزرع الموت يوميا بالقرى والمداشر. وإذا كان هاجس مقاطعة الرئاسيات المقبلة يشغل بال الكثير، فلا خوف على ذلك بالجلفة حسب المتتبعين للشأن السياسي محليا، خاصة أنها الولاية التي اعتادت تسجيل أعلى نسبة المشاركة كان آخرها أكثر من 72 بالمائة تعد ولاية الجلفة العريقة، التي تبعد عن الجزائر العاصمة ب 300 كلم، بوابة الجنوب الكبير من خلال موقعها الاستراتيجي التي يتوسط الولايات التاريخية الأولى الرابعة والخامسة. يميزها مناخ قاري صعب، بارد شتاء، تنخفض درجة الحرارة هنا كثيرا تحت الصفر، وحرارة لا تطاق صيفا. كما تتميز الجلفة بطابع فلاحي رعوي ما جعلها من أكبر المناطق التي تحوي الثروة الحيوانية من الماشية• وللمنطقة كغيرها من ربوع الوطن نصيب وافر من حياكة تاريخ الجزائر طيلة العصور والمراحل التاريخية، بدءا بالنواة الأولى لسلالة أولاد نايل، وفضل الزاوية الرحمانية في الحفاظ على معالم الأمة الجزائرية الإسلامية إبان السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي، مرورا بإسهاماتها الكثيرة في ثورة نوفمبر المجيدة، وهذا بمعاركها الباسلة خاضها مجاهدو المنطقة لاسيما بجبل بوكحيل. الجلفة...الأصالة والصمود في وجه التغريب ورغم الظروف الطبيعية القاسية، إلا أن عاصمة أولاد نايل، وهي التسمية المحبوبة لدى سكانها، يمكن تصنيفها من بين المدن الجزائرية القليلة التي لاتزال تخوض حرب ضد العولمة ورياح التغريب للحفاظ على عاداتها وتقاليدها. ويبدو ذلك جليا لكل غريب عن المنطقة، خاصة مثلي الذي يزورها لأول مرة. فلا تغيب عنك أبدا في الجلفة صور بساطة عيش الرحالة التي تلازم أغنيائها بفقرائها، من خلال اللباس شبه الموحد والمثمتل في "البرنوس النايلي" الذي يرتديه من أكبر الإطارات الادراية بالولاية إلى أبسط مواطن، وهو ما أعطى عفويا للمناطق ذات النشاط والحركة الكثيفة لونا بنيا موحدا، نسبة إلى لون هذا اللباس التقليدي النايلي الذي صمد أمام هزات رياح التغريب. ومن صور وشيم الانسان المسلم العربي الأمازيعي التي مازالت تبدو ملامحها جليا بالجلفة الى يومنا هذا، هي صور الكرم والجود الموروثة بالجلفة أبا عن جد، وما أن يعرفوا أنك غريب عن المنطقة وأنت تسأل عن ضالتك فيها، فلا يكاد ينتهي سؤالك مثلا عن مقصد ما، كمحل أو طريق أو شيء من هذا القبيل، إلا ويدعوك بإلحاح من سألته إلى تناول وجبة والاستراحة بمنزله. وما يدعو للاعتزاز بالجلفة هو الاستعمال الواسع والشاسع للغة العربية، بعيدا عن أي طابع رسمي مؤسساتي أو أكاديمي، رغم وجود العديد من الإطارات خريجة معاهد الترجمة والدراسات العليا في لغات أجنبية عدة. كما أنها مدينة بعيدة عن الرسميات والبرتوكولات، فلا صعوبة في دخول قاعة أو مقر ولاية، وهي في أوج نشاط رسمي وهوما رصدناه طيلة زمن الزيارة الأخيرة التي قام بها الوزير الهاشمي جيار للولاية مؤخرا، بالإضافة إلى الحفل الرياضي الكبير الذي احتضنته بلدية عين الإبل. جلفة المصالحة الوطنية تختلف كثيرا عن جلفة الآلة الدموية "شتان بين الجلفة اليوم جلفة انتصار المقاومة وجلفة المصالحة الوطنية مقارنة بالجلفة سنوات التسعينيات، وهي الجلفة الرعب والآلة الدموية التي كان يصنعها بطش الجماعات الارهابية يوميا". بهذه العبارات أجاب أحد شباب الحرس البلدي التي تبدو ملامح وجهه في سن الثلاثينيات عن سؤال "الفجر" حول الوضع الأمني بالمنطقة. وفيما أقر زميله، وبنفس العبارات التي رددها غالبية السكان، أن المنطقة كانت أحد معاقل الجماعات الإرهابية، لكن صمود أهلها كان أقوى الذي لم يجد بديلا سوى بالانضمام إلى سلك الحرس البلدي وبعضهم حمل السلاح في إطار فرق الدفاع الذاتي، ما جعل المقاومة تنتصر رغم سقوط المئات من ضحايا بطش الدمويين، والإرهاب ينهزم. وما زاد من استقرار المنطقة، باعتراف أعيانها، هي القوانين التي تم سنها منذ منتصف التسعينيات في إطار معالجة الأزمة الأمنية في الجزائر، بدءا بقانون الرحمة ثم الوئام المدني وصولا إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وهي التدابير التي سمحت بعودة العديد من أبناء المنطقة الذين غرر بهم الى أحضان المجتمع والحياة العادية. كما ساهمت المصالحة الوطنية باعتراف أبناء أولاد نايل في إعادة مياه وادي الجلفة إلى مجاريها الطبيعية، وهو من أكده إمام مسجد بلدية عين الإبل في كلمته التي ألقاها على هامش حفل تكريم فرسان الرياضة الجزائرية، حيث ظل يردد مرارا وتكرارا "لولا قانون المصالحة الوطنية لما كنا مجتمعين اليوم في هذا المكان"، وهو ما يبدو جليا لكل مسافر عبر الطريق الرابط بين العاصمة والجنوب في محور الجلفة، حيث لا تتوقف الحركة والنشاط بجزئه في الجلفة، حتى بعد منصف الليل، وهو الحال كذلك في مركز المدينة ومدينتي عين وسارة وحاسي بحبح، وهي المدن التي عادت بفضل الهدوء الأمني إلى أصلها، حيث لا تنام باكرا وتستيقظ قبل الفجر. آمال في الرئيس القادم.. تواصل عجلة التنمية ولا خوف من عزوف الناخبين لا يجحد معظم سكان ولاية الجلفة بالإنجازات التنموية التي تم تحقيقها على جميع الأصعدة مؤخرا، وإن كانت تعرف بعض النقائص، وهي التي يعلق سكان الجلفة آمال إنجازها وحلها على الرئيس الذي ستفرزه انتخابات أفريل القادمة. وإن كان قطاع الشبيبة والرياضة نال النصيب الوافر من هذا القطار التنموي، خاصة أن الولاية تحوي على أكثر من 395 طالب رياضي أكاديمي في 14 نوعا رياضيا مختلفا موزعا عبر 9 مؤسسات تربوية. وتدعم قطاع الشبيبة والرياضة بأكثر من 50 مشروع بين شبابي ترفيهي ورياضي متعدد التخصصات. كما يعرف هذا القطاع نفسا قويا بالجلفة من خلال الورشات التي وقفنا عليها رفقة الزيارة الأخيرة التي أداها الوزير الهاشمي جيار الأسبوع ما قبل الماضي، منها مسبحان نصف أولمبيان بكل من عين وسارة ومسعد، بالإضافة إلى أكثر من 20 ورشة في طور الإنجاز بين مركب رياضي ودار شباب وغيرها عبر البلديات الستة والثلاثون، كما سيتدعم بملحقة لثانوية رياضية متعددة التخصصات. ولم يعد ينقص القطاع بالجلفة سوى إطارات فنية كفأة لتأطير المواهب الجلفاوية، خاصة أن بعض التخصصات عرفت انقراضا، وأخرى في الطريق. قطاع الصحة هو الآخر عرف انتعاشا بأكثر من 8 مستشفيات بطاقة إجمالية تقدر بألف سرير، أما قطاع التربية والتعليم فعرف هو الآخر تحسنا ملحوظا، حيث قفز عدد المؤسسات التعليمية إلى81 مؤسسة بين ثانوية وإكمالية، غير أنه القطاع الذي مازالت تشوبه نقائص حسب تصريحات عدد من إطارات القطاع منها الاكتظاظ داخل الأقسام الذي يصل إلى 60 متمدرسا داخل القاعة الواحدة حسب نفس المصدر. كما اقتحمت المرأة الجلفاوية مؤخرا الأقسام التربوية بقوة حسب نفس المصدر، وهي التي كانت ممنوعة من الخروج في السنوات القليلة الماضية، كما استفادت 26 بلدية جلفاوية بالغاز الطبيعي مؤخرا ليصل بذلك إلى نسبة تغطية 80 بالمائة. لكن ومع كل ذلك، مازالت الجلفة بحاجة إلى مشاريع أخرى من شأنها أن تفك عزلتها خاصة وسائل النقل، وإن وجدت فأغلبها في حالة غير جيدة. قطاع الفلاحة الذي يعتمد على الرعي، هو الآخر عرف تراجعا السنتين الأخرتين حسب عدد من المربين بسب نقص الكلأ• ويرى المهنيون أن المشكل يمكن حله أمنيا من خلال توفير الأمن عبر ربوع جبل بوكحيل الذي يتوفر على أراضي رعوية عذراء، وهي نقائص يعلق الجلفاويون آمال حلها على رئيس الجزائر ما بعد 09 أفريل 2009 ، وما هي بالمطالب التعجيزية حسب تعبير العديد من المواطنين. موضع الساعة الانتخابات الرئاسية، وحسب المتتبعين للشأن السياسي بالولاية من رجال إعلام وممثلين ولائين لعدة تشكيلات سياسية، فان المنطقة يستبعد أن تسجل بها مقاطعة، خاصة أنها باتت تسجل المراتب الأولى من نسب المشاركة في مختلف الاستحقاقات، حيث احتلت المرتبة الثانية في محليات ديسمبر 2007 أين تم تسجيل نسبة مشاركة قدرت ب 72•48 بالمائة، واحتلت بذلك المرتبة الثانية وطنيا. حتى أجواء التحضيرات للرئاسيات المقبلة من تسجيل في القوائم الانتخابية وحملة جمع التوقيعات تختلف تماما عن باقي ولايات الوطن، حيث لفت انتباهنا ونحن داخل بهو مقر دائرة مسعد وبلديتها إقبال كبير من طرف المواطنين للتسجيل في القوائم الانتخابية، بل وحتى الأماكن العمومية كانت لا تخلو من الحديث حول الرئاسيات المقبلة