سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من السياسة كلمة حقّ تقال للحاكم والمحكوم، أداء لأمانة النصيحة، وإبداء للرأي والمشورة (الجزء الثاني) حوار مع الشيخ "محمّد المأمون القاسمي الحسني" شيخ الزاوية القاسمية
الصورة عن موقع زاوية الهامل س10. وهل تذكر سيّدي زيارته للزواية القاسمية، وما هي أجمل ذكرياتك في هذه المناسبة؟ ج.لقد كانت ذكرى جميلة لا تنسى. بقي الشيخ البوطي يتحدث عنها في مجالس كثيرة. ونحن ما زلنا نذكر أجمل ساعاتها. نذكر مجلسنا الغاص في المسجد القاسمي، وهو يتصدّر منصّة الخطابة، وإلى جانبه أخونا الشيخ الخليل القاسمي، مرحّبا ومعقّبا. نذكر مجالس الدرس في المسجد، ومجالس السمر في مسكن الشيخ الخليل رحمه الله. لقد كان أملنا، كما كان أمل الشيخ البوطي، أن يتجدّد اللقاء به في رحاب الزاوية، وشاء القدر غير ذلك. ولله الأمر من قبل ومن بعد. والرجاء في الله العليّ القدير أن يلحقنا به في الصالحين، ويجمعنا به في دار الكرامة تحت لواء سيّد المرسلين، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به عباده المحسنين. س11. بالعودة إلى الزوايا، لاحظنا كيف يلتبس على الناس الحق بالباطل، خاصة بشأن الدعم الذي تقدّمه الدولة للزوايا. وقد يعتبر البعض أنّ من وراء ذلك نية لتسييس الزوايا. فكيف ترفع هذا اللبس؟ وما طبيعة العلاقة التي تربطكم بالدولة؟ أدعو الشباب إلى العمل المنتج المفيد، وأن يجتنبوا حياة الكسل والبطالة. أقول لهم لا ترضوا بالقعود، وتذكّروا دائما أنّ العاملين هم من ينالون شرف الانتساب إلى الأمة؛ والعضو الذي لا يتحرّك ولا يعمل لا يستحقّ البقاء. ج: نحن نتعامل ونتعاون مع الدولة، كمؤسّسات، من أعلى هرم الدولة إلى مؤسّساتها القاعدية. وبهذه الصفة، فإنّ ما تقوم به الدولة اليوم، تجاه الزوايا إنما هو تصحيح لوضع خاطئ، ظلّ قائما، منذ استعادة الاستقلال؛ حيث حاول البعض إنهاء دورها، بتعطيل التعليم الشرعي فيها؛ والعمل لعزلها عن محيطها الاجتماعي، وعمقها الشعبي، والقضاء على عناصر وجودها ومواردها، بمصادرة أوقافها. والنتيجة عشنا آثارها السيئة، وما زلنا نعيشها إلى اليوم. أما عن الدعم الذي تقدّمه الدولة للزوايا، فيجدر التذكير بأنّ هذه المؤسّسة الإسلامية تخدم الأمة في أغلى وأقدس ما لديها، ألا وهو دينها وقيمها الروحية وأخلاقها الإسلامية. والدولة في الجزائر، ينصّ دستورها على أن دينها هو الإسلام. ومن ثمّ؛ فإنّ من واجب الدولة المسلمة، تجاه الزوايا الأصيلة، أن تقدّم لها الدعم المادي والمعنوي، لتقوم برسالتها العلمية والتربوية والاجتماعية، على أحسن وجه مستطاع؛ ولا يعتبر ذلك منها مزية ولا منّة؛ بل هو واجب على الدولة تجاه الأمّة، وحق للزوايا مشروع. وأمّا عن محاولة إقحام الزوايا في متاهات السياسة ؛ فقد كان موقفنا واضحا، منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي؛ وأكدّته في مناسبات كثيرة، مذكّرًا بأنّ من مصلحة الدولة والأمة أن تبقى الزوايا بمنأى عن التجاذبات والتنافسات الظرفية، لتظلّ كلمتها جامعة، ولكي تبقى رحابها مفتوحة للجميع، على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، تجمعهم روح الأخوّة، في جوّ من التسامح والمحبّة والتآلف. يستمعون فيها إلى الموعظة الحسنة، والكلمة الطيّبة؛ ولا يجدون في محيطها إلاّ صلاحا وفلاحا، ومثابة وأمنا. ومثل هذا المشهد يتكرّر في ساحة الزاوية القاسمية. ومن يزورها في المواسم الدينية يلاحظ هذا المشهد بنفسه. أما السياسة الشرعية، التي هي من رسالة الإسلام الشاملة، فهي من صميم دعوتنا، وعلينا أن ننهض بها، مثل بقية شعب رسالتنا. ونستطيع أن نسوق بعض الأمثلة على ذلك: فمن السياسة في الإسلام إصلاح الدنيا وإقامة الدين، كما أنزله الله، وكما دعا إليه؛ ودين الله يجمع الدنيا والآخرة. من السياسة بناء الأمة المسلمة؛ أمة الرسالة التي جعلها الله رحمة للعاملين؛ وما استحقّت الخيرية ونالت الأفضلية إلا بحملها هذه الرسالة. من السياسة في الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وإقامة موازين الحقّ والعدل، العدل الاجتماعي، والعدل في الحكم والقضاء. والعدالة الاجتماعية عندنا، نحن المسلمين، ليست مجرّد عدالة اقتصادية محدودة، ولكنّها عدالة إنسانية، تتناول الفكر والسلوك، وتشمل جميع مظاهر الحياة ومقوّماتها، وجوانب النشاط فيها. وفي ظلال هذه العدالة، تتكافأ الفرص، وتحفظ الحقوق، وتصان الحريات، وتكفل الحياة الكريمة الآمنة للجميع. من السياسة كلمة حقّ تقال للحاكم والمحكوم، أداء لأمانة النصيحة، وإبداء للرأي والمشورة، فالتناصح بين المسلمين فريضة في الدين؛ ومن النصيحة ما يوجّه إلى أولياء الأمور، أيا يكون موقعهم؛ وهي تعني فيما تعني، حبّ الصّلاح والسّداد لهم، وتذكيرهم بالخير وإعانتهم عليه؛ وإرشادهم إلى طريق الهدى والحقّ ليلتزموه؛ والمباعدة بينهم وبين الضلال والباطل كي يجتنبوه. من السياسة العمل بمبدإ الشورى، وممارسة حرية الرأي والتعبير، ومراعاة سنة الاختلاف في التصوّر والرأي، ليكون هذا الاختلاف اختلاف تنوّع وتعدّد وتكامل، يمارس في منهج أخلاقي صارم، بعيدا عن التعصّب للرأي، والإقصاء للرأي الآخر أو مصادرته. هذه هي السياسة الشرعية عندنا، نحن المسلمين. وهذه هي السياسة التي ينبغي أن نمارسها، وندعو إلى ممارستها. وفي كل الأحوال، فإنّ السياسة عندنا ليست تكسّبا ولا تزلّفا، ولا من أجل حظوظ الدنيا ومكاسبها. س12. وما قولكم في الأصوات النشاز التي تظهر من حين إلى آخر، ويتحدّث أصحابها باسم الزوايا، ويدّعون تمثيلها وخدمة مشروعها؟ أما الذين ما زالوا يشكّكون في جدوى العمل المصرفيّ الإسلاميّ، ويحاولون النيل منه، بالطعن في مصداقيته، فعليهم أن يعودوا إلى الأبحاث التي قام بها خبراء اقتصاديون في بلدان الغرب. ج. الزوايا يمثّلها رجالها الأُصلاء، ولا يمثّلها الطفيليون ولا الدخلاء. والزوايا التي نعنيها هنا، وهي موطن رسالتنا، هي الزوايا الأصيلة، التي أسّس بنيانها على تقوى من الله ورضوان، لإقامة دين الله، وتعليم كتابه، وإصلاح النفوس بهدايته. وإنّ رسالةً هذا شأنها، يجب أن تصان عن كلّ ما يشوبها، أو ينال من مصداقيتها؛ وهو ما نخشاه من الدخلاء على ساحتها، المتلبّسين بردائها؛ ولا همّ لهم سوى تجارة الدنيا ومتاعها القليل. لقد قلت، في غير ما مناسبة: إنّ الزوايا، كما أساء إليها المناوئون لرسالتها؛ والمخالفون لمنهجها، كذلك أساء إليها بعض المنتسبين إليها، بانحرافهم عن سبيلها، وابتعادهم عن مقاصد رسالتها. ويسيء إليها اليوم المندسّون في ساحتها. فقد استغلّ بعض الأدعياء ظروفا استثنائية؛ وقدّموا أنفسهم ممثّلين للزوايا، ومهّدوا السبيل لانتحال صفتها، والمتاجرة باسمها. إنّ هذه المنارات القرآنية، إنما يعمرها الصالحون من رجالها، المؤهّلون لرسالتها؛ يبتغون فضلا من الله ورضوانا. ومثلما يؤجر من شيّدها، ويسهم في عمارتها؛ كذالك يأثم من لا يرعى حرمتها، أو يسعى لإطفاء نورها، أو تحريف مقاصدها. س13. فضلا عن مسؤولياتك، على رأس الزاوية، أنت عضو في المجلس الإسلامي الأعلى، كما تشرف على هيئة الرقابة الشرعية لبنك البركة الجزائري. كيف توفّق بين هذه المجالات؟ فيما يخصّني شخصيا، كنت تحدّثت في مناسبات سابقة مع أولياء الأمور عن حاجة بلادنا المتزايدة إلى هيئة عليا للإفتاء، تكون المرجع الموثوق في بيان حكم الله للناس، في أمور دينهم ودنياهم. ج : لعلّ الرسالة المشتركة بين هذه المهام هي خدمة رسالة العلم الشرعي؛ سواء تعلّق الأمر برسالة الزاوية، أو المجلس الإسلامي الأعلى، أو الرقابة الشرعية على بنك البركة الجزائري؛ وقد كانت استجابتي لتولّي هذه المهام بدافع من الشعور بالواجب نحو ديني وأمتي والحبّ لوطني، وأنا أجتهد في أداء هذه الواجبات، على قدر المستطاع. والله المستعان. س14. بصفتك عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى، كيف تقيّم نشاطه في السنوات الأخيرة؟ ج: أودّ أن أسجّل هنا للتاريخ، أنّني كنت تردّدت طويلا، قبل أن أوافق على العضوية في المجلس، لإدراكي ثقل الأمانة وجسامة المسؤولية. فالمجلس الإسلامي الأعلى، في الحقيقة، أمانة ورسالة ومسؤولية؛ ويفترض أن يكون المرجع الأعلى في كلّ شأن من شؤون الإسلام، ويؤخذ برأيه في التشريع لمجتمع دينه الإسلام. فدولتنا دينها الإسلام؛ وهي حين تشرّع القوانين، إنها تشرّع لشعب مسلم، رضي بالإسلام دينا، منذ أن هداه الله إليه، يتمسّك بمبادئه وقيمه، ولا يرضى بديلا عن أحكام شريعته. أمّا بخصوص نشاط المجلس، فهو يقوم بإنجاز جملة من الأعمال المفيدة، أهمّها تنظيم محاضرات شهرية، وأيام دراسية، وملتقيات دولية سنوية، عالجت مواضيع مختلفة. كما يصدر مجلة دورية، ومنشورات أخرى، منها محاضرات الملتقيات التي نظّمها في السنوات الماضية. فضلا عن إصدار الفتاوى التي تطلب من الهيئات الرسمية، في المسائل المستجدّة. ومن أهمّ إنجازات المجلس المكتبة الّتي تزخر بالمراجع، في مختلف العلوم والمعارف، وتفتح أبوابها يوميا للباحثين، وللطالبات والطلبة الذين يحضرون رسائل جامعية. ويبقى أن أشير إلى أنّ النتائج المحقّقة لم ترق إلى مستوى الآمال. ففي تقديري أن تنوّع الاختصاصات، وتعدّد الكفاءات في أعضاء المجلس يعدّ عامل تكامل وقوّة فيه، لخدمة رسالته. ومازلت أتطلّع، مثل بقية الزملاء في المجلس، إلى استثمار هذه العوامل الإيجابية، فتقوم أعمال المجلس على الحوار والمناقشة، ويكون مدرسة لحرية الرأي والتفكير، والاجتهاد والمشاركة، ويكون حقلا لإثارة المواضيع الحيوية الهامة والحساسة، لترشيد الأعمال الوطنية، في المجالات الدينية والتربوية والأخلاقية. س15. وكيف تنظرون في المجلس إلى واقع الفتوى في الجزائر. وما رأيكم في مشروع دار الإفتاء الذي سمعنا عنه الكثير من قبل؟ ج. فيما يخصّني شخصيا، كنت تحدّثت في مناسبات سابقة مع أولياء الأمور عن حاجة بلادنا المتزايدة إلى هيئة عليا للإفتاء، تكون المرجع الموثوق في بيان حكم الله للناس، في أمور دينهم ودنياهم. كما أعطيتهم رأيي بخصوص المشروع الذي تمّت دراسته في الدوائر المختصّة. وقلت إنّ الهيئة المقترحة قد تحقّق هذا المقصد، إذا توافرت لها الشروط الموضوعية، وفي طليعتها الصدقية والاستقلالية، والكفاءة العلمية المنشودة في أعضائها . وفي تقديري، فإنّ أعضاء الهيئة يجب أن يكونوا من الملتزمين بمرجعيتنا الدينية الجامعة. وينبغي أن يختاروا من بين المشهود لهم بالاستقامة والاعتدال، والسّمعة الطيّبة في الأوساط الاجتماعية؛ فضلاً عن تخصّصهم في علوم الإسلام، ومعرفتهم بمقاصد رسالته. كما ينبغي أن تكون لهم معرفة واسعة بقضايا العصر ومستجدّات الحياة. أما قيادة الهيئة، وهو الأمر الذي أخذ حيّزًا من البحث، وكثيرا من الوقت، منذ سنوات فقد قلت إنّ أنجع أسلوب أراه مناسبا بهذا الشأن، يتمثّل في اختيار رئيس الهيئة من بين أعضائها، عن طريق الانتخاب، لمدّة ثلاث سنوات. ثم يكون التداول على الرئاسة، وفق أحكام النظام التأسيسي، الذي تنشأ الهيئة بموجبه، بصرف النظر عن الإطار القانوني للهيئة، الذي يقع عليه الاختيار. س16. سمعناك تتحدّث مؤخّرًا، في ملتقى دولي، عن خصوصيات الصيرفة الإسلامية، وتدعو إلى نظام قانوني خاص بها. فهلاّ أعطيتنا مزيدا من المعلومات عن النظام المالي الإسلامي وواقع المؤسّسات المالية الإسلامية في الجزائر؟ يجدر التذكير هنا بأهمّ خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي، باعتباره منهجا متكاملا، له مكوّناته وعناصره، وله هوّيته وخصائصه التي تحكم تطبيقاته؛ وهو جزء من النظام الإسلاميّ الشامل، الذي يجعل العمل والإنتاج مطلبا دينيا، قبل أن يكون مطلبا اقتصاديا أو اجتماعيا؛ ويعتبر العمل والإنتاج ركيزة أساسية لعمارة الأرض وتحقيق الخلافة فيها. ومن هذا المنطلق؛ فإننا ندعو إلى تفعيل الاقتصاد الإسلاميّ، باعتباره اقتصادا أخلاقيا؛ فهو يعنى بالدوافع والمقاصد والمآلات. ومن شأن الالتزام بتشريعات الإسلام لهذا النظام أن يؤدّي إلى تحقيق الإنتاج الكافي والتوزيع العادل، وبناء مجتمع العدل والكفاية والتكافل. نحن ندعو إلى نشر أخلاق الإسلام في المنظومة الاقتصادية؛ وتطهير الأداء الاقتصادي من الممارسات الخاطئة، والأعمال المخالفة للشريعة الإسلامية، ومن كل صور إهدار المال العام، وأكل أموال الناس بالباطل؛ وعلى رأسها الغرر والربا والرشوة؛ إلى آخر المخالفات التي تمارس في النشاط الاقتصادي؛ إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا. أما الذين ما زالوا يشكّكون في جدوى العمل المصرفيّ الإسلاميّ، ويحاولون النيل منه، بالطعن في مصداقيته، فعليهم أن يعودوا إلى الأبحاث التي قام بها خبراء اقتصاديون في بلدان الغرب. فمنذ بداية الأزمة المالية العالمية، في السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام هؤلاء الباحثين بالنظام المالي الإسلامي؛ وكانت نتائج أبحاثهم من قبل الأزمة المالية قد أكّدت أنّ المصارف الإسلامية أكثر تحمّلا للهزّات الاقتصادية؛ وأنّ الأساليب التمويلية الإسلامية هي أساليب علمية كفيلة بحلّ المشكلات الاقتصادية. فالمصارف الإسلامية تقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة (قاعدة الغنم بالغرم)، بديلا عن المداينة بالفائدة. ومن خصائصها أنها تمارس التجارة والاستثمار؛ وتقوم أعمالها على العقود الشرعية الشاملة لكل أساليب وصيغ المعاملات المصرفية، طبقا لمقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية. ومن أهمّ الخصائص التي تميّز المؤسسات المالية الإسلامية أنها تحقّق مشاركة العمل ورأس المال معًا، وتضع المال في مساره الصحيح، بتوظيفه فيما يخدم بناء المجتمع المتكافل، ويحقّق عدالة التوزيع؛ ومن ثمّ، فإنها تسهم في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالسبل المشروعة. ونحن نتطلّع إلى أن تكون هذه المؤسّسات أُنموذجًا صالحا يمثّل الإسلام تمثيلا صادقا، وتصبح الواجهة التي تعكس صورته، كنظام صالح لكل زمان ومكان. ولهذا، فأنا أدعو إلى إنشاء المزيد من المصارف الإسلامية والشركات الاستثمارية؛ وتيسير السبيل لقيام شركات التأمين التعاوني التكافليّ؛ وتشجيع هذا التأمين، ليكون بديلا عن التأمين التجاريّ المشوب بمخالفات شرعية. وأكثر ما ألحّ عليه هي ضرورة إصدار النظام القانوني للمصارف الإسلامية في الجزائر. وهو مطلب قديم متجدّد بخصوص الحاجة إلى نصوص تشريعية تتلاءم مع طبيعة المؤسّسات المالية الإسلامية، وخصوصيات العمل المصرفيّ الإسلاميّ؛ فذلك من شأنه أن يمكّن هذه المصارف من تطوير منتجاتها، وتنويع استثماراتها، لتستجيب لمتطلّبات السوق المصرفية وحاجاتها المتزايدة؛ ولكي تستطيع مواجهة التحدّيات التي تتعاظم، في ظلّ التنافس الشديد، وقوانين منظمّة التجارة الدولية. س17. نعود إلى الزاوية. نعلم أنّ الخزانة القاسمية تعجّ بعناوين كثيرة لكتب نادرة ومخطوطات نفيسة لم تمتدّ إليها يد التحقيق. ماذا عن هذه المخطوطات؟ ج. فيما يخصّ الخزانة القاسمية، أذكّر بأننا قمنا بفهرسة جميع المخطوطات الموجودة لدينا؛ ونشرنا هذا الفهرس. ونحن نضع المخطوطات بين أيدي الباحثين والمحقّقين، وقد أفاد منها الكثيرون في رسائل الدكتوراه والماجستير. كما قمنا بترميم المخطوطات التي كانت تحتاج إلى عناية خاصة. أما عن المخطوطات في الخزائن المنتشرة في بلادنا هنا وهناك، فإنّنا نأسف لأوضاعها المزرية؛ ونحن نهيب بأصحابها أن يسارعوا إلى إنقاذها، بصيانتها، والحرص على حفظها من الآفات التي تهدّدها؛ وأن يتعاونوا مع الجهات المعنية، من أجل الإفادة منها، بتحقيقها ونشرها. س18. نصّبتم، قبل فترة، شيخين يدير أحدهما زاوية الشيخ بلعموري بسيدي عيسى، والثاني يدير الزاوية العطائية بعين افقه. فما هي الروابط التي تجمعكم بهذه المنارات القرآنية التي تعلّم القرآن الكريم وتتولّى مهام الإرشاد وإصلاح ذات البين؟ وبماذا تنصحون شيوخ الزوايا لأداء رسالتهم النبيلة وترقية أدائهم التربوي بالمنهج الوسطيّ؟ ج. يجمعنا بهذه المنارات القرآنية السند الروحيّ والمنهج التربويّ. يجمعنا التعاون على عمارتها بما أمر الله أن تُعمر به بيوته، فتتّسع رحابها للمؤمنين، وتكون مصابيح هداية للسعادة في الدارين. والذي أوصي به إخواني شيوخ الزوايا هو ما أوصي به نفسي. أوصيهم بتقوى الله في المنشط والمكره؛ وأن يخلصوا أعمالهم لله، وأن يجنّبوا الزوايا كلّ شائبة قد تسيء إلى سمعتها أو تنال من مصداقيتها. كما أوصيهم بنشر مزيد من الوعي في أتباع الطرق الصوفية، حتى يزنوا أعمالهم بميزان الشرع الحنيف، ويكونوا؛ في جميع خطاهم، على مبادئ القرآن الكريم، وهدي النبي المصطفى، عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم، بعيدا عن كل أغراض أو أوضاع تتنافى وجوهر الإسلام، أو تتعارض مع شريعة الإسلام. س19. علمنا أنّك تنقّلت إلى مدينة القرارة على إثر الأحداث التي شهدتها في الأسابيع الماضية وأنت من دعاة التسامح والسّلام والحرية. فهل توصّلت إلى نتيجة في مسعاك الحميد مع الأطراف المعنية؟. ج. أجل قمت بهذه الزيارة، بهدف الإسهام في تهدئة النفوس، وإطفاء نار الفتنة، والعمل لترميم علاقات الأخوّة التي تجمع سكان هذه المدينة، على اختلاف طوائفهم، بما يعيد الألفة إليهم، ويوثّق روابط التعاون وحسن التعايش بينهم. وقد تعدّدت اللقاءات مع ممثّلي الفئتين. كان النّقاش هادئًا والحوار هادفا. وكان الجميع يتحلّى بالحكمة والشعور بالمسؤولية. أما بشأن الفئة القليلة التي أظهرت تشدّدا في الموقف، وكانت ترفض الذهاب إلى جلسات الحوار من أجل عقد الصلح، فقد اقتنعوا بتوفيق الله، واستجابوا للمسعى، وهكذا وافق الجميع على الجنوح للصلح، والعودة إلى الحياة الطبيعية التي كانت تسود سكّان المدينة، قبل الأحداث. أما عن النتيجة التي أنشدها، فقد تلخّصت في الدعوة إلى إيجاد إطار كفيل بضمان التعايش والتعاون وحسن الجوار. لقد قلت للجميع: «نحن بصدد معالجة الأزمة، ومحو آثارها، والعمل لاستتباب الأمن والنظام، واسترجاع الهدوء والاستقرار؛ وهو ما تعمل من أجله مؤسّسات الدولة وأجهزتها المختصّة؛ وسيتحقّق عاجلا، إن شاء الله، بفضل تعاون الجميع. ولكنّنا هنا بحاجة إلى حلّ دائم، والحلّ المنشود تصنعونه بأنفسكم، حين تصدق النيات، وتجتمع العزائم على إرساء قواعد صحيحة لتعاون مثمر وتعايش دائم لا تعصف به الأنواء، ولا الميول أو الأهواء». وتحقيقا لهذا الهدف، اقترحت أن يتوافق الجميع ويتعاهدوا على ميثاق للأخوّة المالكية الإباضية. يحترمه الجميع، ويلتزم به الجميع. ميثاق يستند إلى قواعد شرعية، ومعايير أخلاقية؛ وينبثق عنه مجلس استشاري مشترك، يضمّ ممثّلين للفئتين من أهل الرأي الذين يتحلّون بالحكمة ويحظون بالسمعة والمكانة الاجتماعية. ويكون المجلس الإطار الدائم للتنسيق والتشاور؛ كما يكون الضمان لحسن التعايش والتعاون. وقد لمست ترحيبا بهذا المقترح لدى الجميع، وتثمينا لأهدافه البعيدة، باعتباره يشكّل الأداة المثلى للتواصل الدائم والحوار المثمر، ولتوثيق روابط الأُخوّة والمحبّة، ومقوّمات العيش الهنيء في سلام ووئام. ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أنّ هذا المسعى قد اكتسي طابعا شخصيا؛ وهو يندرج ضمن الرسالة التي تنهض بها الزاوية القاسمية، منذ تأسيسها؛ ومن أهمّ شعبها السعي لإصلاح ذات البين، وجمع الكلمة، وتأليف القلوب، والعمل لنشر السّلام والوئام بين أفراد المجتمع، والمحافظة على وحدته وتماسكه. وهو ما نريد أن تستمرّ جميع الزوايا في القيام به. فتسعى لإطفاء نار الفتن والخصومات، وإزالة الضغائن من النفوس، وإصلاح فساد القلوب، وإحكام روابط الأخوّة والألفة بين المسلمين. س20. في الختام، لكم سيّدي أن تقولوا ما شئتم. ومسك الختام جزيل الشكر والتقدير لحسن عنايتكم. وأنا ممتنّ لكم ومعتزّ بما أفدتم لينشر على صفحات جرائد: الشروق والحوار والبلاد وصوت الأحرار، وموقع أصوات الشمال. كلمتي في الختام أوجّهها لشباب الأمة. أدعوهم إلى تحصيل العلم، والإقبال عليه بهمّة وعزيمة. أدعوهم إلى العمل المنتج المفيد، وأن يجتنبوا حياة الكسل والبطالة. أقول لهم لا ترضوا بالقعود، وتذكّروا دائما أنّ العاملين هم من ينالون شرف الانتساب إلى الأمة؛ والعضو الذي لا يتحرّك ولا يعمل لا يستحقّ البقاء. إنّ أشدّ ما يؤسفنا هو ما نلاحظه لدى فئات عريضة من شبابنا، من استهانة بالزمن، وتضييع للوقت، وتجاهل للنظام، والرضا بحياة الدعة والسلبية، بينما نرى الآخرين من شعوب العالم تطلع عليهم الشمس، وقد انتشروا في الأرض، في حركة دائمة، كلٌّ منهمك في عمله، منشغل بمعاشه. على شبابنا أن يتذكّروا أنّ ديننا دين الحياة، يبعث على الحركة والنظام، ولا يرضى للمؤمن بالقعود والكسل، ولا يرضى له بالسلبية والانحلال، والله نسأل أن يلهم شبابنا رشدهم، ويصلح دينهم ودنياهم، ويجعلهم قرّة عين لأمتهم، وأن يهدينا والمسلمين سبل السّلام.
الحوار في جزئه الأول: حوار مع الشيخ "محمّد المأمون القاسمي الحسني" شيخ الزاوية القاسمية (التوفيق المطلوب بين الأصالة والمعاصرة نتمثّله في أن يعيش المجتمع إسلامه (الجزء الأول)