المجاهد "هتهات بوبكر" رحمه الله رحمك الله يا هتهات و أكرم مثواك وعطر ثراك بدماء الشهداء وجعل الجنة مثواك لقد فقدتك منطقة الجلفة و أنت أحد ركائزها ، وفقدتك الجزائر و أنت أحد مجاهديها ، لقد فقدك رفاق الجهاد وكنت ظلا يستظلون به ، وفقدك أهل العلم و أنا منهم لأنك كنز لم نحسن الاستفادة منه و مصدر لتاريخ منطقتنا فكم ضيعنا و ضيعنا وجودك معنا ، و أنا الذي ما خاطبت في حضرة المجاهدين إلاّ و قلت لهم أتعلمون بأن الله ما مدّ لكم في العمر بعد الثورة إلاّ لتنقلوا للأجيال مرارة الاحتلال وظلمته وجمالية التضحية من أجل الوطن ، فكنتم رسالة الله إلينا فهل استوعبناها ، وكنتم مجاهدين في الثورة وشهداء علينا في الاستقلال فهل لقيمتكم أدركناها. لقد كنت يا هتهات ابن الجلفة البار و ابن الوطن المطيع فحين اندلعت الثورة ضد المحتل الغاشم ما استهوتك الحياة لأن تعلم أنها فانية و ما شدّتك مثبطات الشباب التي تزخرف الحياة فتشد إليها شدا ، بل كنت نعم الشاب الذي يضحي من أجل أن يسعد الناس تنقلون للأجيال قولا وفعلا نموذج الشباب الذي فقدناه وما عاد يحمينا ونموذج التضحية التي أفرغت من محتواها وما عادت تفيدنا وروح الإيثار الذي ذهب مع الأوائل و ما عاد ينفس علينا ، ولحمة الجماعة التي تفككت و أصبح لسان القوم نفسي نفسي . فقدناك يا هتهات يا من عرفت برجاحة عقلك فلا تقول كلمة إلاّ وتضع لها ميزان ، ولا تصف وصفا حينما كنت تنقل لنا حال الثورة في المنطقة إلاّ وتحيطه بالدقة وتزيّنه بعدم الجرح ، لقد تعلمنا منك يا هتهات دقة الكلام وحسن الوصف فكم كنت تقوّم كلامنا و نحن الذين تعلمنا و تعلمنا ، وكم كنت تسعد حينما ترانا نحاضر في تاريخ المنطقة ولسان حالك يقول الحمد لله قد بلغنا وبلغنا . فقدناك ياهتهات ونحن أهل هذه المنطقة كم ننسى وننسى رجالنا فنضيع أوقات عيشهم معنا دون أن نستفيد ، ونضيع ذكرهم وتكريس محاسنهم في أوساط شبابنا فلا بشخصية منطقتنا أقمنا ، ولا بشبابنا رعينا ورعينا ، إنهم النموذج القريب الذي ينبغي أن نقربه للشباب حتى يقتدي ويقتدي و التاريخ الماثل الذي ينبغي أن نرعاه ونتحد من أجل تدوينه وتدوينه. لقد فقدتك كل ذرة ثرى مشت عليها قدمك و أنت مجاهد في سبيل الله وكلها تسبح لله بأن يرحمك ، وكل مولود بعد الاستقلال أسعدته تضحيتك لأجله ولسان حاله يسبح لله بأن يرفعك درجة في الجنة ويرفعك . وداعا ياهتهات و نأمل أن تكون موتك حياه ، وحياة تضحيتك في الثورة نموذج للأجيال حتى يعلموا بأن الحياة رسالة و الإنسان مكرم عن سائر الخلق ينبغي أن لا يعيش حياة الأنعام أكل ونوم وشرب ، بل ينبغي أن ندرك معنى الإنسان ونرعى روح الله فينا لأننا بها كرّمنا ، وما أجمل قول الشاعر : يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران قم للروح و استكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان وداعا يا هتهات و أنا الذي سالت دموع الفقد حارة من على وجني ، وقبّلت جبهتك بعد أن فاضت روحك وقلت اللهم فاشهد فإنه قد بلغ ، اللهم فاشهد فإنه قد بلغ ، اللهم فالشهد فإنه قد بلغ . (*) مصطفى داودي، أستاذ التاريخ بجامعة زيان عاشور – الجلفة.