بمجرّد أن نزحت بئر حمام المصران في أوت الفارط، حتى بدأت الأسئلة تطفو الى السطح حول المصير المجهول لمنطقة التوسع والمواقع السياحية "Z.E.S.T" بالمصران وبالتوازي مع ذلك بدأ اليأس يدب الى قلوب الناس بخصوص آمال الاستثمار وفتح آفاق التنمية للمنطقة ... هذه التساؤلات تعيدنا مرّة أخرى الى الواجهة مع اشكال قديم: لماذا لا يتم تثمين التنوع السياحي بولاية الجلفة؟ ولماذا نخشى على السياحة مثلا بحاسي بحبح لمجرّد أن حماما معدنيا قد نزح ولم يعد يدرّ مياهه الساخنة؟ الحقيقة التي لا مراء ولا جدال فيها هي أن ولاية الجلفة معروفة بتنوّع المناخ بها كونها تضمّ الأطلسين الصحراوي والتلّي وبها مناطق رطبة مصنّفة عالميا طبقا لاتفاقية "2004 RAMSAR". وكذا غزارة المناطق السياحية بها فهي تحتوي على حمامات معدنية مثل الحمامات المعدنية بولايات قالمة ومعسكر وتلمسان وسعيدة. والجلفة بها الكثبان الرملية والواحات كتلك الموجودة ببشار "تاغيت" وتندوف وغرداية وأدرار. والجلفة بها الغابات والجبال الغابية مثلما هو موجود بالعاصمة (بوشاوي) والبويرة (تيكجدة) والبليدة (الشريعة) حتى أنك تستطيع أن تلتقط صورتين في يوم واحد في الثلوج الباردة بجبال الشارف وتقرسان ووسط الكثبان الرملية الحارة ببلديتي أم لعظام وقطارة. تثمين السياحة بالجلفة يمرّ بخلق أقطاب سياحية تعكس التنوّع والثراء لكي ننطلق نحو تثمين السياحة بولاية الجلفة يجب أن نضع في حسابنا ذهنية السائح ... فهو إذا قرّر السياحة في أرض الله فلن يكون ذلك الاّ هروبا من الروتين والملل وبحثا عن الراحة والتجديد والمغامرة والاكتشاف والتسوّق والتعارف وحضور المواسم الفلاحية والرياضية والثقافية والتراثية والعلمية بل واقتناء ملابس ومنتوجات تقليدية جديدة وتذوّق أكلات محلّية وغيرها. إن هذا التنوّع لن يجده السائح في غير ولاية الجلفة. ولا يكاد يتوفّر في أيّ ولاية أخرى بل تكاد تنفرد به ولاية الجلفة عالميا اذا ما أحصينا مثلا جبل حجر الملح الذي لا يوجد له نظير في العالم سوى جبال الملح البلّورية في سويسرا والأرجنتين. واذا عدنا الى الصناعة التقليدية الموجودة متفرّقة بولايات الهضاب العليا والجنوب، فان ولاية الجلفة تشتمل على كل تلك الصناعات التقليدية مجتمعة مثل الزربية والبرنوس والقشابية والأحذية الجلدية (الصباط الطعبي بالجلفة) وسرج الحصان والخيمة والحلي والجواهر التقليدية والأكلات التقليدية والخُف (الجوارب) واللباس النسوي التقليدي والأدوات المنزلية التقليدية مثل الڤربة (الماء) والعكة (الرُّب والعسل) والشكوة (اللبن) ... بل وتكاد تنفرد ولاية الجلفة وطنيا بالأعمال الإبداعية لفن الأرابيسك والنحت على الخشب الذي يقوم به الحرفي "محمد تفريج". إنّ كل ما تحدّثنا عنه سابقا من امكانيات سياحية متنوعة ومنتشرة عبر بلديات ولاية الجلفة ال 36، يمكن استغلالها بطريقة أمثل اذا خضع الأمر برمّته الى خطّة متكاملة لخلق أقطاب سياحية ... كل قطب سياحي يمكن له أن يكون وجهة من أجل الاستمتاع بتنوع مقدّراته السياحية. دعك من قضية نزوح بئر "المصران" وانظر الى هذا التنوع السياحي !! منطقة التوسع السياحي المصران تتربّع على مساحة 60 هكتار تسمح ببناء منشآت فندقية راقية، ونزوح الحمام المعدني المصران لن يكون له أثر سلبي على السياحة هناك. واذا فكّرنا في انشاء قطب سياحي بمنطقة المصران فان الأمر سوف يسمح بتثمين المكنونات التاريخية والطبيعية والأثرية التي يزخر بها محيط حاسي بحبح. فمثلا لدينا منطقة جبل حجر الملح التي تبعد عنها ب 20 كلم فقط ولدينا الحمامات الرملية "النبكة" ولدينا "الفروسية" العريقة بمنطقة الزعفران والتي كان فرسانها سببا باشادة الأمير عبد القادر بخيول أولاد نايل حسبما نقله الجنرال الفرنسي "Joseph Eugène Dumas" .... ولدينا في الزعفران أيضا سد كريرش والزهرز الغربي والكثبان الرملية ومشروع مركز الصناعة التقليدية بحاسي بحبح. ولدينا المهرجان الوطني السنوي "برنوس الأحداب" للشعر الشعبي ولا ننسى أيضا زاوية عين اغلال العريقة. كما أن محمية الصيد بعين معبد لا تبعد سوى بمسافة 30 كلم عن حاسي بحبح. ويمكن أيضا أن يتم تنظيم جولات سياحية الى جبل الصحاري ببلدية حد الصحاري من أجل التمتع بمناظر الطبيعة الخلابة وقصورها العتيقة مثل قصر "بن ساسي" وهو قصر كبير تأسرك طريقة تصميمه، تعيد طريقة بنائه الى الذاكرة، الطريقة التي كان يبني بها الفراعنة قصورهم .ومجموعة أخرى من القصور العتيقة من بينها قصر "التارش"، قصر "سيدي داود" بمنطقة "الرميلة"، قصر "رملاية الخرفي"، قصر "حاسي التوتة"، قصر "السلوم"، قصر "المنكب"، قصر "سيدي الزوجي" وهو رجل صالح سكن هذه المنطقة، حسبما نقلته "الجلفة إنفو" في أحد استطلاعاتها السياحية السابقة في بلدية مسعد يسمح بناء قطب سياحي (pole touristique) باستغلال منطقة التوسع السياحي "الواحات" البالغ مساحتها 04.5 هكتار والواقعة بين أجمل المناظر الخلابة: طريق الكثبان وغابة النخيل ووادي مسعد. ويمكن الإستثمار في هذه المنطقة ببناء فنادق متطورة داخل واحاتها واحتضان مدينة مسعد لدار أو معرض دائم بها للصناعة التقليدية المحلية بها (القشابية والبرنوس) تضاف الى مركز تثمين المهارات. وكذا انعاش المواسم الفلاحية مثل "عيد المشمش" و"عيد الكبش" بعين الإبل ولم لا "عيد عسل السدرة" الذي تنفرد به مسعد عن باقي الولايات. ونفس الأمر بالنسبة للسياحة الصحراوية والجبلية ورياضة الجوّالة وتسلق الجبال والصيد والرماية وزيارة آثار ما قبل التاريخ في زكار وفيض البطمة وعين الإبل وعين الناقة بالمجبارة. ولا ننسى هنا التمتّع بتجربة الصيد بالطيور الجارحة مثل الشاهين والباز مع أفراد من عائلات "عبّاس" و"طاهيري" و"بن درّاح" من مدينة مسعد. أما اذا توجّهنا غرب ولاية الجلفة، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام السياحة الحموية الرائدة بالشارف بامتياز والتي هي في طريق التثمين خصوصا بعد بناء مركز الراحة للمجاهدين وفي انتظار تحقيق أمل سكانها في بناء مستشفى متخصص في التكييف الحركي وإعادة التأهيل مثلما هو الأمر بحمام بوحنيفية بولاية معسكر. ويضاف الى السياحة الحموية بالشارف الطبيعة الخلابة بالمناطق المجاورة لها مثل منطقة أڤطية، صيد الأسماك بسد الخريزة، جبل تقرسان، جبل كريكر وجبل عين الحجر الذي يضاهي جمال جبل حجر الملح في بلّوراته وألوانه. وبمحاذاة عاصمة الولاية، نجد منطقة التوسع السياحي "سن اللبا" التي تتربّع غابتها على مساحة 12.5 هكتار تُعتبر من أجمل وأروع الغابات على المستوى الوطني وبجانبها يتم بناء المركز الوطني لتحضير المنتخبات والثانوية الرياضية لولاية الجلفة فضلا عن المتنزه العائلي الموجود بها. اذا كنت من هواة التحديات وتحطيم الأرقام القياسية فمرحبا بك في الجلفة الأمر ليس مبالغا فيه ... الجلفة بتضاريسها ومناخها تصنع للسائحين الفرصة السانحة اذا كانوا يرغبون في صناعة التحديات والمغامرة ... فما رأيك لو تجرّب شيئا ما من حياة سكان "الإسكيمو" بالتخييم في فصل الشتاء وتحت درجة حرارة تصل الى عشرة درجات تحت الصفر؟ هل أنت جاهز للتحدّي بتسلق الجبال الصخرية العالية في بوكحيل والشارف وسيدي بايزيد؟ هل تستطيع تجريب رياضة الغوص تحت الماء في الشتاء؟ ... نعم فهذا ممكن وقد جرّبها قبلك رجال الحماية المدنية في فيفري 2014. هناك تحدّي آخر وفرصة لا تتكرّر بالولايات الأخرى ... انها الفرصة لالتقاط أصعب المواضيع للصور الفوتوغرافية ... ما رأيك بالتقاط صورة للجربوع ... يلقّب بأصغر كنغر في العالم ... وهو يقفز مترين فوق سطح الأرض بل إن اليربوع بالجلفة يتحدّى كل محترفي التصوير الفوتوغرافي في العالم بالتقاط صورة له في اللحظة الحاسمة التي يغيّر بها اتجاه سيره تماما بالارتكاز على ذيله ... وما رأيك لو ترغب في التخييم بمخيّم الشباب بالقطيّة ببلدية الشارف أو بجبال بسطامة بسيدي بايزيد أو محمية التكاثر بعين معبد وتجرّب التقاط الصور لغزال الجبل أو قطعان الأروي (تيس الجبل) وهي تتسلق الجبال الوعرة؟ ... بإمكانك أيضا أن تلتقط صورة للقط البرّي وهو أعلى احدى شجرات الصنوبر أو عند اللحظة التي يستعد فيها للفتك بإحدى فرائسه أو أثناء مطاردته لأرنب برّي بجبال سيدي بايزيد ... والقائمة مفتوحة أمامك بخصوص الحيوانات البرية الأخرى كالذئب والثعلب والطيور بمختلف أنواعها كطائر الهدهد او الصقور بأنواعها. المواسم الرياضية من أجل استغلالها في جذب السياح والترويج للجلفة كقبلة لرياضيّي النخبة اذا تحدّثنا عن تسخير الرياضة لخدمة السياحة، فانه يجدر بالذكر هنا أن ولاية الجلفة قد حصدت عدة ألقاب وطنية في رياضات الفروسية والرماية والملاكمة والرياضات القتالية وغيرها. بل وتتوفر ولاية الجلفة على امكانيات رياضية يمكن استغلالها سياحيا مثل مضمار العدو الريفي ذي المقاييس العالمية وميدان سباق الخيل "سيدي نايل" ومركز تحضير المنتخبات الوطنية بغابة "سن الباء". وتصبح آفاق السياحة الرياضية أوسع بولاية الجلفة اذا ما اقتدت الجلفة بولاية ميلة التي نظّمت البطولة الوطنية لرياضة التجديف بسدّ بن هارون، فلماذا لا يتم تنظيم رياضة الغوص وباقي الرياضات المائية بسد "الخريزة"؟. هذا الأخير يحتاج الى عناية خاصة من أجل ازالة الأوحال به لا سيما وأنه قد أثبت امكانية استغلاله في الرياضات المائية بفضل تربصات الغوص التي تقيمها المديرية العامة للحماية المدنية وآخرها التربص الوطني الذي شاركت فيه 17 ولاية من الوطن في فيفري 2014. كما أن رياضات الجوّالة والتخييم (randonneur) وتسلق الجبال (escalade) وغيرها تجد لها المكان المناسب بجبال وغابات وواحات وكثبان وصحاري ووديان وسدود ولاية الجلفة. والرياضات العسكرية لها هي الأخرى دور في ابراز انعاش السياحة بالمنطقة التي تنعقد بها خصوصا اذا كان الأمر يتعلّق ببطولة عسكرية وطنية أو دولية. وفي هذا الصدد يجدر التذكير بمشاركة عدّائين من المنتخب الوطني العسكري في البطولة الوطنية للعدو الريفي المنظمة كل سنة بمضمار "سن الباء" ... فلماذا لا تكون هناك بطولة وطنية عسكرية أو دولية عسكرية للعدو الريفي بولاية الجلفة والإمكانيات متوفّرة لنجاحها مثل المطار العسكري بعين وسارة والفندق العسكري بعاصمة الولاية ومقر القيادة العامة للفرقة 12 لمشاة الميكانيك وغيرها من الثكنات العسكرية. وباقي الفنادق والمنشآت السياحية ستساعد في نجاح هذا الموعد وبالتالي الترويج لولاية الجلفة كوجهة سياحية عالمية. بل إن سباق التوجيه الذي تحتضنه الأكاديمية العسكرية بشرشال كل سنة يمكن تنظيمه بولاية الجلفة بغابة سن الباء وبمضمار أكبر من مضمار شرشال (06 كلم) مادامت غابة سن الباء يمكنها أن تحقّق "الأهداف التربوية والتكوينية العسكرية لسباقات التوجيه مثل تطوير حس الملاحظة و رد الفعل السريع والتحليل في الميدان و اكتساب التقنيات الطوبوغرافية والتوجيهية" حسب ما رصدته التقارير الصحفية من شرشال ... ولا ننسى هنا أن ولاية الجلفة تتوسّط 48 ولاية وهي قريبة من النواحي العسكرية الستّة. المناخ في خدمة السياحة بولاية الجلفة هناك ظاهرة "الصّيّافة" التي تنفرد بها ولاية الجلفة كل صيف بسبب برودة الطقس في ليالي الصيف. حيث تصبح بلديات ولاية الجلفة مقصدا للعائلات من ولايات الجنوب والجنوب الشرقي طيلة أكثر من ثلاثة أشهر. فتجد سكان مدن ورقلة وبسكرة ووادي سوف وغرداية والأغواط وتڤرت والمنيعة وبرّيان وسيدي خالد والمغيّر وحاسي مسعود يمضون صيفهم بولاية الجلفة بل وحتى من ولايات الشمال التي ترتفع بها درجة الرطوبة وأحيانا درجة الحرارة بفعل حرائق الغابات. ولا ننسى هنا أن المناخ الجاف لولاية الجلفة يساعد على الشفاء من الأمراض التنفسية والصدرية حيث أن أغلب الأطباء بالولايات الشمالية ينصحون أصحاب الأمراض التنفسية والصدرية بقضاء فترة بولاية الجلفة ذات المناخ الجاف خصوصا وأن ولاية الجلفة بها غابات كثيفة بكل من بلديات سيدي بايزيد والمجبارة وحاسي بحبح وعين معبد ودار الشيوخ والشارف وغيرها. الشواء و"المصوّر" بالجلفة هو الأصل ... والباقي مجرّد تقليد بولايات الوطن اذا قلنا السياحة، فانه يجب أن نعلم أن السائح يرغب أيضا في تجريب أطباق جديدة وهو ما تشتهر به ولاية الجلفة. واذا نظرنا الى باقي ولايات الوطن فإننا نجد عدة مدن تشتهر بالشواء عبر مطاعمها الموجودة بالطرق الوطنية ومثال ذلك نجده في ولاية البليدة (الحمدانية) والعاصمة ببلدية درارية وولاية سطيف ببلدية عين ولمان والمسيلة ببلدية عين الحجل التي يمر بها الطريقان الوطنيان رقم 40 و 08، وهنا يجدر بالذكر أن كل تلك المطاعم المتخصصة في الشواء تقتني الخروف من بلديات مسعد وعين الإبل وأسواق المواشي لولاية الجلفة وقد يذهب الذوق الأصيل للحوم تلك الخراف اذا قُدم لها طعام آخر غير أعشاب الإستبس الطبيعية التي تتناولها في مراعي الجلفة مثل الشيح والجرتيل والجعّيدة والدڤُفت وغيرها ... حتّى أن مدينة تمنراست المعروفة بشوائها المسمّى محليا ب "مايناما"، لا يمكنها أن تضاهي نوعية ومذاق شواء الخروف والجَدْي بولاية الجلفة. أفق واعد بإنشاء مناطق توسّع سياحي جديدة مديرية السياحة والصناعة التقليدية لولاية الجلفة تتّجه نحو تثمين وتعزيز مكتسبات القطاع بنصوص قانونية، وفي هذا الصدد يجب التنويه بتصنيف أربع مناطق توسع ومواقع سياحية بولاية الجلفة وهي: المصران، حمام الشارف، واحات مسعد، غابة سن اللبا. وتعتزم ذات المديرية توسيع قائمة مناطق التوسع السياحي بالجلفة واقتراحها على السلطات المركزية من أجل تصنيفها بمرسوم تنفيذي. وفي هذا الصدد تم اقتراح مناطق كل من بلديات عين وسارة، سيدي بايزيد، حد الصحاري، عين افقه، دلدول، عمورة، سد رحال، قطّارة، تعظميت وبن يعقوب. وكل ذلك يُضاف الى جهود أخرى تبذل من طرف الإطارات الشابة لقطاع السياحة والصناعة التقليدية بالجلفة مثل المساعي الى دمغ وتسجيل منتوجات الصناعة الوبرية والصوفية كالبرنوس والقشابية والزربية ودون أن ننسى أيضا الهياكل الجديدة كمركز الإعلام والتوجيه السياحي الذي يفتح آفاقا واسعة للتعريف بولاية الجلفة والماركتينغ السياحي بها ... وكل ذلك يعطي الوكالات السياحية المحلية والوطنية الإمكانية لإعداد برنامج ثريّ للرحلات السياحية ملؤه التنوع والمغامرة والتجديد وعذرية الطبيعة وغزارة المناظر الممتزجة بالتراث الأصيل والصناعة التقليدية العريقة والمتزامنة مع الأعياد والمواسم الفلاحية والثقافية والعلمية والأدبية ... الجلفة بعدسات أبنائها الفوتوغرافيين