وصل تبرّع للثورة الجزائرية الولاية السادسة أكبر الولايات التاريخية التي أقرها مؤتمر الصومام مساحة وأقساها مناخا، وبالتالي عرف نشاط الثورة بها زخما كبيرا قابله ضغط مكثف من طرف العدو، وبما أن النشاط العسكري لجيش التحرير الوطني ما كان ليستمر دون توفر المؤن من أغذية وألبسة وأدوية وأسلحة فقد حاول قادة الثورة رصد الأموال اللازمة لتوفير كل ما يحتاجه المجاهدون بالاعتماد على الإمكانات المادية البسيطة المتاحة رغم المشاكل والصعوبات الكبيرة التي واجهتهم عشية اندلاع الثورة، وقد كان الشعب أساسها.. الشعب أوكسجين الثورة لم تكن عملية التموين في بداية الثورة وإلى غاية 1955 تخضع لتنظيم دقيق، فقد كان جيش التحرير في الولاية يعتمد على سكان الأرياف بصفة مباشرة وعلى ما يحمله المجاهدون من الأغذية التي لا تتعرض للتلف بسهولة مثل التمور والأكلات الشعبية مثل الروينة والكعبوش والرفيس وغيرها ... وكانت الإمدادات التموينية لجيش التحرير يتولاها السكان المدنيون الذين يقومون بنقل المواد الغذائية سرا وبكميات قليلة إلى جنود جيش التحرير في الغابات، والجبال، وكذا تزويد بعض العائلات الفقيرة والمعوزة -لأنها قدمت أبنائها لجيش التحرير-، وقد أصبح تضامن الشعب مع الثورة محكما ومنسقا فكلما اكتسح العدو قرية وهدم بنيانها واحرق مؤنها يقومون بملأ المتاجر بالبضاعة ويقوم أصحابها بتموين سكان القرية بكل ما يحتاجون إليه. هذا ما خلق روابط عميقة بين جيش التحرير والشعب وذلك عن طريق مجالس محلية سرية مشكلة من أفراد الشعب تعمل على جمع المؤن المختلفة والأموال بالقرى والمداشر والدواوير يحضرون بأنفسهم ما يحتاجه المجاهدون، وقد نظم الشعب الجزائري من تلقاء نفسه أسلوبا مدهشا للمساهمة جماعيا في جمع المؤن من أسلحة وأغذية وألبسة وأدوية وإخفائها في أماكن بعيدة عن أنظار العدو، وكانت في كل مرة تعديلات تطرأ على طرق جمع المؤن حتى تتمكن الثورة من إيجاد نظام محكم لهذه العملية المهمة، وقد تشكلت تحت رقابة جيش التحرير إدارة مدنية تُعنى بالمسائل التموينية تجلت في تلك اللجان على مستوى كل المداشر والدواوير. مصادر إعانات الثورة المالية استطاعت الثورة في ظرف وجيز أن تجد مصادر مالية مختلفة ومتنوعة معتمدة في ذلك على الشعب الجزائري الذي لم يبخل على جيش التحرير الوطني بمساعداته المادية والمعنوية، ولكن بقيت قليلة نظراً للرقابة الشديدة التي كانت تفرضها فرنسا على الاتجاه الثوري في الحركة الوطنية، مع ذلك خططت للحصول على الأموال بأية طريقة حتى ولو كلفها ذلك التضحية ببعض المناضلين في سبيل هذه المهمة. فرضت الثورة دفع مبلغا من المال لكل مواطن قادر كعربون موالاة للثورة، و قد حدد مبلغ الاشتراك في بداية الثورة ب 200 فرنك فرنسي قديم، أين يتم تقديم وصل مقابل الاشتراك، هذا الأخير يكون مُرقما ترقيما تسلسليا مع تبيان الجهة التي أصدرته سواء جيش التحرير أو جبهة التحرير، ثم تطور المبلغ إلى 500 فرنك، ليصل في السنوات الأخيرة للثورة إلى 1000 فرنك. وكانت وصولات الاشتراكات تختلف من حيث الطباعة والشكل واللون، ففي بداية الثورة كان الوصل عبارة عن قصاصة من الورق تتضمن معلومات مكتوبة باليد تشير فقط إلى مبلغ الاشتراك واسم المشترك، ثم بعد ذلك أصبحت تطبع حيث كان الوصل يتضمن مبلغ الإشتراك والجهة الصادر عنها ويكتفي المسؤول المالي بكتابة اسم ولقب المشترك في خانة مخصصة لذلك. كان يسلم للأشخاص الذين يتكلفون بجمع التبرعات اعتماد للقيام بمهامهم حتى يكون التمويل منظما من جهة ومن جهة أخرى حتى تتجنب الثورة أي ابتزاز قد يقوم به بعض الأشخاص لمصالحهم الخاصة، كما تساعد هذه الإعتمادات على نجاح المكلفين بجمع الأموال في أداء مهامهم دون مشاكل أو صعوبات. أما ما مساعد التمويل على مستوى الحي أو القرية فيتكفل بمهمة جمع الأموال، في حين كانت الاشتراكات تجمع في خلايا جبهة التحرير من طرف المناضلين والمتعاطفين وتُسلم إلى الجهات المعنية أثناء الاجتماعات الدورية وتسجل في سجلات محفوظة ومراقبة من طرف المحاسبة، وهذا المال يُعطى للمحافظ السياسي في القسمة مقابل وصل ممضي وعليه الختم. نظام تقسيم المؤونة كانت جميع المبالغ التي تجمع بواسطة الاشتراكات أو يتحصل عليها عن طريق الزكاة أو الغرامات أو الضرائب أو التبرعات والهبات من طرف التجار والحرفيين وميسوري الحال خاصة في المدن، يدفعها رؤساء اللجان مع تقاريرهم الشهرية إلى الرقيب الأول السياسي للقسمة وهذا يدفعها بدوره مع تقاريره الشهرية إلى مسؤول القسمة، ثم إلى مسؤول الناحية الذي يدفعها بدوره رفقة تقاريره الشهرية إلى مسؤول المنطقة ومن ثمة إلى مسؤول الولاية، وكانت القسمات خلال الاجتماعات الشهرية تحدد احتياجاتها المالية وترفع طلبها إلى الناحية مع تقريرها الشهري، ومجلس الناحية يحدد في محضر جلسته الشهرية تلك الاحتياجات حسب الأولويات ويرفعه مع تقاريره الشهرية إلى المنطقة، ثم يدرس هذه الاحتياجات في الاجتماع الذي يضم مجلس المنطقة ومسؤولي النواحي، وترفعها المنطقة مع تقاريرها كل شهرين إلى مجلس الولاية، وفي اجتماع مجلس الولاية الذي يحضره مسؤولي المناطق يدفع مسؤول الولاية المبلغ المالي المخصص لكل منطقة إلى مسؤول الأخبار والاتصال، ثم إلى مسؤولي المناطق، ثم إلى الملازم الأول الإخباري الذي يدفعها إلى المرشح الإخباري الذي يسلمها إلى مسؤول القسمة وهذا الأخير يسلمها إلى الرقيب الأول الإخباري الذي يدفعها إلى رئيس اللجنة ومنه الى المكتب التجاري، وهذه الطريقة القانونية في تسليم الأموال. وقد يحدث أحيانا أن تسلم الأموال مباشرة من مسؤول المنطقة إلى مسؤول الناحية، ومنه إلى مسؤول القسمة وهذا حسب الظروف التي تمر بها الثورة. وبالنسبة لمَا جاء في التقارير فقد كان المحافظ السياسي للمنطقة يتولى الحسابات الدقيقة المتعلقة بالجانب المالي ويكون التقرير المالي جزء من التقرير الذي يقدمه إجباريا كل شهر إلى مسؤوليه حسب السلم التصاعدي، فقد كان يكتب التقرير المالي كل شهر ويحمل في الغالب رقم الولاية والمنطقة والناحية والقسمة ويكون مقسما إلى قسمين قسم للمُدخلات وآخر للمُخرجات وتتضمن المدخلات قيمة الإشتراكات وكذلك التبرعات والمبالغ المالية التي تمّ الحصول عليها عن طريق العقوبات ومبالغ البيع وفي الأخير يحسب المبلغ الإجمالي يضاف إليه المبلغ المتبقي سابقا ليكون عبارة عن " مدخول كلي" أما المُخرجات فتحدد فيها القيمة المالية للتموين وما تمّ إنفاقه على اللباس والاتصال وكذا الأموال التي قدمت للفقراء والمحتاجين في شكل إعانات وغيرها، وفي الأخير تجمع النفقات لتشكل قيمة المخروج الكلي وبعد ذلك يتمّ إيجاد الفرق بين المدخول الكلي والمخروج الكلي وهو المتبقي في الصندوق. أهم المؤن المطلوبة وكيفية توزيعها كانت الأموال التي تجمع يتم إنفاقها في كل المجالات المتعلقة بالثورة، وقد تمّ التركيز على توفير المؤن المختلفة لجيش التحرير، وتمثلت أنواع المؤن في المواد الغذائية بصفة أساسية ويمكن حصرها في القمح، الدقيق، العجائن، التمور بالإضافة إلى السمن والزيت ... في بداية الثورة كان كل فوج أو مجموعة من المجاهدين تتولى توفير مؤنها بصفة ذاتية، وقد كانت غالبية المواد الغذائية تلك التي تقاوم الظروف الطبيعية لمدة طويلة، وكان القمح والشعير يحضر بصورة تقليدية حيث لم تكن هناك مطاحن، وإنما كانت العائلات في الأرياف تتولى طحن الحبوب وإعداد الأطعمة والأغذية لجنود جيش التحرير. أما النوع الآخر من المواد التموينية فهو اللباس إذ لم يكن في بداية الثورة للمجاهدين لباس موحد فهناك من يجمع بين الألبسة المدنية والعسكرية، وهذه الألبسة في الغالب يتمّ الحصول عليها من المجندين الجزائريين الذين شاركوا مع القوات الفرنسية في الهند الصينية أو الحرب العالمية الثانية، وهناك أيضا الألبسة التي كانت تُباع جملة في الأسواق، وكان اللباس إما جاهزا أو ألبسة تخاط ثم توزع على المجاهدين، وفي بعض المناطق يلجئ المجاهدون إلى اللباس التقليدي المعروف بالقشابية، ولم تكن هناك قبعات عسكرية وإنما عمامة توضع على الرأس، أما الأحذية فقد كانت معظمها بلاستيكية أو تقليدية الصنع. أما الأدوية فهي غالبا ما تكون خاصة بالجروح والكسور والصداع وهي قليلة وفي بعض المناطق تكون نادرة. والتموين بالأدوية كان من بين المشاكل التي ظلت تجابهه الثورة بسبب الرقابة الصارمة التي يمارسها العدو لاسيما في الأدوات المتعلقة بالعمليات الجراحية، وعند الحصول على كمية من الدواء يتم القيام بتخزينها وتسجيل كل ما يرد من أدوية بحضور الصيدلي والممرض والمشرف الذي يتولى خزن وتوزيع الأدوية بصفة منتظمة، كما يوجد على مستوى المنطقة مخزن للأدوية تسند مهمة الإشراف عليه لممرض المنطقة، وقد اهتمت الثورة بالقطاع الصحي لاسيما في مجال توفير الأدوية فإنها أقامت شبه مستشفيات للعلاج ولتكوين الممرضين، وكانت تختلف من منطقة لأخرى حسب طبيعة التضاريس والإمكانات، وقد كانت مقرات هذه المستشفيات عبارة عن مخابئ أو مغارات أو كهوف أو في شكل خيم، وكانت معظم الأدوية التي توجد بها عشبية تقليدية. وعلى سبيل المثال كان يوجد في المنطقة الثانية من الولاية السادسة بناحية "كريرش" مصحتين تحت الأرض للعلاج وتقديم الإسعافات الأولية وتخزين الدواء يشرف عليهما قادة ومسؤولين .. كما كان الاهتمام كبيراُ بالآلات والمعدات الخاصة بآلات الخياطة والأحذية ووسائل الإنارة التقليدية مثل مصابيح الفحم الحجري بالإضافة إلى الوقود، وكذا توفير وسائل الكتابة والنسخ أو الآلات الطبيعية البسيطة، و يتمّ اقتناءها من لدن المواطنين أو المجاهدين الذين يمتلكون مثل هذه الآلات أو المعدات، وبعد تنظيم عملية التموين خصصت ميزانية لشراء كل المعدات التي يحتاجها الجيش من آلات الخياطة والكتابة والورق والحبر ...، وهناك عدد كبير من جنود التحرير شكلوا القاعدة الأساسية للثورة في مجال تحرير الوثائق والتقارير وكذا المراسلات والسجلات المختلفة.. كما يعد السلاح عنصرا أساسيا في مجال التموين فهو عماد جيش التحرير في المعركة، وكانت عناية المجاهد بسلاحه كبيرة بحكم أنه الملازم له في كل الظروف، وهو الذي يدافع به عن نفسه، وقد كانت الأسلحة التي يمتلكها جيش التحرير عند اندلاع الثورة تقليدية تتمثل أساسا في بنادق الصيد والمسدسات والسلاح الأبيض الى جانب بعض الأسلحة المختلفة عن الحرب العالمية الثانية مثل "الستاتي" والتي اشتراها المواطنون أو جندوا بها أو تحصلوا عليها كغنائم سواء في المعارك أو الكمائن أو المواجهات الطويلة. وتبرعوا بها للجيش.. مراكز التموين ومخابئ الجنود عمل جيش التحرير بالولاية السادسة وعلى مستوى مختلف المناطق والنواحي والقسمات على إنشاء مراكز تموين طبيعية في شكل مغارات أو دهاليز أو كهوف بعيدا عن أنظار العدو وتحركاته، وكان يراعى في اختيار المراكز والمخابئ عدة شروط منها أن تكون الأرضية صلبة. وهناك نوعان للمخابئ والمراكز واحدة مخصصة للأسلحة والمؤن، و الأخرى لاختباء الأفراد: المخابئ المخصصة للأسلحة فهي تابعة بصفة مباشرة لجيش التحرير يشرف عليها مسؤول التموين، كما يشرف على ملفات المخابئ و كذا إصدار الأوامر لصرف اللباس ومختلف المؤن والأسلحة. وكان هذا النوع من المخابئ موجودا في الجبال لأنها ذات حصانة طبيعية حيث لا يستطيع العدو الفرنسي الوصول إليها رغم أنه قام بتطوير أساليبه العسكرية في المراحل الأخيرة من الثورة. أما النوع الثاني فهي موجودة لدى المواطنين لاسيما لدى بعض الفدائيين ويلتجئ إليها جيش التحرير عندما تقع بعض المعارك أو عندما يتعذر على بعض الجنود الالتحاق بالجبال عند مباغتتهم من طرف العدو. وقد ارتبطت أسماء المراكز والمخابئ بأسماء بعض المدن أو الجبال أو بواسطة الأرقام التي يعرفها المجاهدون والمسبلون. مراكز تخزين الذخيرة والمؤونة ومواقع الاختباء التابعة للمنطقة الثانية –الولاية السادسة من سنة 1956 إلى غاية 1962 وصلا تبرع من "الحبيب بن الحاج محمد بن سعد" بقيمة 1000 و 500 فرنك وصل تبرع بمبلغ 100 مليم توصيل مالي رقم 54 قدره 1500 فرنك قبضه العريف الأول السياسي من العريف الأول للاتصال والإخبار "عمر جماوي" ملحق تابع لادخار المؤونة واللباس لشهر سبتمبر 1961 رسالة طلب مؤونة رسالة طلب مؤونة من العريف الأول الإخباري لقسمة 58 إلى مسؤول المكتب السري رقم 41 ملاحظات تابعة لتقرير تدخير المؤونة واللباس لشهري أوت وسبتمبر 1961 رسالة تبليغ عن وصول مؤونة شهر مارس 1960 تقرير عام لشهر جويلية 1961 تقرير مالي عام أساسي