مازالت وزارة الثقافة الجزائرية تتابع برامجها الثقافية عبر ولايات الوطن في محاولة لتحريك المشهد الثقافي والفني، ورغم ذلك فالكثير من المتابعين غير راضين تماما على هذا التذبذب في إعداد برامج عميقة وهادفة، وما زالت أيضا وزارة الثقافة الجزائرية بعيدة كل البعد عن سياسة الترويج الثقافي لما ينتجه العقل المبدع الجزائري، خاصة وأنها لا تحتكم الآن على مجلة ثقافية متنوعة كبيرة، يشارك فيها مثقفون ومبدعون ومتخصصون وتصل إلى كل التراب الوطني، بل وتصل إلى كل شغوف بمتابعة ما يكتبه العقل المبدع في بحور أدبية وفكرية وثقافية وفنية وغير ذلك، ومن هنا فقد اقتربنا من بعض المبدعين والمثقفين سائلين عن حجم هذا التراجع المتكرر مع وفود وزيرة على مستوى وزارة الثقافة ما زالت رؤيتها الثقافية البحتة غائبة تماما، فلماذا تركن وزارة الثقافة "مجلة الثقافة" في زاوية مظلمة؟، ولماذا لا تبادر وزارة الثقافة بدعم مجلة فكرية وأدبية متخصصة وراقية على غرار وزارات في دول شقيقة، مع العلم أن وزارة الثقافة الجزائرية قادرة على استحداث مجلات متخصصة هامة؟ الكاتب الدكتور حبيب مونسي مازلنا مع سياسات الثقافة القائمة على الفرجة والمهرجانات، لذلك لن نؤسس في يوم من الأيام لمعرفة ثقافية نوعية لطالما كانت مجلة الثقافة منبرا فخما يتبوأ من ينشر فيه مكانة ثقافية فيوثق اسمه ومعرفته في عدد من أعدادها التي كانت تخرجها وزارة الثقافة في حلة بهية، وكان محتواها المعرفي يرفعها إلى مصاف المجلات العربية الرائدة.. غير أننا مع سياسات الثقافة القائمة على الفرجة والمهرجانات لن نؤسس في يوم من الأيام لمعرفة ثقافية نوعية، وكل ما سنقوم به هو التأسيس لفلكلور يدور مع المناسابات والمواسم، ويتقلب مع الأهواء والاتجاهات، تنتج عنه منشورات لا يمكن تثمينها لتحتل مكانة المجلة المتخصصة التي يمكن رفعها إلى مستوى الدرس الأكاديمي العلمي. صحيح قد يكون من واجبات الوزارة تشجيع هذه الأنشطة ودعمها ماديا ومعنويا، وإبراز طابعها المحلي المتميز، ولكن واجبها الثقافي يحتم عليها أن تكون لها مرجعية معرفية ثابتة لا تتحول مع تحولات الأشخاص والحكومات لأنها ميراث الوطن والأجيال. ما تنشره الوزارة يكشف عن خلل في الغربال وعن اتساع في عيونه يسمح بمرور الرديء من المادة فقد عرفنا في دول أخرى مجلات وملتقيات تخطت العقود لأنها اكتسبت لدى أهلها معنى الدورة الكونية التي لا يجب أن يحول الحول إلا إذا تحققت في جديد تقدمه كل سنة لقرائها من مختلف الأعمار والاتجاهات. صحيح كذلك أن الوزارة تنفق أموالا معتبرة من أجل النشر، وأنها أقامت اللجان لاستقبال الأعمال قبل النشر.. غير أن ما ينشر يكشف عن خلل في الغربال وعن اتساع في عيونه يسمح بمرور الرديء من المادة.. حتى صار لدينا اليوم أن كل من يكتب نصا سرديا يحق له أن يزعم أنه روائي وكل من يكتب نصا نثريا يطالب بحقه في أن يكون شاعرا.. وقد يكون من الخير للبلاد والعباد أن تنشر الوزارة 100 كتاب بعد مرورها على غربال محكم النسج، بدل أن تنشر الألف منها وفيها ما يقدح في الثقافة وأصالتها المعرفية والعلمية.. لا أريد التضييق على الناس.. ولكني أريد لكل مجتهد أن يقف عند نصه ما يكفيه من الوقت ليطمئن أن ما يقدمه اليوم سيكون له لا عليه حينما يواجه القراءة والنقد. وقد يكون من الخير للبلاد والعباد أن يكون لنا 03 مجلات ثقافية جادة التحكيم ثابتة الإخراج، بدل أن يكون لكل فرقة مجلتها التي تنشر لها كتابتها غير آبهة بما يقال هنا وهناك.. إن تغيير الرؤية الثقافية في سياسة الوزارة أمر ضروري اليوم، لنخرج من ثقافة الفرجة إلى ثقافة الإبداع والتأسيس، فقط بقليل من المراجعة، وعدم الاندفاع إلى الأمام لأن أمر الثقافة مرتبط بأمر المجتمع الذي يصعب تحويله في دورة أو دورتين... الروائي عبد الباقي قربوعة لا أشك في أن الوزارة لم تجد إطارات يشرفون على تحرير مجلة ثقافية، على قدر ما أنا أشك في أن الوزارة تخاف من الثقافة طالما تظل السياسة تؤطر الثقافة، فلا خير في هذه الوزراة القائمة، ولا في أية وزارة ستأتي بعدها، الدولة تتحرك بمحاور اقتصادية بحتة، وستظل النظريات بعيدة عن موضوع اسمه الفكر، لأن كلمة فكر صارت في مفهوم الدولة المادية كلمة مبتذلة لا يتناولها إلا متمرد خارج عن الخط، لأن الذي يتولى تأطير الحياة الاجتماعية بجميع مناحيها شخصية سياسية، لا يعلم أن الاقتصاد فكر، وأن السياسة إبداع يستمد قوته من القراءة والكتابة، لا حظَّ للمثقف ما دام السياسي يخاف من الفكر والمفكر، يخاف من النص نتاج السؤال، بالمختصر الذي لا يبدو مفيدا لدى السياسي، لا خير في نظام يخاف من السؤال، الدولة تحتاج إلى مرشد اقتصادي يمكن أن يجعل الواحد زائد واحد يساوي ثلاثة، وبسذاجة تريد أن تطمئن على التنمية، لكن الذي يخوفه من خطر الحصيلة السلبية ما لم نطرح السؤال بطريقة سوية، في حين لا أحد يستطيع أن يطرح سؤالا احترافيا إلى المفكر، كما لا يمكن أن يخوض في إجابة منطقية إلا المبدع، وبالتالي الوصول إلى نتيجة تتطلبها المواكبة الحديثة المطلوبة، وبذلك أيضا نستطيع أن نحقق السبق على غرار كثير من الدول التي تلتمس حضارتها ورقيها في من تنتجهم جامعاتها، وفيما منحها الله من قدرات في شبابها، الدولة عجوز يشك في قدرات أولاده، يهزأ بالكتابة وبالشعر وبالرواية وبالثقافة عامة، وتعتبرها مضيعة للوقت. على الدولة أن تلتفت إلى آبار الفكر في عقول شبابها و"مجلة الثقافة" هي الوزارة، لأن خطاب الوزيرة قد نتصادف معه في الشاشة وقد تلهينا عنه مشاغل الحياة، والمجلة باقية.. الكتابة كانت في القديم، أيام بلغ العرب أوج حضارتهم، كانت مُقومة للحياة الاجتماعية في جميع تفاصيلها، ترصد درجة الشجاعة والكرم، وترصد نسبة الذكاء فيها، وترصد قوة الابتكار، وتُقيم مدى استعداد أبنائها للحياة، ترصد درجة النضج الاجتماعي شاملا ، تجد هذا في القصيدة وفي الرواية وفي المقامة، وتجد ذلك أيضا في المقال وفي المقامة والمسرح، تجد العجب في الثقافة وفي ما ينتجه العقل، على الدولة أن تلتفت إلى آبار الفكر في عقول شبابها نصحت التلاميذ ذات سؤال، قلت لهم عليكم ألا تهملوا الوقت، تناولوا جميع مراحل حياتكم بجد، -مثلا- يجب أن تأخذ طفولتكم حقها في اللعب.. فرد عليّ التلميذ قائلا: يا الشيخ أنا في الخامسة عشر ولم ألعب بعد، قلت له: ومن منعك؟ قال لي: أبي يشتري لي كرة، فإذا لعبت بها داخل البيت أمرني أن أخرج بها إلى الشارع، وإذا خرجت لألعب بها في الشارع خرج وقال لي: ادخل وألعب بها داخل البيت، فإذا أغضبته أمي مزقها ورماها على وجهي، أو هكذا هي الدولة شباها في السن الخمسين ولم يلعب بعد، منذ أربعين سنة ونحن نشاهد فانتازيا الزعامة الفارغة، لا أشك في أن الوزارة لم تجد إطارات يشرفون على تحرير مجلة ثقافية، على قدر ما أنا أشك في أن الوزارة تخاف من الثقافة، أو تهزأ مما يمكن تبحث فيه وتطرحه أمام خطاب مادي ديماغوجي يحث على الاستهلاك، وعلى تكريس الحياة في سياقها النفعي المادي الجاف، مؤسسات مصغرة ومتوسطة واقتصاد السوق وحرية الأسعار، وسياسة الدعم لشراء محركات ومكنات وآلات، الدولة اليوم مكبلة بتفكير حديدي، عليها أن تنتفض وتتحرر كي تخرج شعبها إلى فضاء أرحب وأبهى، فالمجتمع دون ثقافة احتكاك صلد، وكما عرف الشعب أنه يوجد حاسي مسعود وأرزيو والحجار، يجب أن تُفهمهم أنه يوجد أيضا فكر وشعر ورواية ومسرح وثقافة عموما، ولا يسهر على إبراز ذلك إلا مثقفون أقحاح مدججون بالأسئلة العميقة، مفعمون بروح الإبداع ومبادرة التنقيب عن عقول وهاجة ترصد الحالة الفكرية التي انفصلت عنها الدولة منذ زمن بعيد، مجلة الثقافة هي الوزارة لأن خطاب الوزيرة قد نتصادف معه في الشاشة وقد تلهينا عنه مشاغل الحياة، والمجلة باقية أما الوزيرة فستتبدل كما تبدل غيرها، المجلة هي التي ترصد للآتين كيف كانت الحياة قبلهم كي يؤسسوا حياة أفضل
الشاعر رابح ظريف لا بد من ضبط سياسة الإعلام الثقافي، وتخصيص فرع في كليات الإعلام لما يسمى بالإعلام الثقافي أغلب الأنشطة تنتهي دون توثيق، دون أن تصل إلى القارئ والمتابع والمهتم المحلي فعلا، هناك خلل ما في السياسة الترويجية لأنشطة على قدر كبير من الأهمية، تحضرُ الإرادة السياسية لوجود فعل ثقافي وتغيب معه الإرادة الإعلامية التوثيقية، أغلب الأنشطة تنتهي دون توثيق، دون أن تصل إلى القارئ والمتابع والمهتم المحلي ، فما بالك بالآخر الذي يمتلك فضولا ما لمعرفتنا وترصّد الراهن الثقافي والمعرفي لدينا، نملكُ خزّانا رائعا في مختلف الميادين الفكرية والأدبية والثقافية لكننا لا نملك واجهة تقدمنا للآخر، أعتقدُ أنّ هناك خللا ما في الأمر، كما أشرت وتفضلت في سؤالك فأنا لا أعتقد أن وزارة الثقافة عاجزة عن استصدار مجلة أو نشرية ثقافية هامّة، تقدم هويتنا ويومنا الثقافي للآخر.. بل للتاريخ وللمستقبل، مجلة "آمال" في الستينات والسبعينات أصبحت اليوم مادة خاما لكثير من الدارسين اليوم، وستظل أيضا مادة للدارسين في المستقبل، فما الذي قدمناه لدارس الغد الذي يرغب يوما ما في أن يدرسنا اليوم، لا بد من ضبط سياسة الإعلام الثقافي أولا، وتخصيص فرع في معاهد وكليات الإعلام لما يسمى بالإعلام الثقافي على غرار الإعلام الرياضي، ومن ثم ضبط سياسة إعلامية ترافق السياسة الثقافية. القاص علي قوادري لوزارة الثقافة كل الإمكانيات التي تسمح بتخصيص حيز للمبدعين دون إقصاء إيديولوجي أولا علينا أن نقرّ أن الجزائر بحجم قارة، تتعدد فيها الأصوات الإبداعية وتتمايز تكتلا وإبداعا، وحتى من ناحية المستوى والاتجاه الإيديولوجي واللغوي، مما يجعل بعض المبادرات تتأخر أو تتراوح مكانها، وحتى وإن تمت يحدث صدام نقدي يميل لجهة ويقصي أخرى والعكس هوالصحيح.. ولكن لوزارة الثقافة كل الإمكانيات التي تسمح بتخصيص حيز للمبدعين دون إقصاء إيديولوجي ولا فكري ولا حتى على مستوى المجايلة، كما أنها قادرة على الطبع والتوزيع والإشهار ومتابعة مشروع المجلة بتخصيص أعداد وملفات تجمع الكتاب والمبدعين سواء أكاديميين أو أحرارا.. يبقى المشكل الأساس في لجنة التحرير التي يجب أن تجمع كل الأطياف دون اعتمادها على المركز/العاصمة، خاصة مع الانفتاح التكنولوجي وسهولة التواصل وبروز جلّ المبدعين على مستوى الشبكة العنكبوتية، فالمدونة الإبداعية الوطنية زاخرة وفاعلة ومتفاعلة بشكل ايجابي ومستمر.. السؤال حول ولماذا لا تبادر وزارة الثقافة بدعم مجلة فكرية وأدبية راقية على غرار وزارات في دول شقيقة، يحيلنا لعقلية المسئول وطاقمه ونظرتهم للهم الإبداعي، ولوظيفة الإبداع في زرع قيم الحب والجمال والتأثير الايجابي على المتلقي/ المواطن، ومدى تفاعلهم مع هذه الناحية التي تبقى محل نفور وتوجس وتباعد ، فالمثقف والمبدع الحقيقي كثيرا ما يمسه التهميش واللامبالاة.. الحقيقة الأكيدة أن الجزائر تحتاج فعلا للمجلة ، مجلة بحجم ووزن مبدعيها من كل الأجيال ، مجلة تجمع ولا تشتت وتؤسس لثقافة جديدة عنوانه حق المبدع في النشر والتواصل والمتابعة الرسمية.