لا تزال الجزائر التي تستعد مرة أخرى خلال الأسابيع القادمة، لاحتضان تظاهرة ثقافية توصف ب''الهامة'' و''الكبيرة'' كونها تحتفل بمدينة تلمسان كعاصمة للثقافة الإسلامية، تفتقر إلى مجلة ثقافية يرتبط اسمها بها على غرار دول شقيقة كالكويت التي ظلت مجلتها الشهيرة ''العربي'' منذ صدورها سنة ,1958 تشكل علامة بارزة في المشهد الثقافي العربي بما تحمله من طروحات ومواضيع ترصد الحراك الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي في العديد من بلدان العالم· وظل السؤال في الجزائر، إلى وقت قريب، يدور حول الجمهور الذي تتجه إليه مشاريع المجلات الثقافية، حيث يعتقد البعض أن تراجع نسبة المقروئية من شأنه إجهاض أي مشروع من هذا النوع في المهد، وإن صدر، فإنه لن يعمر طويلا، خصوصا أن الجزائري عادة، لا تستهويه مثل هذه النوعية من المجلات في ظل سطوة النشريات النسائية التي تتمتع بنفوذ واسع في السوق· بالإضافة إلى أن المادة الثقافية لاتجد لها جمهورا في بلاد تستهلك أخبار السياسة والفضائح مثل الحليب والخبز· ويجد هذا الطرح من يعارضه، حيث يتصور آخرون أن غياب المجلات الثقافية في الجزائر يعود أساسا إلى المشكل الكلاسيكي المتعلق بالنشر والتمويل وغياب الدعم، معللين ذلك بظهور مجلات في سنوات السبعينات والثمانينات وتحقيقها انتشارا طيبا لتختفي لاحقا لأسباب عديدة، على غرار مجلتي ''آمال'' و''الثقافة'' اللتين كانت تصدرهما وزارة الثقافة آنذاك· وفي الجهة المقابلة، يبرز رأي ثالثة يقول إن السلطات لايمكنها الاستمرار في دعم المجلات الثقافية كونها تمثل ''سلعة'' موجهة للنخبة المثقفة، فعمليا، لايمكن أن تسحب غير أعداد محدودة لا تغطي مبيعاتها تكاليف تحضيرها وطباعتها وتوزيعها، وعليه فهي تجارة خاسرة تكلف الدولة أعباء مالية دون جدوى· وينطبق نفس الأمر بالنسبة للناشرين الخواص أو حتى الجمعيات والمؤسسات العلمية والثقافية العمومية، حيث نسجل عزوفا عن خوض تجربة المجلة الثقافية لنفس السبب، رغم أن بعض الكتاب المشتغلين في حقل الإعلام حاولوا قبل سنتين إصدار أسبوعية متخصصة في الشأن الثقافي استمرت لأسابيع لتنهار لاحقا لكسادها في الأكشاك·دول تستثمر في الثقافةبعيدا عن المشهد في الجزائر، استطاعت العديد من الدول العربية أن تؤسس لتقليد المجلة الثقافية، فوزارة الثقافة في الجارة تونس التي تغرق في فوضى المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، لا تزال تصدر مجلتها ''الحياة الثقافية'' التي وجدت لها مكانا بين المجلات الثقافية الأخرى على غرار ''نزوى'' التي تصدرها سلطنة عمان، ومجلتي ''الفيصل'' و''المجلة العربية'' السعوديتين، و''دبي الثقافية'' الإماراتية· ونفس الأمر بالنسبة للعراق، فرغم سنوات الحرب استمر في إصدار مجلات ''فنون'' و''الاتجاه الثقافي'' و''تشكيل'' التي يكتب فيها بعض المثقفين الجزائريين من حين لآخر· كما تصدر وزارة الثقافة واتحاد الكتاب بسوريا عددا غير قليل من المجلات الثقافية أهمها وأشهرها على الإطلاق ''الأسبوع الأدبي'' و''الموقف الأدبي'' و''الموقف الأدبي و''التراث'' و''الآداب العالمية''، إضافة إلى مجلات تصدر بصفة شهرية، وهي ''المعرفة'' و''الخيال العلمي''· أما لبنان، فيظل البلد العربي ذائع الصيت في هذا الميدان بمجلاته الأدبية والثقافية العريقة التي من أهمها ''الآداب'' لمؤسسها سهيل إدريس، و''الجيل'' و''دراسات عربية'' و''كتابات معاصرة''· تجارة كاسدة في الأكشاك تحفل السوق الجزائرية بالعديد من عناوين المجلات الثقافية العربية والأجنبية التي تدخل البلاد سواء عن طريق موزعين ووكلاء معتمدين، أو الاستيراد المباشر، حيث يستطيع ''القراء''، أو بعض من تبقى منهم، أن يجد مختلف المجلات العربية ك''العربي'' و''الجيل'' و''مجلة الكويت'' و''عالم الفكر'' و''الفيصل'' و''الأدب'' وغيرها، بالإضافة إلى عشرات الدوريات العلمية المتخصصة· وبمقابل هذا اكتشفنا خلال جولة استطلاعية قادتنا إلى بعض الأكشاك والمكتبات المتخصصة في العاصمة، أن جمهور هذه الإصدارات يعد على رؤوس الأصابع، حيث يؤكد لنا صاحب كشك بشارع ''العربي بن مهيدي'' أنه يبيع المجلات الثقافية العربية منذ سنتين، غير أنها لاتلقى إقبالا إلا من البعض الذين وصفهم ب''النخبة''، فيما يكثر الطلب في أوقات معينة، على المجلات العلمية والدوريات الطبية والتقنية· وبالنسبة لمجلات الثقافة، فتبقى في مكانها رغم أن بعضها يتمتع بسمعة كبيرة كمجلة ''العربي'' الكويتية ''سابقا كنت أبيع منها العديد من النسخ، خصوصا أن سعرها 80 دينارا فقط·· آما الآن، فأبيع نسختين أو ثلاثة في أحسن الأحوال''· مجلات جزائرية لموظفي الدولة من ناحية أخرى، حاول الروائي الراحل الطاهر وطار المغامرة وخوض تجربة النشر الثقافي من خلال جمعية ''الجاحظية'' التي لا تزال إلى غاية الآن تصدر مجلتها الدورية ''التبيين'' التي ترصد مختلف الدراسات الأدبية وتنشر مساهمات المبدعين الشباب، وغيرها، بالإضافة إلى مجلات أخرى أسسها صاحب ''اللاز'' مثل ''القصيدة'' و''القصة''· ورغم أن وطار أراد الاستمرار في هذه المشاريع، إلا أنه اصطدم ب''الإمكانيات المحدودة'' ومشاكل التوزيع والدعم، مما جعل تلك المجلات تطبع نسخا محدودة جدا توزع على مرتادي الجمعية فقط ولا وجود لها في المكتبات والأكشاك· ومن جانبها قررت وزارة الثقافة قبل فترة إعادة إصدار مجلتي ''الثقافة'' و''آمال'' في حلة جديدة وفاخرة، لكن المشكل الذي يظل مطروحا هو أن المجلتين اللتين يفترض أن تمثلا صورة الجزائر وتعرف بهما، لا توزعان إطلاقا إلا على القطاعات التابعة لوزارة الثقافة وبعض المؤسسات الإعلامية، ولا تتجاوزان هذه الحدود· وقبل فترة أيضا، أصدر المجلس الأعلى للغة العربية مجلته الخاصة ''معالم'' التي يشرف على تحريرها بعض الكتاب أمثال مرزاق بقطاش وعمر أزراج وآخرين، حي تعنى المجلة بنشر مختلف الدراسات والترجمات الأدبية والفكرية، إلا أنها غير موجودة في الأسواق هي الأخرى· ومن جانبه، كان رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين قد وعد خلال المؤتمر التاسع لهيئته بإصدار مجلة ''الكاتب'' لتكون نافذة مفتوحة يطل من خلالها المثقفون العرب على الإنتاج الأدبي والفكري الجزائري، غير أن هذا المشروع لم يجد طريقا على النور إلى غاية الآن لأسباب تبقى مجهولة، ويظل معها مشروع مجلات ثقافية تحمل اسم الجزائر مؤجلا إلى حين· مدير الثقافة لقسنطينة جمال فوغالي أطالب الجمعيات المزعومة بإصدار مجلاتها رفض الشاعر ومدير الثقافة لولاية قسنطينة جمال فوغالي في حديث ل''البلاد'' فكرة غياب المجلات الثقافية الجزائرية وإهمالها، معللا ذلك بوجود أعداد تصدرها وزارة الثقافة بشكل دوري وملم بأغلب النشاطات والتظاهرات والأحداث الثقافية على غرار مجلتي ''آمال'' و''الثقافة''، مضيفا أن الوزارة لا يمكن أن تكون الوحيدة المسؤولة عن إصدار هذا النوع من المجلات التي تعنى بالمشهد الثقافي والفني أمام وجود جمعيات فنية تثبت يوميا، حسب محدثنا، غيابها الملحوظ عن المشهد الثقافي، وعدم حرصها على إصدار مجلات ثقافية تكون مرآة لأغلب نشاطات واهتمامات هذه الجمعيات ''ما أكثر الجمعيات الثقافية المزعومة في الجزائر وما أحوجنا إلى تتبع أخبارها''· وأرجع محدثنا نشأة المجلات الثقافية في الجزائر إلى القرنين الماضيين، أين كانت تشهد البلاد انتعاشا وانتشارا منقطع النظير على غرار مجلة ''الصراط'' التي كانت تصدر عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين· واعتبر فوغالي أن الاهتمام الفردي اليوم أصبح يصب كله في المشاكل الاجتماعية على حساب الثقافة التي لم تجد ضالتها بعد، أمام انصراف الناس عن متابعتها على حد قوله ''لماذا لا نساهم في إصدار مجلات ثقافية·· ولماذا تصلنا كل المجلات الثقافية العربية ولا تصل مجلاتنا إليهم؟''، كما جاء على لسانه· وفي سياق حديثه، طالب مدير الثقافة لقسنطينة بضرورة توزيع المجلات العلمية ''المحكمة'' التي تصدرها الجامعات ومراكز البحث عبر مختلف أنحاء الجزائر، حيث وصفها بالمميزة والرائعة من خلال مضمونها الهادف، ولن يتأتى هذا إلا من خلال تفعيل قانون يحدد أسعار هذه المجلات، ويضمن انتشارها ووصولها إلى الجميع، على حد تعبيره ·