بعد أيام قليلة سوف يُعرض الدستور الجديد على الغرفتين للمصادقة عليه وبالتالي اعتماده رسميا كدستور جديد للدولة الجزائرية. وهو حدث بالغ الأهمية يدل على أنه في الوقت الذي تعصف الفتن والصراعات بدول عربية شقيقة تحتفل الجزائر بحدث دستوري كبير يعكس استقرار دولة كانت العديد من القوى الصديقة و(المنافقة) تنتظر انفجارها من حين لآخر. ولا ينكر أحد بأن هذا التعديل الدستوري كان وراءه رجل (أحمد أويحيى) أشرف عليه منذ أن كلفه رئيس الجمهورية مهمة اختيار الفريق الحقوقي الذي تكفل بصياغته ثم توسيع نطاق المشاورة حوله وشرحه إعلاميا والدفاع عن كل ما ورد فيه من نقاط تتعلق بهوية الدولة الجزائرية وإعادة النظر في بعض مواده المتعلقة بمسائل الحكم واللغة الأمازيغية والحقوق الإعلامية وكل ما ترتب عن المحنة الجزائرية التي كادت أن تعصف بالنظام الجمهوري في الجزائر. فشخصية أويحيى فرضت نفسها باعتبارها محور هذه العملية الدستورية الجديدة، إلا أن ارتباط تعديل دستوري بشخص ومهما كان هذا الشخص يوحي بالعديد من التساؤلات التي إذا تم طرحها فإنها ستلقي بظلال حول (مشروعية) هذه العملية التي كانت محط اعتراض العديد من أحزاب المعارضة والشخصيات التي فضلت اللجوء إلى أسلوب أكثر شفافية وأقدر على إعطاء دور أكثر فعالية لهذه الأحزاب التي تم استشارتها باعتماد سياسة (فرض الأمر الواقع)، أي استشارتها في نص دستوري لم تسهر على صياغته أو على الأقل صياغة خطوطه العريضة بشكل مسبق وفي جلسات موسعة ولجان تؤدي عملها بطريقة أكثر (إشراك) و (إقحام) في هذه العملية المصيرية. إنها إذن الذهنية الجزائرية التي مازالت غير قادرة على استيعاب العمل الجماعي البعيد عن الإقصاء والذي يملك الشجاعة والقدرة على الاصغاء وممارسة نسبة عالية من التواضع السياسي الذي يجعل الجميع معارضة وموالاة مجتمعون حول دستورهم، الذي لا يحق لأحد مصادرته والاستئثار بصياغته. وبالتالي إبعاد هذا المرجع السياسي الهام عن المزايدات السياسية والمهاترات الحزبية، حتى يكون دستورا توافقيا كما دعت إليه المعارضة، وبهذا يمكن القول بأن صياغة الدستور جاء في ظرف سياسي على قدر عالي من التوتر متزامنا مع قانون الميزانية للسنة الجديدة 2016 والذي عرف مشادات عنيفة في برلمان فقد الكثير من مصداقيته في الشارع الجزائري وترك انطباعا على أن النظام أغلق اللعبة السياسية أمام معارضة ضعيفة لم تتمكن من كسب دعم الشارع وذهبت ضحية (التجوال الحزبي) الذي أفقدها الكثير من مصداقيتها الشعبية. لقد وصلت مهمة أويحيى إلى المرحلة الأخيرة التي كان من المفروض أن تكون المرحلة الحاسمة التي يتقرر فيها مصير الدستور الذي سيعرض على الغرفتين للقبول أو الرفض أو التعديل، إلا أن أويحيى يستطيع أن يعتبرها مرحلة شكلية لأنها ستعرف رفعا جماعيا للأيادي ومصادقة لا مشروطة على دستور جديد امتطى أصحابه قانون تجديد العهد لتصل إلى (الطابق الرابع) ثم خرجوا بمادة تمنع مستقبلا لأي كان التفكير في عهدة ثالثة وذلك من باب (أنا وبعدي العهدتان)، مما يعكس مستوى كبيرا من الاستئثار والأنانية وهم بذلك لم يفعلوا شيئا ولكنهم ألغوا سنة سيئة ابتدعوها وعادوا إلى الأصل والمتمثل في أن كل دساتير العالم لا تعطي للرئيس الحق في الترشح أكثر من مرة واحدة أخرى للرئاسة. أما الشارع الجزائري فكان ولا يزال يحتل وظيفة المتفرج بلا منازع، علما بأن المادة السادسة من الدستور قبل وبعد التعديل تقول بأن (الشعب هو مصدر كل سلطة) وتليها المادة السابعة مؤكدة بأن (السلطة التأسيسية ملك للشعب)، ولكن شتان بين هذه القوانين وواقع الحراك السياسي الذي عجز في إقحام هذه الكتلة الشعبية بشكل ديمقراطي منظم من خلال عرض أي تعديل دستوري مهما كان صغيرا أو كبيرا على صناديق التصويت ليتحمل المجتمع مسؤولياته في النهوض ببلاده وهو مقبل على سنوات عجاف تتطلب منه وعيا كاملا بالتضحيات التي قد يجد نفسه مطالبا بتقديمها. وها هو أويحيى يتصدر الحدث السياسي ويتولى بنفسه الاضطلاع بهذه المهمة التي تبدو بالنسبة لتاريخه السياسي مهمة بسيطة، كيف لا وهو الذي أشرف بنفسه على إغلاق العديد من الشركات معرّضا آلاف الأسر الجزائرية لمصير مجهول، واصفا نفسه برجل (المهمات القذرة) les sales besognes، التي أداها على أحسن وجه. إنها فرصة هامة ضيعتها السلطة في التصالح مع شعبها لأنها أدمنت سياسة (الأبوية) وبالتالي سيخرج الدستور الجديد وهو يشكو من نقائص عديدة على الرغم من تسجيله لبعض النقاط الإيجابية والتي لا يمكن إغفالها، وبهذا الشكل ستزداد الهوة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، أما السلطة القضائية فهذه قضية أخرى لأن مشروع تعديل الدستور لم يفكر مطلقا فيها وهي لعمري بيت القصيد، وفي انتظار أن يصبح القضاء هو سيد الموقف، كل دستور جديد والجزائر بألف خير.