بعد أقل من شهر منذ افتكاكها المركز الثالث في المهرجان الدولي للمسرح بالأردن، عادت مسرحية «كارت بوسطال» لتحرز «العنقود الذهبي»، الجائزة الكبرى للطبعة الحادية عشرة للمهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية، إلى جانب أحسن سينوغرافيا، أحسن توظيف موسيقي وأحسن دور نسائي.. ما يدفعنا إلى تسليط الضوء على هذه المسرحية، خاصة إذا ما توقعنا حصدها لمزيد من الجوائز مستقبلا. بإحرازها جائزة أفضل عرض متكامل «العنقود الذهبي»، وأحسن سينوغرافيا للمبدع حمزة جاب الله، وأحسن توظيف موسيقي لحسان لعمامرة، وأخيرا أحسن دور نسائي ليمينة حجّام، تكون مسرحية «كارت بوسطال» (بطاقة بريدية) لمسرح معسكر الجهوي قد نالت حصة الأسد من جوائز مهرجان المسرح الفكاهي، الذي احتضنه دار الثقافة حسن الحسني بالمدية، وشهد تنافس 6 عروض مسرحية. هذه المسرحية، التي شهد مسرح مستغانم الجهوي عرضها الشرفي قبل حوالي سنة ونصف (ماي 2016)، أثبتت أنها ما تزال قادرة على العطاء، وعلى التطور والتحسن أكثر، وبرهنت بهذا التتويج أن العرض المسرحي لا يجوز إيداعه أدراج الأرشيف ما دام فيه نفس أو عرق ينبض. يمكن اعتبار «كارت بوسطال» (البطاقة البريدية) من نوع الدراما الكوميدية، وهي تتنقل من الكوميديا إلى إلى الميلودراما في بعض المشاهد. كتب نصّها فتحي كافي، مقتبسا إياها عن «الفالوزج» لمحمد بورحلة. وقد مثّل في المسرحية كل من محمد فريمهدي، فؤاد بن دوبابة، دليلة نوار، إبراهيم بوعزة، لبنى نوي، محمد عبد الحكيم مباني، وأمينة بشليل. وسبق لقادة شلابي، مخرج المسرحية، أن حدثنا عن فحواها، قائلا إنها تحكي قصة شخص ثري يدعى قدّور الماركانتي (محمد فريمهدي) مسعاه الأول هو كسب المال عن طريق جميع السبل الممكنة بغضّ النظر عن شرعيتها. قبل ذلك، كان قدّور قد فقد زوجته التي أصابها مرض عضال، وعجز عن علاجها وإنقاذها بسبب الفقر، وحينما جاءته الفرصة لكي يصير غنيا، قرّر تعويض ما عاناه من حرمان، ولكن بجميع الطرق الممكنة. وشيئا فشيئا، يقول المخرج، وجد قدّور الماركانتي نفسه محاطا بأشخاص من فئة الأثرياء والنافذين، وحاول تقليدهم إلى درجة تغيير اسمه (السير بيتا) ولكن هيهات أن يصير مثلهم. بالمقابل، نجد مستشار قدّور الماركانتي جامعيا ومثقفا، يقبل بالعمل لدى سي قدور من أجل لقمة العيش، أما الثري الجديد بابنته فسيئة ومتدهورة للغاية، لاعتقاده بأن المال كفيل بإسعادها وتعويضها حنان الأم الميتة، والأب المنشغل بالكسب وجمع المال وكنزه، فيما وقت لا تبحث الابنة «سوسو» إلا على لحظة حنان تقضيها مع أبيها، وحتى هذا الطلب البسيط يعجز سي قدّور عن تلبيته. وتشاء الأقدار أن تصاب الابنة بنفس مرض أمّها، فتهجر والدها، الذي يكتشف عجز المال عن تحقيق السعادة. يعتبر مخرج المسرحية، قادة شلابي، أن جمالية البطاقة البريدية وقيمتها في حياة المرء، غائبة عن جيل العصر الرقمي، وهو ما تحاول المسرحية معالجته، لأن البطاقة البريدية ليست مجرد بطاقة عليها صورة، بل هي أيضا ذلك الكلام الذي يُكتب على ظهرها، وهي تمثل تلك اللحظة القصيرة التي تجلس فيها مع ذاتك وتتذكر شخصا عزيزا عليك، وتخطّ له تلك الكلمات، بمعنى أنك فكّرت به وخصصت له من وقتك، وهي لحظة حميمية لا توفرها الرسائل الهاتفية القصيرة ومواقع التواصل الاجتماعي. جمعت المسرحية بين لحظات الهزل والفكاهة، ولحظات من البوح ومساءلة /مصارحة الذات، وإذا كانت الكوميديا تهدف إلى انتقاد وضع عام، على غرار المتسلقين والوصوليين في مجال السياسة والاقتصاد والأعمال، وانتقاد وضع خاص حينما يتعلق الأمر بشؤون عائلة سي قدور ومحيطه المنزلي، فإن الجانب «الأقل ابتهاجا» من المسرحية يحقق التوازن في معالجة هذه القضايا، ويعبر عن مكنونات ضحايا الجشع، سواء كانوا غرباء عن سي قدور، أو قريبين منه وبالأخص ابنته فلذة كبده، أو الشخصية الجشعة في المسرحية، أي السي قدور في حدّ ذاته. تنوعت الإضاءة معبّرة على الموقف وما ينقله من حمولة عاطفية، كما عمل المخرج على استغلال الممثلين الركح كله، مركزا على الاشتغال على عمق الخشبة في كثير من الأحيان.. كما عمل على كسر الرتابة، بإدخال عناصر أشبه بالعرض التلفزيوني، لتكون المسرحية، على نقائصها، ذات بعد متكامل فيه مكونات متعددة تزيد من غنى العرض وما يقترحه من فرجة. يجدر التذكير بأن هذه الدورة من المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي، الذي يشرف عليه الدكتور سعيد بن زرقة، أقيمت تزامنا مع الذكرى الثلاثين لرحيل عملاق الفن الجزائري حسن الحسني (24 أفريل 1916 25 سبتمبر 1987)، وكانت فرصة للعديد من النشاطات الموازية، على غرار الندوات والورشات المسرحية.