يعد حق الدفاع القضائي أحد ركائز النظام القضائي وجوهر الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية في المجتمع، من منطلق المراجع المختلفة للدولة ضمن تكريس مبادئ العدالة التي حملها المشروع النوفمبري ولا يزال. يتم تكريس هذا الحق المقنّن دستوريا وفي القوانين الأساسية كل يوم في رحاب المؤسسات القضائية، ولكن يبقى النقاش قائما بشأن مدى المساحة المخصصة لذلك، ومدى قدرة الأطراف المعنية على ملأ تلك المساحة، ولذلك غالبا ما يحدث مد وجذب بين المخوّلين بترجمة حق الدفاع، ألا وهم المحامون والطرف الآخر المخوّل بتطبيق القانون ألا وهم القضاة بمختلف أصنافهم المهنية، وهي العلاقة التي ينظمها القانون. من حيث المبدأ يعدّ المحامي طرفا أساسيا في المعادلة القضائية، وهو يتبوأ مكانة متقدمة في المجتمعات التي تحكمها منظومة الديمقراطية بمفهومها الشامل، ويلعب في بلادنا دورا جوهريا في النشاط القضائي لما يوفره من تجسيد للضمانات القانونية التي تكفل حقوق الإنسان، وتصون الحريات الفردية والجماعية ضمن القانون، وهو عنصر كامل الحقوق في معركة البحث عن الحقيقة مما يتطلب منه، وبشكل دائم مضاعفة الجهود والحرص على الالتزام بالآليات القانونية المعمول بها، والتي تسهر عليها نقابات المحامين من خلال منظمتهم الوطنية التي تتمسك بحقها في الإسهام في صياغة القانون المرتقب لتنظيم المهنة، والذي لم يصدر بعد للمناقشة والإثراء سعيا منها لصيانة مختلف جوانب حق الدفاع وحمايته من أي تجاوزات قد تصدر عن الأطراف الشريكة الأخرى، وبالأخص ممثلي النيابة العامة أو قضاة الحكم. ومن الطبيعي أن تحدث بين الحين والآخر في محاكم الجمهورية مناوشات على خلفية تمسك كل طرف بحقوقه القانونية، وبالأخص المحامين الذين يسعون لممارسة كامل حقهم في الدفاع، ونسبة مثل تلك المناوشات قليلة مقارنة بنسبة الانسجام والتفاهم القائم بفضل احترام كل طرف لمساحته المصونة قانونيا في ظل قواعد الاحترام، طالما أن المبتغى هو التوصل إلى الحقيقة وإظهارها. ويرتقب أن يصدر القانون الجديد لمهنة المحاماة بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية على محتواه، خاصة ما يتعلق بالضمانات الكفيلة بحماية وترقية حق الدفاع من خلال تخصيص المنزلة اللائقة للمحامي داخل رحاب المؤسسات القضائية، وضبط مساحة كل الأطراف الأخرى التي يتعامل معها من منطلق حماية حق الإنسان ومصالح المتقاضين. ويبدو أن مساحة الاختلاف قد ضاقت حسبما يستشف من تصريحات رئيس منظمات المحامين الجزائريين لعدة وسائل إعلام، وهو الرجل الذي صعب الاتصال به لتوضيح المسالة. وقد حدثت في مرحلة سابقة ما يمكن وصفها بحالة سوء تفاهم لما اعتبره ممارسو حق الدفاع حينها تجاوزات وردت في مسودة تعديل قانون المهنة، وبالذات ما يتعلق بالعلاقة بين المحامي وقضاة الحكم والنيابة وحرية التحرك داخل المؤسسات القضائية باعتباره شريكا وليس دخيلا، وكذا ما يخص حرمة مكتب المحامي وحفظ السر المهني من أي تجاوز محتمل، وهي الأمور التي يبدو أن الوزارة المعنية قد تكون تنبهت لها وعالجتها في المشروع المعد، باعتبار أن الدفاع من أسس العدالة المستقلة. ولطالما أكد عليه القاضي الأول للبلاد في مختلف المناسبات خاصة في كل افتتاح رسمي للسنة القضائية، ولم يخف رفضه لأي انتقاص من حقوق الدفاع أو تعريضه لأي تجاوزات تحت أي ظرف كان، ذلك أنه بدون مساحة كبرى لنشاط الدفاع القضائي لن يكون هناك مضمون للعدالة ويشوب العمل القضائي بكثير من التشكيك، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل طموح البلاد لمستقبل أفضل.