تحتل المعلومة الاقتصادية مكانة مركزية في المشهد الإعلامي الذي يتميز بالتنوع في ظلّ تعزيز قوي لحرية التعبير المكرّسة في الدستور والمجسّدة كل يوم عبر عشرات من العناوين والقنوات. غير أن حماية المكاسب التي تحقّقت في حقل الصحافة الوطنية بفعل عوامل عديدة أبرزها نضالات أهل المهنة على مرّ الأجيال وقناعة الدولة الراسخة بأن الصحافة عنصر محوري في البناء الوطني وصمام أمان في مواجهة العولمة بما يحمي المجتمع من تأثيراتها السلبية، تتطلب الحرص على قواعد الممارسة الاحترافية المتلازمة مع المسؤولية الأخلاقية في التعاطي مع المسائل والقضايا الوطنية. لذلك كان الإعلام الاقتصادي سلاح ذو حدين يتطلّب في التعامل معه قدرا من الحذر والحيطة واليقظة. غالبا ما يتمّ بفعل المساحة الواسعة للحرية الصحفية وتحت تأثير السبق أو التميز نشر معلومات وبيانات تتعلّق بالحقل الاقتصادي الوطني دون إدراك مدى خطورتها بالنسبة للأمن الاقتصادي للبلاد، خاصة في ظلّ عولمة الأسواق، حيث تجري معارك اقتصادية شرسة تقودها بلدان صناعية وشركات نافذة تستثمر في معطيات منافسيها سعيا للعثور على فجوات تتسلل من خلالها للهيمنة أو التأثير في الخيارات، ومنها المسارات الإعلامية برصد كل ما ينشر أو يبث بما في ذلك تحاليل الخبراء الذين يكشفون كل شاردة وواردة دون تقدير كلفة ذلك بالنسبة للاقتصاد الوطني. المتعامل الأجنبي يحصل على معطيات بدون كلفة حقيقة لا يزال الإعلام الاقتصادي في بلادنا في مرحلة التشكل في انتظار أن يبلغ مرحلة النضج بالمعنى السليم بحيث يمكن حينها وضع الأمور في نطاقها بما يوفّر للمنظومة الاقتصادية الوطنية مناعة تقيها من محيط دولي سريع التغير يحمل مخاطر كبيرة على اقتصادات البلدان الناشئة التي تتطلّع للتنمية المستدامة وحماية مراكزها الاقتصادية في الأسواق العالمية. فليس من صمام أمان سوى الالتزام بتقاليد ترتكز على سلوكات مهنية من جانب الصحافة وأيضا من جانب مصدر الخبر الاقتصادي الذي حان الوقت لأن يتصرّف بمسؤولية والحضور في النقاش بشكل يوفر المعلومة في الحين دون أن يضع كل ما هو جوهري في مشهد يترصده في أدق الدقائق منافس أو خصم زبونا كان أو ممونا. في الواقع وبالنظر للأسلوب الذي يتمّ به نشر المعلومات الاقتصادية،خاصة مع اتساع رقعة الصحافة الالكترونية يتهدّد المؤسسات الجزائرية خطر كبير في تعاملها مع شركاء أجانب، بحيث لا يبذل هؤلاء عناء كثيرا للاطلاع على مؤشرات المشهد الاقتصادي وفقا لكل قطاع وحسب كل مؤسسة خاصة الكبرى منها أو ذات الطابع الاستراتيجي، مما يجعل لكل تقصير أو تهاون أو سوء تقدير كلفة لها وزنها المالي والاستثماري. فهل يعقل أن يجد المتعامل الأجنبي المستثمر من أي بلد كان كل ما يريده عن وسائل الإعلام فيدخل سباق صفقة أو مشروع وبحوزته تفاصيل من أرقام ومعطيات وتوجهات تساعده على التفاوض من مركز قوة؟ الحيطة والحذر لا تعني الانغلاق يسجل اليوم ومنذ سنوات عرض كل صغيرة وكبيرة عن الواقع الاقتصادي بالأرقام والتوجهات والخيارات تحت عنوان الجرأة أحيانا والشفافية أحيانا أخرى إلى درجة أن عديد مؤسسات لها ثقل في السوق تجد تفاصيل عنها في الساحة الأمر الذي يوفر لزبائنها أو منافسيها أو شركائها المحتملين كل ما يحتاجون إليه دون عناء مما ييسر لهم مهمة التفاوض وأحيانا من مركز أكثر أريحية ويحقّق لهم مكاسب لا يمكن تحقيقها لو لم تكن لديهم تلك المعطيات. لذلك هناك بعض القائمين على الشأن الاقتصادي من يحرص على إخضاع المعلومة في مجالات حساسة لتسيير ذكي بحيث يعلن عن أرقام ومؤشرات لا تؤثر في القرار ولا تشكل عنصرا جوهريا في الاستراتيجيات كما هو الحال في البلدان الصناعية التي تكشف عن جوانب تصنّف عامة ولا يمكن أن تشكل تهديدا لأمنها الاقتصادي. وبالنظر لحساسية المسألة هناك من المسيرين من يفرط في منع أي معلومة عن الرأي العام ويبالغ في التستّر أو الحفظ وهو سلوك بقدر ما يكتسي طابع التحفظ بقدر ما يحدث في المقابل أثرا عكسيا بتزايد الإشاعة وتعدّد القراءات بما يضرب مصداقية مؤسسة أو يسيء لسمعة قطاع. وهنا يستوجب بناء مقاربة العامية اقتصادية متوازنة بحيث تضمن الوصول إلى مصدر الخبر ونشره لفائدة القراء والخبراء والمختصين دون أن تمنح أدنى فرصة لمن يراقب التطورات قصد استغلال الفجوات أو يتحيّن الفرصة لاستهداف مركز المؤسسة في السوق أو التلاعب بمعطياتها. ويتطلّب مثل هذا المستوى من الأداء وضع قنوات محددة للتواصل بين المصدر والصحفي وفقا لميثاق شرف أخلاقي تحكمه التزامات المسؤولية المهنية، بحيث أصبح أكثر من ضروري إرساء علاقات احترافية بين عالم الاقتصاد والإعلام الوطني من أجل مواكبة تطورات حرية التعبير والصحافة وفي نفس الوقت تأمين الاقتصاد وكل الفاعلين فيه من أي استغلال غير نزيه للمعطيات أو توظيف غير شفاف يفقد المؤسسة الجزائرية قوتها في السوق أو يضعها على درجة من الخطر بفعل منافسة غير نزيهة. بالطبع لا يمكن تحت أي دواع كانت الاختفاء وراء ذلك لتكريس انغلاق على الذات أو البقاء على هامش المساحة الإعلامية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الرهان على الإشهار في التوقّع فيها بشكل فاعل وإنما المطلوب أن تكون للمؤسسة الاقتصادية إستراتيجية اتصال فعّالة وجريئة بحيث تكون لها المبادرة في تقديم المعلومات الدقيقة وبالمفاهيم الصحيحة وفي الوقت المناسب وفقا لرؤية استشرافية تضع المؤشرات في سياقها، فلا يمكن للمنافس أو الزبون أوالممون الحصول على كل ما يندرج في نطاق القرار السيادي. من لديه المعلومة يؤثر في القرار المؤكد أن من بحوزته المعلومة يملك القرار ولذلك بات حتما إدراج هذه القاعدة في معادلة الإعلام الاقتصادي ليس من باب الممارسة السلبية التي تكرّس الاعلام وإنما من باب الذكاء والمسؤولية في معالجة المعطيات وصياغتها ونشرها بالأسلوب الذي يدمج بين الاحترافية والحرص على أمن وسلامة المنظومة الاقتصادية بحيث يجب الانتباه من منطلق المسؤولية الإعلامية إلى كافة الجوانب التي من شأنها أن تكون مصدر خطر على الاقتصاد، بحيث من باب الحرص على السيادة الاقتصادية يجب التحكم في التناول الإعلامي لكل ما يدخل في هذا الباب. لكن لبلوغ مستوى عال في تأسيس إعلام دقيق وموثوق فيه يساهم في تعزيز جدار الأمن الاقتصادي سواء بالنسبة للمؤسسات أو المنظومة المصرفية أو المؤشرات الجمركية ومختلف الإحصائيات لا بديل عن وضع قنوات واضحة للاتصال المؤسساتي وإحداث تفاعلية اتصالية نشيطة بين مواقع المصادر المختلفة وكافة الفاعلين في محيط الصحافة بعيدا عن الانتقائية أو التهميش، إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال، لأي متعامل أو المكلف بالاتصال لديه من التصرف في المعلومة حسب الأهواء أو الميولات دون إعارة اهتمام للتداعيات بقدر ما يجب أن يتعامل مع الأمر بمسؤولية وتبصّر من منطلق المصلحة الوطنية التي تحملها المؤسسة ذاتها أو المتعامل حتى ولو كان من القطاع الخاص.ويمكن بمراجعة مسار الشراكة بين العام والخاص التأكد من مدى تأثير التعامل الإعلامي مع الملف، مما أدى إلى اصطدامه بمحيط كان يمكن أن ينخرط في المسعى لو تمّ تناول المسار الطموح بمعالجة إعلامية دقيقة على صعيد المضمون والأهداف والآليات لتبديد الغموض وإزالة تخوفات لها طابع المشروعية بالنظر للمدى الذي يحمله المسار ويتطلّب طمأنة كافة الشركاء وإبعاد أي تخوف عن العمال بالدرجة الأولى، في وقت ما أحوجهم فيه لمزيد من الإعلام الجواري لكسر شوكة الدعاية المغرضة والهدامة لكل ما فيه بوادر للازدهار والنمو.