فجر الاسترالي جوليان بول أسنج فضيحة سياسية كبرى لم تهدأ بتسريب عبر موقعه ڤويكيليكسڤ معلومات غزيرة في غاية السرية والكتمان. وهي معلومات تحصل عليها من العسكري برادلي ما نينغ في الجيش الأمريكي بالعراق المتحكم في تكنولوجيا الإعلام الآلي. وتكشف المعلومات المسربة أحاديث جرت بين القادة العرب والمسلمين ومسؤوليهم والدبلوماسيين الامريكيين المعتمدين حول قضايا غاية في السرية لا تسمح بالبوح بها تحت أي طارئ بحكم العرف الدبلوماسي وتقاليده ومحتوي اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات بين الدول الحريصة على أن يكون مضمونها مصان غير قابل للانتشار. لكن الإشكالية المطروحة هل تسونامي ويكيليكس جاء من تلقاء الذات لتسريب معلومات ووثائق من مصالح أمريكية معروفة بالحماية إلى ابعد الحدود؟، هل المسألة بريئة غايتها تمرير وثائق في إطار الحق الإعلامي المقدس، يريد به بلوغ الشهرة وكسب مواقع الريادة في العالم الافتراضي العجيب قاهر الحدود ومقرب المسافات الجغرافيا البعيدة؟، أم أن في الأمر قراءة أخرى هي أن أمريكا التي سربت هذه المعلومات عن العرب وغير العرب تريد من وراء الرسالة فضح ممارسات المسؤولين الذين تتعامل معهم وحثهم على الشفافية واحترام ما يريده الشارع وما يناضل من اجله: التغيير السياسي الآني دون توريث الحكم واستمرارية ما يعرف بالشرعية التاريخية إلى يوم الدين؟. إنها تساؤلات طرحت أمس في ندوة نقاش بمركز«الشعب» للدراسات الإستراتيجية نشطها عبد العزيز دردوري الخبير في الشؤون الدولية ورئيس مدير عام شركة أمن شبكة المعلوماتية المنشأة عام 2009. وانصبت التساؤلات في الندوة التي اهتمت بموضوع «ويكيليكس الظاهرة والتحديات» حول كيف تمت عملية تسريب الوثائق بهذه الضخامة عن أشياء من الممنوعات من مصالح اكبر دولة وأقوى الأمم تحصينا في شبكة المعلوماتية العجيبة التي تعد رائدة لها بامتياز. وإلى أي مدى يعتبر هذا التصرف عاديا من موقع لا يملك مقومات الشهرة والانتشار مثلما مواقع أخرى تعج بها المعمورة في عالم القرية الواحدة الشفافة. بالنسبة لعبد العزيز دردوري، فان تسريب موقع لوثائق في غاية السرية ليس بالمفاجأة في شيء. لكن المسألة التي تثير الجدل وتزيد في السؤال من سرب المعلومة والوثيقة بهذه الكيفية مستعملا القرص لتحميل ما يريد بغرض مجهول. وهو ما قام به العسكري الأمريكي لغرض يحمل الكثير من الغموض قد تجيب عنه تحريات المصالح الأمريكية المعنية إذا لم يكن هناك في الأمر أشياء أخرى مقصودة أحدثت بفعل فاعل. وتتمثل في إرادة الولاياتالمتحدة تعرية قادة وكشف تناقضاتهم وتصرفاتهم غير اللائقة. وإظهار الفجوة بين البرنامج الذي أعلنوه غداة الحملات الانتخابية والخطب السياسية وبين ممارسة السلطة وكم هي كبيرة المفارقة، التي تسقط أمامها كل تحفظ ويترك العنان للسان لقول أي شيء أمام دبلوماسيين أمريكيين معروفين بولائهم للوطن، وإعلاء مصلحته فوق كل اعتبار مطبقين القاعدة التي حفظوها عن ظهر قلب «لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم لكن مصلحة دائمة». المهم في كل هذه الزوبعة أن ظاهرة ويكيليكس بقدر ما هي وسعت من دائرة الحق في المعلومة للرأي العام وواجب اطلاعه بأدق التفاصيل عن سلوك المسؤولين السياسيين وغير السياسيين، فتحت الجدل الكبير حول ما السبيل لتأمين أنظمة المعلوماتية والدوائر والمصالح والمنشاة. وكيف يمكن كسب مصداقية الشركات العملاقة الشهيرة بصنع اجهرة الكمبيوتر والتكنولوجيات الحديثة التي تقول إنها تقدم خدمات آمنة لا تسمح بالاختراق والمساس. وأين موقع الجزائر في هذه الدوامة وهي تسابق الزمن من اجل إقامة الإدارة الإلكترونية عام 2013؟. إنها تحديات حقيقية تفرض مواجهتها بالكفاءة المعرفية وإسناد الأمر لأهل الاختصاص على حد تأكيد عبد العزيز دردوري قائلا في هذا المجال «أن الجزائر مطالبة بإدماج الجانب الأمني في تشييد مجتمع المعلوماتية لحماية الذات من أي جريمة طارئة». اكبر ضمانة ومسؤولية في هذه السياسة إعطاء الاعتبار لخريجي المعاهد والجامعات وإسناد لهم مسؤوليات الوقوف على نظام المعلوماتية الذي يملك مقومات الحصانة والحماية بصنع تكنولوجيات الإعلام الآلي، بدل استيرادها من الآخرين وما تحمله من فيروسات خطيرة على الأمن الوطني والاستقرار السياسي كل الرهان.