سلطت الاحتجاجات الاجتماعية -التي عرفتها تونس على مدار الأسابيع الماضية، والتي انطلقت شرارتها من ولاية سيدي بوزيد- الضوء على عدة قضايا، من بينها الفساد الذي تغلغل في معظم مؤسسات الدولة خلال سنوات حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وأتاح لعائلات معدودة على رؤوس الأصابع السيطرة على ثروات البلاد وتحديد مصير العباد. وعندما يذكر ملف الفساد في تونس فإنه سرعان ما تخطر ببال العارف بالشأن المحلي أسماء عائلات على رأسها الطرابلسي -عائلة ليلى الطرابلسي زوجة بن علي- المصنفة الأكثر فسادا والأكثر جشعا، وبعد ذلك تأتي في القائمة أسماء من قبيل الماطري وشيبوب، وهي كلها عائلات ظهرت ثم سيطرت على الساحة الاقتصادية بشكل سريع خلال سنوات حكم بن علي. وأمام تشديد الرقابة الداخلية على معظم وسائل الإعلام، وغياب أي محاسبة لأداء النظام الذي قهر رموز المعارضة، ظهرت وبالأساس في العواصم الأوروبية كتب تطرقت إلى النفوذ الكبير لعائلتيْ الطرابلسي والماطيري على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وسيطرتهما على المصالح الاقتصادية. ضمن هذا الإطار، كشف كتاب حاكمة قرطاج -في إشارة ل ليلى الطرابلسي- لكاتبيْه الصحفييْن نيكولا بو وكاترين غراسييه، معطيات تشير إلى توسع تدخل ليلى الطرابلسي في الشؤون العامة للبلاد، ومنها تعيينها أفرادا من عائلتها في مناصب حساسة. وأضاف الكتاب: أن زوجة الرئيس لعبت أدوارا سياسية هامة جدا. واستحوذت أسرتها على ثروات اقتصادية وامتيازات متعددة. وفي سؤال للجزيرة حول هذا الموضوع، قالت الصحفية كاترين غراسييه: إن وسائل الإعلام الغربية لم تكن تنشر حقائق حول الموضوع، ومن هنا جاءت فكرة الكتاب لكشف حقائق هذا النظام. وأضافت غراسييه -التي أشارت إلى صعوبات اعترت عملية التواصل مع مصادرها في تونس وتعرض بعضهم لمضايقات- لقد صدمنا بحجم الفساد الذي يقوم به نظام بن علي. مؤكدة أن تأليف الكتاب تم بجهود تونسيين زودونا رغم الإجراءات القمعية بالمعطيات والبيانات. وفي ما يخص الصمت الغربي -على وجه العموم، والفرنسي منه على وجه الخصوص- تجاه فساد نظام بن علي، قالت غراسييه: إن هناك أسبابا عديدة تشرح هذا الصمت، منها أسباب ذاتية من قبيل أن شخصيات فرنسية تقضي عطلتها في تونس. أما الأسباب السياسية، فيأتي على رأسها الرضا الغربي بعد نجاح نظام بن علي في تجفيف منابع الحركات الإسلامية، التي لم تعد بعد سنوات من حكمه تشكل خطرا على نظامه وحكمه. على أن آخر المعطيات حول موضوع الفساد في تونس كشفها موقع ويكيليكس الذي نشر وثائق وصفت محيط بن علي بأنه أشبه بالمافيا. وأوضحت هذه الوثائق أن عائلة زوجة الرئيس تورطت في عمليات اعتداء على أملاك الآخرين، وحيازة شركات مشبوهة التمويل، بالإضافة إلى اغتصاب شركات من أصحابها. ولهذا بدأ البعض اليوم بعد مغادرة زين العابدين بن علي تونس، يوجه اهتمامه أكثر إلى موضوع الفساد الذي من المرجح أن يستأثر باهتمام فئات عريضة من الشعب التونسي خلال المرحلة المقبلة، لمعرفة من نهب وكم من الأموال تم نهبها خلال السنوات الماضية!.. وضمن آخر المستجدات المرتبطة بالملف، قال مساعد لرجل الأعمال صخر الماطري صهر بن علي لوكالة رويترز: إن الماطري موجود في دبي، وإن التقرير التلفزي الذي تحدث عن اعتقاله غير صحيح. وأوضح المساعد -الذي طلب عدم نشر اسمه - أن الماطري في دبي منذ ظهر أمس الاول، وذلك بخلاف ما ذكرته محطة تلفزيون ''نسمة'' التونسية الخاصة، التي قالت في وقت سابق أمس الجمعة إن الماطري اعتقل مع العديد من أقارب بن علي أمس. علما بأن الماطري يعد واحدا من أبرز رجال الأعمال في تونس، وقال بعض المحللين -قبل بدء الاضطرابات- إنه يجري إعداده لشغل منصب سياسي رفيع.